المهندس/ سليم البطاينه*
يقال أن المتحجر بفكر عنيد لا يريد ان يسمع او يتقبل النُصح وإنما يضع الإجابات القديمة ذاتها لمسائل جديدة.
خلل منهجي في الأردن قوض قدراتنا التحليلية والتنبؤية ، و أفقدنا عملية الفهم الحقيقية لما تفكر به إسرائيل ! فهي تريد إعادة رسم خريطة المجتمع الإسرائيلي والضفة الغربية المحتلة سياسياً وديموغرافياً وفقاً لخطوط ومحددات يهودية توراتية، والفكر الصهيوني بالنسبة للاردن ظل عائماً غائماً وابعاده الاستراتيجية غير واضحة ،،، فالأدبيات الصهيونية تنظر للأردن باعتباره جزءاً من الدولة اليهودية التاريخية ، ومطامع اليهود في الأردن لا تحتاج إلى بصر نقي وبصيرة غير ملوثة ! وهذه حقيقة ثابتة ملموسة لا يجهلها أو يتجاهلها إلا الأغبياء.
والأردن في المعتقدات اليهودية والايمان اليهودي هو جزء مما يسميه اليهود ( أرض إسرائيل الكاملة ) بل إن فصله عن الجزء ذي اللون البني (أي عن فلسطين التاريخية ) في خريطة سايكس – بيكو عام ١٩٢١ كان محل خصام شديد بين أعضاء المُؤتمر الصهيوني الثالث الذي انعقد في هولندا عام ١٩٢٣ الذي رأسه حاييم وايزمن ، حيث تعرض لهجوم عنيف من أعضاء المؤتمر لأنه سمح بفصل شرق الأردن عن فلسطين ! فكان جواب وايزمن : أن فلسطين شبه خالية من اليهود اليوم ، ولكن عندما نملؤها باليهود من شتى أنحاء العالم ، فمن الطبيعي أن يفيضو على ضفة الأردن الأخرى ،،، ومن هنا طلع اليهود بفلسفة ( الخطوة ،،،،، خطوة ) التي ابتكرها ثيودور هرتزل.
اسرائيل لديها أطماع في الأردن ، وهي عدو غير معروف والدليل بأن سياساتها التوسعية لم تتغير منذُ خمسة قرون ( دولة مترامية الأطراف وغير معروفة الحدود ) ،،، فقد لعبت على تناقضات الدول العربية و جعلت من القضية الفلسطينية مرمى لتجاذبات قوى اقليمية، ونجحت في فصل القضية الفلسطينية عن العلاقات العربية الإسرائيلية.
فبعد انتهاء عدوان عام ١٩٦٧ بدأت أطماع وأحلام قادة إسرائيل تظهر وتتزايد بشكل ملحوظ تجاه الدول العربية المجاورة لهم.
والإستراتيجية الاسرائيلية اعتمدت تفتيت الموقف العربي ، والانفراد باتفاقيات ثنائية بعيداً عن الاشتباك مع استحقاقات الحل العادل والشامل للقضية الفلسطينية ،،، وجميع معاهدات السلام مع اسرائيل للأسف قفزت عن جوهر الصراع باعتباره صراع وجود لا حدود !
في مقال تم نشره في صحيفة The Times اللندنية للصحفي الإسرائيلي ( بن هنخت ) حول إنشاء دولة إسرائيل ، ذكر وبالحرف الواحد عندما تصبح لنا معشر اليهود السيطرة الكاملة على العقبة وخليجها ، فإننا سوف نستطيع مهاجمة الحجاز وتدمير الأماكن المقدسة الخرافية في مكة والمدينة.
وعندما سئل مستشار الإمبراطور الألماني Von Hohenlohe هرتزل في عام ١٨٩٨ عن حدود المنطقة التي يريد اليهود الحصول عليها ،،، وهل أنها تتجه الى بيروت شمالاً أم أنها تتجاوز أكثر من ذلك بكثير ؟
المدهش أن اجابة هرتزل بأننا سوف نطالب بما نحتاج إليه كلما ازداد عدد المهاجرين و ازدادت حاجتنا للأرض.
وحادثة أخرى عندما سافر هرتزل إلى تركيا عام ١٩٩٨ تشرين أول لمقابلة السلطان عبدالحميد الثاني وكان بصحبته صديقه Bodenheimer ( أول رئيس للاتحاد الصهيوني لألمانيا وأحد مؤًسسي الصندوق القومي اليهودي ) ،،، بعد الزيارة كتب هرتزل في يومياته ( المساحة من نهر مصر إلى الفرات ، ولا بد من فترة انتقالية لتثبيت مؤسساتنا ليكون فيها الحكم يهودياً ).
إن كل ما يحدث على أمر الواقع وما يرافقه من اتفاقيات وهرولة تطبيع هي بمثابة صك تسليم لمملكة إسرائيل الكبرى ! فخريطة إسرائيل الكبرى لا زالت حتى يومنا هذا منحوتة على عملة ( الأغورة ) الصهيونية.
وموجات التطبيع العربي من شأنها زيادة الخطر الصهيوني على الأردن ! بحيث يضعنا بين مطرقة إسرائيل وسندان الضغط الأقتصادي ! وضغط الطاقة ! مما سيكرس فكرة التوطين والوطن البديل.
ثلاثون عاماً تقريباً على معاهدة السلام الاردنية الاسرائيلية لم تكن ولن تكون قادرة على جلب السلام ،،، وما يجب أن يعرفه الإسرائيليون والأمريكيون هو أن كل معاهدات السلام ما وُقّع منها وما يمكن أن يوقّع لن تصمد أمام تمسك الشعوب العربية بحقها في فلسطين.
القضية الفلسطينية تمر بأخطر منعطف في تاريخها حاليًا ! فإسرائيل لديها برنامج شيطاني انتظرته طويلاً ، وحان الآن وقت تنفيذه.
*برلماني أردني سابق