د/حسناء نصر الحسين
شكلت سوريا رافعة أساسية للحضور الروسي على المستوى الاقليمي والدولي، فمنذ انهيار الاتحاد السوفيتي ولما قبل الحضور الروسي المشرعن بطلب رسمي سوري، كانت روسيا تصارع في ترتيب بيتها الداخلي وتحاول تجاوز ما صنعته الولايات المتحدة الامريكية من أزمات أغرقت روسيا في ذاتها، لتأتي مرحلة ما عُرف بالربيع العربي واستمرار الولايات المتحدة الامريكية باستهداف ما تبقى من مصالح روسية في الشرق الأوسط ومن ذلك ضرب أهم حليف استراتيجي لروسيا في الشرق الاوسط والمتمثل بالدولة السورية، لتكشف أمريكا على أهم اهدافها فيما سُمى بالربيع العربي والمتمثل بطرد روسيا من اكبر قاعدة عسكرية لها في المياه الدافئة، وتُرجم هذا الهدف الامريكي للوجود الروسي من خلال استهداف الساحل السوري بالعصابات الارهابية بدايات الاحداث في سوريا لجعل محيط القواعد العسكرية الروسية محيطاً إرهابيا بامتياز مما يشكل خطراً كبيراً على القواعد العسكرية الروسية في كلاً من طرطوس واللاذقية في سوريا .
لم تفقد سوريا رؤيتها الاستراتيجية تجاه استحضار الحليف الروسي وافساح المجال له عسكريا عبر عدد من القواعد العسكرية، ولم يكن المنطلق السوري ضيق الافق ومحصوراً ضمن الجغرافية السورية، بل كان فكراً استراتيجيا مستنداً لاستيعاب التحديات الكبرى المتشكلة عبر أحادية القطب الامريكي، فكانت النظرة السورية من خلال خلق حالة توزان قوى دولي، يفقد الولايات المتحدة الامريكية التفرد بالمسار الدولي وفرض سياسة الهيمنة الامريكية، وهذا ما نجحت فيه سوريا، فالوقائع الحالية على الساحة الدولية تؤكد أن العالم يعيش مخاض تشكيل نظام دولي ثنائي أو متعدد الاقطاب ، وتبقى هنا سوريا قطب الرحى ونقطة الارتكاز لهذا المخاض .
استطاعت روسيا أن تبني ما هو أبعد من العلاقات السياسية والعسكرية والامنية مع الدولة السورية خلال عشرية النار، ليصل هذا الانسجام ما بين الدولتين الى القاعدة الشعبية السورية، التي رأت في روسيا حليفا وصديقا صادقاً من خلال المواقف الروسية في المحافل الدولية التي اجتمعت مراراً وتكراراً لاسقاط سوريا، ليتحول الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الى رمز لدى معظم السوريين ورُفعت صوره في معظم المدن السورية تحت اسم ابوعلي بوتين كلقب فخري للشجاعة والبطولة منحه إياه الشعب السوري، لتبدأ هذه الصورة التي ارتسمت بمشاعر ووجدان الشعب السوري بالتراجع شيئاً فشيئاً مع استمرار الاعتداءات الاسرائيلية على الاراضي السورية، وتبدأ معها الكثير من التساؤلات وعلامات الاستفهام تجاه الموقف الروسي من هذه الاعتداءات الاسرائيلية .
اليوم يقف الروسي امام محكمة الشعب السوري تجاه كل عدوان للعدو الصهيوني للأراضي السورية وللسيادة السورية، ليصل الامر حد التشكيك في الموقف الروسي المعبرة عنه سابقا كحالة سخط تجاه تصاعد الاعتداءات الاسرائيلية والتهديد باغلاق المجال الجوي السوري، ليدرك الجميع بأن ثمة هامش معطى للاسرائيلي من قبل الحليف الروسي يمنحه حق الاعتداءات المستمرة على الاراضي السورية، هذا الهامش تخطى كل الخطوط الحمر باستهداف مرفأ اللاذقية الذي يعد الشريان الاقتصادي الاستراتيجي والحيوي لسوريا وللمواطن السوري ونافذة سوريا للعالم الخارجي، فلماذا هذا الهامش الروسي لهذا العدو الصهيوني ؟!!
قاعدة حميم تبعد عن المرفأ المستهدف بحوالي ثلاثين كيلومتر وهذا الأمر يثير المزيد من التساؤلات حول هذا الاداء الروسي المريب تجاه ما يقوم به العدو الاسرائيلي ، ونحن هنا نتحدث عن روسيا الدولة ذات الامكانيات العالية جداً في مجالات الرصد والاستخبارات والمراقبة والدفاعات الجوية، حتى لو وضعنا فرضية المصالح الروسية والتي قد تتقاطع او تتلاقى مع ما يتعلق بالعلاقات الروسية الاسرائيلية، لكن السؤال المشروع هنا هو عن مستوى الهامش الذي منحه بوتين للصهيوني بينت في قمة سوتشي حتى يصل الاستهداف لهذا الخط الاحمر وهذه النقطة التي تلامس مباشرة لقمة عيش المواطن السوري، وكله تحت عناوين وذرائع كاذبة، مع العلم أن ما تم استهدافه خلال كل الاعتداءات الاسرائيلية الماضية هي مواقع ومراكز سورية وهذا ما اثبتته التقارير الميدانية المشيرة إلى أن ما نسبته اكثر من 80% من نقاط الاستهداف المتعلقة بالاعتداءات الاسرائيلية هي مواقع عسكرية ومراكز ابحاث ومطارات سورية خالصة .
إذا كان الروسي يعرف جيداً ومن خلال التقارير الخاصة به أن معظم نتائج العدوان الاسرائيلي هي لمواقع ومراكز سورية فلماذا الاستمرار في منح هذا الهامش لهذا الكيان الصهيوني؟!! ليشكل هذا الهامش الممنوح للاسرائيلي منعطفاً خطيراً في فصول الاستهداف والذي يكشف عن أخطر وجوهه بالاستهداف الاخير وهو الاستهداف الاقتصادي للدولة وللمواطن السوري .
النشوة التي عبر عنها بينت رئيس حكومة الكيان الصهيوني على وقع الاعتداء الصهيوني لميناء اللاذقية يعكس حجم وأهمية هذا العدوان بالنسبة للكيان ويكشف مدى المخاوف الصهيوني من التوجه السوري المتعلق بمشروع ربط الموانيء بين ايران وسوريا عبر العراق والذي يشكل نموذجا مصغراً من مشروع الرئيس بشار الأسد المتمثل بربط البحار الخمس والذي يُعد مشروعاً اقتصاديا كبيراً جدا شكل بداية وسبباً لاستهداف سوريا ورمزها، ليأتي الاستهداف الامريكي الصهيوني لموانئ سوريا الحيوية ضمن استراتيجية امريكية غربية اسرائيلية لقطع شرايين موانئ العديد الدول الخارجة عن السيطرة والهيمنة الامريكية .
وأمام هذا المشهد المتكرر للاعتدءات الصهيونية المغلفة بهذا الهامش المسموح من قبل روسيا يحق لنا أن نسأل عن.. ما الذي يمكن أن تخرج به زيارة وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف لكيان العدو الصهيوني والتي اعلن عنها الكيان عقب هذا الاعتداء الصهيوني الاخير لمرفأ اللاذقية؟ وهل سيركز الروسي على المتن المتمثل في سوريا الحليف وما تحمله سوريا من ثقل كبير على مستوى المصالح الاستراتيجية للدولة الروسية ؟ أم أن اللعب على الهامش سيبقى مفتوحاً على سيناريوهات الاعتداءات الصهيونية المستمرة للأراضي السورية ؟
*باحثة في العلاقات الدولية – دمشق
شاهد أيضاً
كشف المستور في كتاب الحرب المنشور!
محمد عزت الشريف* لم يكن طوفان الأقصى محضَ صَولةٍ جهادية على طريق تحرير الأقصى وكامل …