الجمعة , نوفمبر 22 2024
الرئيسية / اراء / ايران وإسرائيل والجزائر

ايران وإسرائيل والجزائر

علي زعتري*
بغض النظر عن نتائج لقاء ڤيينا بين إيران و المجموعة الدولية بشأنِ برنامجها النووي، فإن إسرائيل لن تهدأ بالاً قبل أن تُحيلَ إيران لكومةٍ عاليةٍ من الهباء. هكذا إسرائيل تريد، ما لم تنقلب إيران على ثورتها من تلقاء نفسها و تأتي بحكمٍ يتوافق و إسرائيل. و قد يأتي هذا الحكم المتوافق بعد أن تنتهي إسرائيل من مهمتها المقدسة لتدمير إيران و لو على أشلاء إيران. الدق على الحديد يفك اللحام و كما فعل الغرب بالاتحاد السوفييتي سيفعل بإيران. سياسته مزيجٌ من العقوبات والحصار على حسابِ حاجات المواطن تدفع في النهاية لفوران شعبي. كما هو العمل للدخول على خطوط القوميات و مذاهبها و الإحاطة بمبررات الإشتباكات الإقليمية القائمة على المذهبية و القومية.
هو عملٌ مُخططٌ من الخارج حول إيران و من الداخل مستهدفاً ما يمكن استهدافه. للآن إيران هي الرابحة فلا ثورات تهز النظام مع أن التململ و المظاهرات تتكرر و لا حروب أو اشتباكات إقليمية مقلقة. هل هناك إيمانٌ شعبي إيرانيٌ بدولته؟ لا ندري إن كان فعلاً و مهما قيل عن الانتخابات و الديمقراطية بإيران فلا مجال للجزم أن الحكم الحالي هو اختيار الشعب برمته. لكن خلخلة إيران عبر الحصار و العقوبات و الأماني بثورة الشعب لن تكفي أعداء إيران. فالسباق هو بين تمكن إيران من الصمود و تطوير قوتها و بالتالي تعاظم فرصة أن لا تتعرض للتهديد بسهولة و بين عدم القيام بشيئٍ عاجلٍ لوقفها قبل حدوث ذلك، و عند إسرائيل لا بد من عملٍ عسكري لدحرجة إيران نحو الانهيار و الانصياع لمحو أي تهديد لإسرائيل. لا مجال للانتظار.
وعند إيران كل سببٍ يدعو للتصبر حتى بلوغ الهدف الذي تصبح فيه قوةً لا تُهَزَّ بسهولة. مثلها الأعلى صحوة روسيا و مثابرةَ الصين و وبما الهند وباكستان، على وقعِ تسلحهما النووي. و الشعوب تحب دولها القوية و عندها لن تكون إيران قويةً عسكرياً و حسب لكن اقتصادياً و هو ما سيزيد من الالتزام الشعبي بالحكم حتى لو لم يحبه. و إسرائيل و الغرب لا يريدان ذلك.
ستتكلم إسرائيل بهذا الخيار العسكري ليلَ نهار و ستعملُ على إنجاز هذه المهمة المقدسة كما تنظر لها. فالعداء ليس وليد برنامجٍ نووي إيرانيٍ ولكنه وليد إيدولوجيةٍ وراءها صواريخَ بعيدة المدى و حلفاء مخلصين. إسرائيل لا ترى في إيران الحالية إلا تهديداً حقيقياً عليها فإيران العقيدة و إيران الترسانة جاهرت بالعداء لإسرائيل منذ اللحظة الأولى و بعد حربها الضروس مع العراق انكفأت للداخل لتطوير قوتها و امتدت للخارج ببناء تحالفاتها و خلق حزبها الإقليمي المناهض لإسرائيل. يختلف الكثير من العرب مع إيران و يرون فيها تهديداً مصيرياً. و من هذا الإيمان يلتقي الهدف الإسرائيلي و بعض العربي لتقليص التهديد الإيراني للحد الأدنى عربياً و إسرائيلياً. غير أن التقليص بحد ذاته مشروعٌ مُختلفٌ عليه.
الحربُ المُتخيلة مع إيران هي ضرباتٌ سريعةٌ و شالَّةٌ لقدرات ايران على الرد و تبادلٌ كثيفٌ للصواريخ من داخل إيران و من الحلفاء باتجاه فلسطين المحتلة سينتج عنها من الضرر الكثير. المجاورون لإيران يريدونها خاطفةً لا تؤذيهم و هذا مستحيل. و إسرائيل قلقة من أن تطولها الصواريخ لكن لديها من القبب و الملاجئ الكثير الذي يُقللُ الخسائر. الهامُّ هو أن خطط الحرب قد رُسِمتْ وأن الموضوع هو موضوع استعدادٍ لامتصاصِ الضربة الأولى على الجانبين الإيراني و حلفائه و الإسرائيلي وحلفائه أما الضربات التالية فلا تنبؤ بها لكن الساذج فقط سيعتقد أنها لن تسبب دماراً مريعاً بإيران وفلسطين المحتلة رغم القبب و الملاجئ و بالطبع في الخليج العربي. بعد الحرب الإيرانيةِ مع إسرائيل ستعود كثيرٌ من البلاد عشرات السنين للوراء كما قال جميس بيكر لطارق عزيز في جنيڤ و وعده بإعادة العراق للقرون الوسطى. هذا ما دعى إسرائيل كما قالت الأنباء أن تطلب إعادة الإعمار من أمريكا! و هذا ما تريد إيران أن تتجنبه و هذا ما تريد الدول العربية أيضاً تجنبه. إسرائيل لوحدها في العالم هي التي تتكلم عن الحرب رغم ما يمكن أن تسبب لها من خراب. و من المؤسف أن لها داعمين في هذا المسار المخيف.
الأخبار تخرج بالتدريج عن حرب أمريكا والحلفاء المخفية في سوريا و أفغانستان و عن أعداد القتلى و المصابين. هؤلاء ليسوا سوى دمارٍ ثانويٍ أو جانبي للحدث الأكبر. العراق و لبنان و اليمن و ليبيا كلها شهدت مذابح باسم الدمار الثانوي. لا محاكم انعقدت و لا تعويضات دُفِعتْ و لا أموات من القبور انبعثت. لا ذنب على القاتل بل كل الذنب على المقتول. و ستشهد الحرب القادمة دماراً رئيسياً و ثانوياً لا يُتخيل. ليس فحسب من وقع القنابل و لكن ما سوف يتبعها من تهجيرٍ و مجاعاتٍ و أمراض. لكن ظهرَ إسرائيل قوي و لن تهتز. هكذا هو التصور. ضربةٌ تُطيحُ بإيران مرةً فلا تستطيع الرد و لا أن تُحدِثَ أذىً في الإسرائيليين. هل نتكلم عن النووي الإسرائيلي الذي سيخرج من مقلاعه لأن التهديد وجودي على إسرائيل هذه المرة؟ دائماً هذه الحسابات تخطأ.
التكلم عن الحروب من غير المختصين فيهِ جُرأةٌ غير مطلوبة. غير أننا نستقرأ ما يكتبه التاريخ و الحاضر. لا أصدق للحظة كلام الإعلام الإسرائيلي عن عدم جاهزية جيشها للحرب. هذا من قبيلِ التورية قبل الحرب. و لا أعتقد أن الولايات المتحدة ترفض منح إسرائيل السلاح المطلوب. إسرائيل مخزنٌ كبيرٌ للسلاح المتطور. و لا أظن أن محاولات دول الخليج بالتواصل مع إيران ستقنعها بعدم مسهم حال نشوب الحرب. سنصحو يوماً على كارثةٍ كونيةٍ لا تقل في فداحتها عن هيروشيما و ناغازاكي. كل هذا لأن إسرائيل و الغرب لا يريدان لإيران أن تكبر. هكذا باختصار. هذه هي السياسة الحاكمة اليوم: من الأفضل أن لا تعادي إسرائيل. سيكون هذا هو المصير لأي دولةٍ تعاديها. و لنا في هذا الحديث بقية.
لكنني اليوم أخافُ كثيراً على الجزائر. حتى مع بعدها الجغرافي عن فلسطين فهي في العين الصهيونية هدفٌ. لإيران و الجزائر، حرب إسرائيل مسألةُ وقت لا قرار.
*كاتب ودبلوماسي اردني

عن اليمن الحر الاخباري

شاهد أيضاً

كشف المستور في كتاب الحرب المنشور!

محمد عزت الشريف* لم يكن طوفان الأقصى محضَ صَولةٍ جهادية على طريق تحرير الأقصى وكامل …