اسيا العتروس*
أولا نعتذر عن اختيار هذا المصطلح في عنوان اليوم لانه بكل بساطة قد يختزل المشهد الراهن في تونس بكل ما فيه من تطورات خطيرة ومتسارعة و من مفاجات لا احد بامكانه التكهن الى أين يمكن أن تقودنا مستقبلا و لكنها تؤكد في كل الحالات ما ذهب اليه رئيس الدولة قيس سعيد بانه لا مجال للعودة الى الوراء سواء توفر لنا الخبز و الماء أو لم يتوفر..
و بعيدا عن العودة الى اجترار الاحداث اليومية التي يعيش على وقعها الرأي العام من زيارات غير معلنة لساكن قرطاج و من لقاءات او تصريحات نارية على كل الجبهات و من أخبار ايضا عن اقالات او تعيينات او ايقافات او فرض للاقامة الجبرية فقد لا نبالغ اذا اعتبرنا أننا ازاء واقع يحتاج الى نبوغ نادر وقدرة استثنائية لا ندعي امتلاكها لقراءة مشهد اسثنائي بكل المقاييس كدنا ننسى معه خطر جائحة كورونا و ما سببته من ماسي للجميع و ذلك منذ دخول البلاد تحت مظلة الفصل 80 و تجميد البرلمان و رفع الحصانة عن النواب و اقالة رئيس الحكومة …
ولا ندري حتى هذه المرحلة طبيعة و خطورة الملفات التي بين ايدي رئيس الدولة و تداعياتها على المشهد برمته, و لكن في المقابل يمكن اعتبار أنه يبدو واثق مما يتوفر لديه عن خصومه من ملفات قد تكون الاجهزة الامنية و الاستخبارات عملت عليها منذ مدة بما يعني أنها ستكون كافية بالدفع الى اعتبار الخارطة السياسية الكلاسيكية بارثها وباحزابها و تحالفاتها و ائتلافاتها وحركاتها و نخبها باتت من الماضي و ان هناك حالة مخاض ستتضح بعد طي صفحة الملفات العالقة بشأن الفساد والارهاب و التهريب و الاغتيالات السياسية والاختراقات و كل ما عزز اسباب الانهيار و الافلاس في البلاد …
السياسة كما العدالة لا تتغذي من النوايا الطيبة و لا تقوم على الافتراضات ولكنها تحتاج الى المؤيدات و الاثباتات والكثير من الارادة والجرأة و هو ما سنكتشفه في المرحلة القادمة ..
لا خلاف اليوم ان حركة النهضة في وضع لا تحسد عليه بعد الفشل الذريع لتجربتها في السلطة على مدى العقد الماضي في قراءة و فهم العقلية التونسية و تطلعاتها بعد سقوط النظام السابق …ثم فشلها لاحقا في استقراء حراك 25 جويلية و الاسباب التي دفعت الى النتائج التي نعيش على وقعها ..
وكأن ما افضى اليه اجتماع شورى النهضة بشأن تقلبات و انشقاقات و صراعات قيادتها من الصف الاول و الثاني ووقوع زعيمها رهينة حسابات “اخوان ” النضال و اخوان لعائلة و الاصهار لم يكن يكفي حتى ظهر للعلن عقد اللوبيينغ الذي ابرمته الحركة عن طريق مكتب بريطاني و نشر على موقع وزارة العدل الامريكية قبل يومين …
طبعا تبقى قرينة البراءة قائمة في انتظار ما ستكشفه التحقيقات في هذا الشأن كما بشأن حقيقة التمويلات الخارجية المشبوهة للحملة الانتخابية 2019 للحركة و لغيرها من الاحزاب و التي ستكون حاسمة حينها في مصير البرلمان المجمد و تمنح ربما لسعيد مبررا اضافيا لتاويله للفصل ال80 من الدستور ..و اذا كانت كل السيناريوهات والاحتمالات قائمة في انتظار ان يلقي سعيد كل مكعباته فانه في المقابل أسباب كثيرة من شأنها أن تدعو للتعجيل بالخروج من دائرة الاستثناء الى دائرة الوضوح قبل ان يستعصي المشهد التونسي نهائيا عن التحليل والفهم ..الترقب و الانتظار و التشريق سيد المشهد و الاكيد ان الوقت سيف ان لم يقطعه سعيد فقد يقطع كل الحبال بمعنى ان كل تاجيل في تحديد الاهداف وكل تاخير في الاعلان عن الحكومة المرتقبة و اولوياتها في هذه المرحلة قد يكون له عواقبه …قد يكون من الصعب الحسم بشان ما اذا كان سعيد كسب المعركة امام خصومه و لكن الاكيد ان ما حدث منذ يوم 25 جويلية بالتزامن مع الذكرى الرابعة و الستين لعيد الجمهورية قد منح سعيد فرصة غير مسبوقة لتطويق مخاطر الاسلام السياسي و كشف ما تحملته تونس طوال العشرية الماضية من استهداف لمؤسسات الدولة و من اختراق للاجهزة الامنية و الاستخباراتية و المواقع الحساسة و لكل ما مهد لتسلل الارهابيين و للاغتيالات السياسية و لتسفير الشباب و اختراق المطار و تحويل البرلمان الى سيرك مفتوح و حلبة مقززة لصراعات نخبة من الهواة التي عبثت بثقة التونسيين و تفننت في تقزيم مكانة تونس و دفعها للتراجع و التقهقر اجتماعيا و اقتصاديا و سياسيا و ديبلوماسيا لتتحول الى بلد يستجدي العالم و يطلب الاغاثة لمواجهة الازمات الصحية التي انهكته خلال الجائحة التي كشفت عجز الحكام و اصرارهم على الفشل و خذلان الجميع ..المشهد اليوم لا يقبل مزيد الخذلان و الانتكاسات و قد كان قبل 25 جويلية على وشك الانفجار و لكن حتى هذه المرحلة لا تزال الالغام في كل مكان و على سعيد الحذر و الانتباه في مواجهتها
*كاتبة تونسية
شاهد أيضاً
حزب الله والكيان!
د. ميساء المصري* يقال في علم السياسة أن الأحداث تغير مجرى التأريخ .ومن الصعب التيقن …