د/حسناء نصر الحسين*
بدبلوماسية الخطوة بالخطوة تسير روسيا الاتحادية في مواجهتها لخصومها في كل من واشنطن ودول حلف الناتو، مستخدمةً كل ما لديها من استراتيجيات على مختلف الأصعدة السياسية والعسكرية والأمنية، تتيح لها الرد على هؤلاء الخصوم بطريقة تعزز موقعها في النظام الدولي كقوة كبرى لا يمكن تهميشها ولا يمكن ايضاً التطاول على أمنها القومي في محيطها الحيوي .
هكذا ردت موسكو على محاولات واشنطن المتكررة لاستهداف مصالحها والحد من نفوذها المتصاعد على الساحتين الدولية والاقليمية لتكون اوكرانيا مرة اخرى البوابة التي تدخل منها واشنطن للتصعيد مع موسكو في محاولة منها لتغيير قواعد اللعبة التي انتصرت فيها موسكو بضم جزيرة القرم لأراضيها وما انبثق عن هذا الضم من مخرجات اتفاقية مينسك لعام ٢٠١٥ م .
لتعود واشنطن مرة اخرى لضرب هذه الاتفاقية من خلال تدخلالتها الغير مشروعة مستخدمة لتحقيق ذلك حلفائها في حلف الناتو اداة لتحقيق مآربها واهم هذه الاهداف ضرب العلاقة الاوروبية – الروسية التي استطاعت موسكو الدفع بها لمستويات جيدة .
اشغال روسيا في حروب على حدودها مع الجارة الاوكرانية لاضعافها .
محاولة فصل روسيا في تحالفها الاستراتيجي مع الصين التي تعتبرها واشنطن عجوها الاول
ضرب المصالح الروسية المتمثلة بمشروع غاز نورد ستريم 2 الواصل بين روسيا والمانيا .
هذه العوامل دفعت بواشنطن لتبني سياسية هجومية ضد موسكو وافتعال الازمات المتتالية ترافقها حملة اعلامية امريكية غربية ضخمة .
فكانت ازمة اللاجئين بين بيلاروسيا وليتوانيا ومن ثم المناورات العسكرية لحلف الناتو في البحر الاسود ومواصلة الدعم الامريكي العسكري لاوكرانيا ومدها بأسلحة استراتيجية ضد روسيا .
وتبني واشنطن استراتيجية نووية جديدة متفوقة عن تلك التي كانت تمتلكها اثناء الحرب الباردة مع الاتحاد السوفييتي، في محاولة منها للحفاظ على معادلة التفوق النووي الذي حفظ لها سيطرتها على القرار الدولي كقوة عظمى منفردة بالتحكم بالقرار الدولي، وهذا ما بدى واضحا من خلال اعلان امريكا لاستراتيجيات جديدة تحافظ من خلالها على الانفاق العسكري بل وزيادة هذا الانفاق من خلال عملية تطوير كبرى لسلاحها النووي ورغبتها في نشره في دول اوروبا في محاولة منها للحفاظ على هيمنتها العالمية وعدم السماح لروسيا والصين بالمشاركة بصنع القرار الدولي في نظام متعدد الاقطاب .
وامام تحقيق هذا الهدف الامريكي تحاول واشنطن تطويق المصالح الروسية وضربها على المستويين الدولي والاقليمي ، فبعد ان فشلت واشنطن بمنع عودة روسيا لمنطقة الشرق الاوسط وهذا ما ظهر جليا من خلال فشلها ببناء الشرق الاوسط الجديد عادت واشنطن ادراجها باتجاه دول مناطق شرق آسيا لضرب موسكو وبكين في محيطهم الجغرافي فكانت ازمة اوكرانيا وما تلاها من تصعيد دبلوماسي وعسكري وامني بين موسكو واوكرانيا وحلف الناتو بسيده الامريكي .
روسيا التي تدرك تماما تمسك الولايات المتحدة الأمريكية بورقة العداء لموسكو والاستمرار بالاستثمار الداخلي والخارجي بهذه الورقة لما تحققها لها من مكتسبات على مستوى الرأي العام الداخلي والاوروبي تعاود التركيز لإثارة هذا العداء بفتح جبهات لا تستطيع موسكو الصمت او المناورة عليها خاصة إن كانت تمس أمنها القومي من خلال رسم خرائط جديدة تستهدف الواقع الجيوسياسي للمحيط الروسي فكانت أوكرانيا بما تشكله من منطقة توتر جيو سياسي هي نقطة الانطلاقة الامريكية الغربية لتكريس مفهوم اعادة تصنيع وتدوير العداء لدى واشنطن تجاه روسيا، التي لن تجد عدوا تاريخيا في الذاكرة الامريكية والاوروبية افضل من موسكو لما تحققه هذه الورقة من اهداف داخلية تجعل المواطن الامريكي منهمكا بعودة العدو الجديد لبلاده مما يحرف بوصلته عن فشل حكومة الرئيس بايدن بتحقيق وعودها الانتخابية .
فكان التصعيد الامريكي الغربي ضد موسكو لديه اهدافه المعلنة والخفية لاثارة التوتر على الحدود الروسية الاوكرانية بما دفع بقوات الدولتين للتمركز على اكثر من نقطة تماس تنذر بحرب وشيكة يرقبها العالم بحذر منتظرا من سيطلق الرصاصة الأولى .
بالرغم من كل التصعيدات الامريكية الغربية شديدة اللهجة حيال نشر موسكو لقواتها العسكرية على الحدود مع كييف وعقد المؤتمرات للسباعية الدولية الا ان هذه التصريحات بدت خافتة لدى حكومة كييف التي رأت فيها تخليا امريكيا غربيا عنها لناحية عدم التدخل بارسال قوات الناتو الى اوكرانيا كونها ليست عضوا في الناتو وهذا ما اكده الرئيس الامريكي جو بايدن ووزراء دفاع غربيون ، وبقاء الموقف الامريكي الغربي في نطاق العقوبات الاقتصادية الشديدة التي ستضرر منها اوروبا كما روسيا.
لتأتي الوساطة الامريكية بعد المحادثة بين بوتين وجو بايدن عبر تقنية الفيديو لتضع الخطوط الحمر الروسية على الخرائط الامريكية التي تمثلت بما قدمته موسكو من ورقة عمل تضمن امن بلادها على المدى البعيد، لتتحول واشنطن من رأس الحربة في اشعال فتيل الحرب الى مطفئ للحريق وهذا التحول نقطة انتصار تسجل لبوتين في ادارة ما يحاك لبلاده من قبل واشنطن والغرب .
لعل ما صدر من تصريحات امريكية بأن واشنطن تدرس المطالب الروسية مع حلفائها الغربيون وان هناك مطالب قابلة للتحقيق وأخرى غير منطقية دفعت بالرئيس فلاديمير بوتين للاعلان من على منصة هيئة وزارة الدفاع الروسية للإصرار على موقفه الحازم والصارم حيال التصعيد الاخير بقوله .. “سنرد بنحو صارم على اي خطوات غير ودية من اي طرف كان وعلى الولايات المتحدة ان تفهم أنه ليس لدى روسيا مكان للتراجع بشأن أوكرانيا” ، وتصريحات كبار المسؤولين الروس بأن روسيا سترد بالمثل على تمدد الناتو ليضع النقاط على الحروف بأن روسيا سترد على هذه الخطوة الغربية بخطوة تعلن من خلالها ان ساعة الصفر قد دقت وهذا يعني بأن الجغرافية السياسية لروسيا الاتحادية لن تكون كما كانت عليه قبل هذه اللحظة.
*باحثة في العلاقات الدولية- دمشق
شاهد أيضاً
كشف المستور في كتاب الحرب المنشور!
محمد عزت الشريف* لم يكن طوفان الأقصى محضَ صَولةٍ جهادية على طريق تحرير الأقصى وكامل …