د.احمد القطامين*
مع مرور الوقت، تزداد معادلة الصراع في غزة تعقيدا، ويتسائل الجميع عن الكيفية التي ستتبلور من خلالها النهايات المحتملة عند نقطة الحسم التي طال انتظارها. فجيش الاحتلال الذي انفقت عليه الولايات المتحدة الامريكية امكانيات هائلة اعدادا وتدريبا وتسليحا بحيث اصبح واحدا من اقوى جيوش العالم المعاصر، امسى عاجزا عن احراز اي تقدم في انجاز اهدافه المعلنة وغير المعلنة من العمليات العسكرية غير المسبوقة في وحشيتها وتحللها من الحد الادنى من اخلاقيات الحرب.
للاجابة على السؤال المهم في هذا السياق وهو لماذا يزداد الموقف الجيو- استراتيجي والعسكري تعقيدا يوما بعد آخر بالرغم من قوة العوامل الضاغطة لوقف الحرب؟
اولا: في البعد الاخلاقي، يعد ما يجري في معركة طوفان الاقصئ حلقة واحدة من مسلسل الصراع الوجودي بين الشعب الفلسطيني والحركة الصهيونية العالمية المدعومة بقوة اللوبيات الصهيونية ذات النفوذ الهائل في الغرب والتي اصطدمت بارادة شعب سقلته التجارب النضالية والمعاناة عبر خمس وسبعين سنة من عمر الصراع، لذلك جاءت معركة طوفان الاقصى مؤشرا قويا آخر على ان لا حل الا برحيل الاحتلال واستعادة هذا الشعب لبلاده وحقه في تقرير المصير.
ثانيا: في البعد الاقليمي، تخلي العالم الاسلامي وخاصة العربي عن دوره التاريخي الداعم للشعب الفلسطيني والمساند له في وجه الهجمة الصهيو-غربية على المنطقة، وفي الكثير من الحالات لم يقتصر الحال على التخلي عن الدعم بل تجاوز ذلك الى الاصطفاف خلف الكيان بدعمة لوجستيا من خلال ايجاد طرق محددة لايصال الغذاء والامددات الطبية وربما ايضا دعمه عسكريا وسياسيا واعلاميا بطرق شتى اغلبها سرية.
ثالثا: في البعد الاقليمي الجيو-استراتيجي، امتدت الحرب الى مناطق عدة في الاقليم، حيث تمكنت جبهات محور المقاومة من مشاغلة جيش الاحتلال شمالا على الجبهة الشمالية لفلسطين مع المقاومة اللبنانية التي تمكنت من احتجاز جزء مهم من الامكانات العسكرية لجيش الاحتلال ومشاغلتها طوال الوقت للحد من قدرتها على اعادة الانتشار على جبهة الحرب مع غزة. كما تمكن الجيش اليمني التابع للحوثين من اشعال جبهة البحر الاحمر عند مداخل مضيق باب المندب بمنتهى الفاعلية والاصرار مما شل قدرة الكيان على ايصال مستورداته الاستراتيجية من الغذاء والسلع الاستهلاكية وقطع الغيار التي تعتبر بالغة الحيوية لاستدامة قدرة الاقتصاد على استمرار دعم الحرب والمحافظة على مستوى الحد الادنى من دعائم الحالة الاقتصادية، وقد شاهد العالم كيف اصبح ميناء ايلات الاستراتيجي على البحر الاحمر في خليج العقبة منطقة خاوية على عروشها طوال اشهر الحرب على غزة.
رابعا: في البعد الدولي، عانى الكيان معاناة كبرى نتيجة تآكل الدعم الشعبي الغربي بعد ان اوصلت مواقع التواصل الاجتماعي الفضاعات التي يرتكبها جيش الاحتلال والتي بينت ان ما يجرب فعليا على ارض الواقع في غزة يعد تطهيرا عرقيا من اكثر حوادث التطهير العرقي بشاعة في التاريخ المعاصر.. كل ذلك ادى الى اقامة مظاهرات حاشدة جدا في عواصم ومدن الغرب مما ادى الى تحقيق فلسطين انتصارا بالغ الاهمية في معركة الوعي التي كان يحتكرها الكيان عبر سيطرته على وسائل الاعلام التقليدية في المجتمعات الغربية.
اضافة الى المثول المذل للكيان امام محكمة العدل الدولية في لاهاي اثر الدعوة التى رفعتها الى المحكمة دولة جنوب افريقيا.
والحبل على الجرار لمزيد من الهزائم والاخفاقات..
*اكاديمي وكاتب اردني
شاهد أيضاً
كشف المستور في كتاب الحرب المنشور!
محمد عزت الشريف* لم يكن طوفان الأقصى محضَ صَولةٍ جهادية على طريق تحرير الأقصى وكامل …