الجمعة , نوفمبر 22 2024
الرئيسية / اراء / العيد في غزة..!

العيد في غزة..!

خالد شـــحام*
قبل بضع شهور من الآن كان ماردان من خوف يقيمان في قلبي دون أي يقين برحيلهما، خوف أول على هؤلاء الأبرياء، أهلي وشعبي الذي يُقتل كل يوم بالمئات بلا توقف وتمارس عليه حرب إزالة لم يسبق مثلها في التاريخ، خوف ثانٍ كان أشد فتكا يقتلني ويمعن في ابتلاع ذاتي، خوف من أن تطل علينا إحدى الشاشات العاهرة بصورة لأحد قادة المقاومة وهو في الأغلال، أو صورة لأحد مواطني غزة وهو يدين ويُذَّنِب المقاومة، صورة لقوات عسكرية صهيونية وهي تعلن نصرا كاملا على قطاع غزة وسحق كل من فيه، اليوم يا غزة ومع حلول عيد الفطر في داخل بلادك أصبحت كل مخاوفنا شيئا من الماضي واستقرت قلوبنا على نصرك المؤزر الذي تم رصد شهابه في السابع من أكتوبر.
بقليل من المتابعة للتقارير الإخبارية عن الدمار والموت والقتل اليومي داخل مدن غزة يمكن لأي كان أن يعتنق عقيدة الاستسلام واليأس ويؤمن بجبروت بني اسرائيل وجيش المخربين وقتلة الأطفال الذي يحاول جاهدا فرض نفسه بالكذب والتزييف والتدليس على العالم، لكن كل يوم يمضي في هذا العدوان الإرهابي على غزة تتكشف الحقائق وتتبلور بصورة أكثر ويتأكد اليقين الذي لا ريب فيه، لقد أصبح كل حدث يصطنعه جيش المخربين وقتلة الأطفال داخل غزة يتحول إلى فضيحة ومصدر للغثيان والتقزز على كل المستويات، لقد حولتهم جريمتهم إلى مصدر للسخرية والتندر وسقطوا في كل مقاييس الهرم الذي صنعوه طيلة سنوات العسرة الماضية، كل هذا العدوان الجبان ليس إلا نزوة عظمة عكسية حاول المأمور المجرم نتانياهو أن يضع من خلالها تمثالا جديدا يعبده بنو اسرائيل، عجلا جديدا له خُوار يهللون ويطبلون ويقدسون سيرته واسمه وملحقاته، لكن التمثال أصيب بالنحس وسوء الطالع وخاب أمله وسائر خططه وأفاعليه، لقد جلب على هؤلاء المجرمين كل أشكال اللعنات والكره والنفور، وما زادهم إلا تضليلا .
المدعو نتانياهو هو لاعب في مكونات النظام العالمي، عبد مأمور لا يعرف الله ولا دين ولا ديانة ولكنه ملتزم بنصوص الحاخامية لأنها هي التي تبقيه على قيد العمل، تم منح الرجل وكالات مفتوحة الأطر ووُضِعت تحت يديه كل الطاقة الصهيونية في القرن الحادي والعشرين من امبراطوريات السلاح والإعلام والتحشيد والتأييد إنها أسلحة الدجال ، تم منحه حق القتل بلا حدود، كان نتانياهو يأمل بأن توكيله بإزالة غزة وسحق المقاومة سيجلب له الحلم الشخصي الكبير الذي طالما حَدّث به سارة ذات ليال، لكن غزة الصغيرة علقت في بلعوم حُلمه وسحقت كل رؤياه وأعادت روحه إلى قفص الانتظار في نزل الجحيم حيث سيلقى عذابه وقصاصه، كل الآلة الجبارة للموت والقذائف الكبيرة والصواريخ الذكية لم تفلح في صناعة الحلم ولم تتفق مع قوانين المادة والعلمانية ولم تحقق وعد الانتصار الذي جادت به في أول اجتماع، هنالك شيء ما في غزة كسر هذه الهيبة وأطاح بكل هذه العظمة وسحق كل هذه القوة غير المعقولة، كانت الآلة الحاسبة النتانياهوية التاريخية تطلع له بنبؤات وبشرى مظاهرات جارفة تعم تل الأبيب بتمجيد ملك اسرائيل الجديد وتطبل وتزمر وتهلل لفتوحاته الدموية وانتصاراته التهريجية لكن غزة استعصت على حساباته وقلبت طاولة الحلم في وجهه وحققت له السخط الأكبر، كانت الآلة الحاسبة الخيانية تتوقع لابن الليكود البار أن يوفر له يهود العرب بطانة صالحة من الشعوب العابدة الحمقاء المطبوخة في فرن الفقر والتركيع والإذلال ومهرجانات العري والخزي لكن كما هي العادة تبين أن الحسابات خاطئة لأن غزة سحرت الأرقام وقلبت الاقترانات الرياضية والدوال التفاضلية بروح عربية إسلامية صاعدة أربكت كل الحسابات.
في داخل غزة أراد جيش المخربين وقتلة الأطفال أن يمنع حتى التفكير بالحياة لكن نساء غزة المقدسات صنعوا للأمة كعك العيد المخبوز بنار حطب الصمود في موقد من الحب الخالد، تحول كعك غزة إلى أشهى وأغلى وأثمن حلوى يمكن لأي أن يفكر بها لأنه قطعة من المقاومة بشكل حلوى لا يمكن إلا أن يباع في المزاد العلني للكرامة بشرف أمة بكاملها، في داخل غزة تمكن جيش النذالة وناشري الرذيلة من هدم البيوت وتدمير المساجد وتجريف الأسفلت حتى ينتحر أهل غزة ويخرون راكعين من الخوف لمجنزرات الاحتلال وعناقيد الفولاذ ، لكن ثلة من أطفال غزة حولوا السقف المنهار في الركام إلى ساحة لعب وسطح للتزحلق عليه وصناعة بسمات نسفت كل خطط الخنازير، في داخل غزة يعيش العيد حقيقته ويتجلى في هذه الرقعة الصغيرة من الكون العربي حيث ماتت كل البلاد وأينعت غزة، ثلة من الرجال الصابرين يعقدون صلاة العيد ويبثون تراتيل الحياة بإسم الله وبإسم الرحمن الرحيم لتحل روح السكينة عليك يا غزة وتنشر الملائكة فيك بلسم الشفاء، في داخل غزة حلقت طائرات من ورق لتقول لعساكر العرب خسئت طائراتكم الصدأة وسقطت أوراقكم من حسابات التاريخ، في داخل غزة يأتي جيش الهمج بغارة ليقتل ثلاثة من أبناء قائد من قيادات الأمة ويعلن نصرا مؤزرا بالنيل من قلب الرجل الذي حَوَّل فعلتهم القبيحة إلى رماد خلال ثوان وأتاهم بما لا قِبل لهم به من الايمان والثبات، في داخل غزة معجزة العيد تتحول إلى كرنفال للحياة ويعيد الدماء في عروق الباقين على قيد المقاومة .
لقد خسر نتانياهو كل معاركه الداخلية والخارجية، خسر حزب الشيطان وحلف الأحزاب والان يشربون كأس المرارة بعد ان وعدهم الشيطان برأس غزة غرورا، لقد خسر النظام العالمي معركة كبيرة من معاركه التي كانت فاتحة خططه، لقد خسر جيش المخربين وفاز جيش الرحمة والصدق والوعد الحق، خسرت كل الشعوب المضللة التي راهنت على سقوط غزة وفازت الشعوب المؤمنة بالحق والوعد والإنسانية والكرامة .
لقد فعل جيش المخربين وقتلة الأطفال كل ما ما ورد في الكتب الصادرة عن حضارات المعدن والنار المرشدة للنذالة والانحطاط والتزم تماما بتعليمات الهمجية وانعدام الإنسانية حيال شعب أعزل محاصر مجوع، لقد مارس هذا الجيش الوضيع كل أشكال الجرائم والفظائع لكن مشكلته الكبرى أن فرط الجريمة والمبالغة في الإجرام انقلبت إلى شكل من أشكال الاحتمال واللامبالاة لدى مدنيي غزة ولهذا السبب تحول كل مواطن فلسطيني يقف أمام كاميرا الأخبار أو يجري مقابلة ما إلى ناطق رسمي عن أبي عبيدة أو متقمص غير مباشر لدوره وروحه العالية، لقد تحولت كل غزة بفعل جريمتكم إلى معقل للصلابة وامتنعت عن التهاوي والسقوط وتصلدت عروقها مناعة دون سمومكم بكل أشكالها .
غزة تقترب كل يوم اكثر من إعلان النصر الذي يرعب نتانياهو العبد المأمور ويرعب بمعيته قائمة طويلة من العبيد الذين ينتظرون كل يوم سماع خبر الإجهاز على غزة والمقاومة، الروح التي تتسلل من غزة ويحاولون كتمها وخنقها بكل السبل وكل الطرق لا سبيل لحصرها ولا إيقافها، إنها روح الحرية والتحررلكل العرب وممارسة حياة جديدة كلها الكرامة والارتقاء فوق ركام الصهيونية الاسرائيلية والأمريكية والعربية.
*كاتب فلسطيني

عن اليمن الحر الاخباري

شاهد أيضاً

كشف المستور في كتاب الحرب المنشور!

محمد عزت الشريف* لم يكن طوفان الأقصى محضَ صَولةٍ جهادية على طريق تحرير الأقصى وكامل …