الأحد , مايو 19 2024
الرئيسية / اراء / كنتاكي بطعم الإبادة الحارّة!

كنتاكي بطعم الإبادة الحارّة!

خالد شــحام*
مساء الأمس وأثناء مروري في أحد الشوارع الحيوية حيث تتواجد فروعٌ ضخمة لمطاعم أمريكية من تلك الداعمة للكيان (ماكدونالدز – ستاربكس – …) كان واضحا خلوها شبه التام من الزبائن ، خلوٌ يعكس هزيمة غير متوقعة في زمان هُزال الشعوب ، استحضرني للتو الخبر من الجزائر مع تساؤل حول إغلاق مطعم كنتاكي في منطقة دالي ابراهيم خلال يومين من افتتاحه بسبب وقفة الشعب الجزائري الذي نعتز به مع حملة المقاطعة : لو كان مالكو هذه العلامات التجارية يدركون نتائج قراراتهم في دعم الصهاينة ، هل كانوا سيقلبون شعاراتهم منذ البداية ويعلنون تضامنهم مع الشعب الفلسطيني ؟ الإجابة هي لا ! لأن هنالك عقيدة استكبارية تجمعهم كلهم في وعاء واحد ، هذا السلوك هو حقيقة التفكير الرأسمالي الانتهازي الذي راهن على أن شعوب العالم وصلت الى مرحلة من الادمان والرغبة الاستهلاكية الجامحة التي يستحيل معها أن يتسبب شيء أو حدث في هَـزِّ عروشهم الاقتصادية والفكرية مهما فعلوا أو اتخذوا من قرارات .
يعيدنا هذا المشهد الصغير في معركة غزة الكبيرة إلى إعادة فتح الملف الأساسي والجذري للمعركة الذي يربط بين مطعم بريء المظهر وأعمال الإبادة والقتل والتعذيب الذي يجري للشعب الفلسطيني ، إنها العقيدة الرأسمالية التي نؤجل الحديث عنها مرارا ، لا يسعني هنا تقديم تعريفات وتفصيلات تقليدية لأنها متروكة لكم وللمختصين الذين لست منهم ، ولكن يتوجب على كل قارىء وكل عربي أن يستوعب تماما مدى أهمية هذا الطرح ، يمكن القول بأن الرأسمالية في البداية كانت مجرد نظام اقتصادي قائم على تحرير النهم البشري للتكسب بلا أية معوقات أو حدود ، هذا المصطلح يلتصق بثاقبين كارثيين وهما ( الربا + الجشع ) أو بشكل آخر التكسب بعد إزالة كل أشكال الأخلاقيات ، إنها غواية قائمة على التحالف الالتحامي مع الخاصية النفعية في السيكولوجية البشرية القاسية ، لكن الرأسمالية لم تكتف بذلك بل تحولت من نظام اقتصادي إلى نظام معيشي متكامل ثم انقلبت إلى نظام عالمي سياسي يُكيف العالم ليبقى حاملا وحاضنا للفيروس الخاص بها ، إنها شريان الحياة والعقيدة التي تغذي أشكال التجبر والاستعمار عبر التاريخ القديم والحديث وهي الان تمثل القلب الذي يضخ الدماء في عروق الحياة الفاسدة التي تَفشَّت في كل دول العالم غربية وعربية ، إسلامية ومسيحية وحتى بوذية ، إنها ركيزة يقوم عليها النظام العالمي الصهيوني الجديد بالكامل ، لقد كان لزاما على العقيدة الرأسمالية أن تتحرر من كل القيود الدينية وأن تتحالف مع نصوص عقائدية شيطانية لتؤسس مرجعيتها الموحدة ، وأن تخلق قاموسها الخاص من مفاهيم مراوغة خادمة لغاياتها مثل الحريات ، الديموقراطية ، التعددية وبالشكل والمحتوى الموضب الذي يناسب إطلاق الوحش البشري ، إن التحور الأخطر الذي طرأ على عقيدة الرأسمالية انطلق في مطلع العام 2020 مع محاولة النظام العالمي العبث بالكون وركوب صفة الالهة والتحكم بالبشرية.
كانت ولادة النظام العالمي الأولى تحققت عقب الحرب العالمية الثانية وكانت باكورة مشاريعه إنتاج وإعلان الكيان الصهيوني وغرسه في أرض فلسطين ، ومع تمدد النجاحات والفتوحات تحول الكيان الصهيوني إلى التاج الذهبي الذي يتوج رأس النظام العالمي الرأسمالي لينوب عنه ويكون بمثابة الشرطي الخاص به والقوة الضاربة عبر العالم بدعم غير محدود ، ولهذا السبب عليكم أن تعلموا أن من يقاتل المقاومة داخل غزة ليست إلا هذه العصابة العالمية والتي تجمع اليانكي المجرم مع الحاخام العبري والانجلوساكسوني الأبيض والبدوي الثري المرتد تجمعهم مرجعية واحدة إجرامية اسمها الرأسمالية ، لقد أعلن هذا النظام عن صورته المتجددة مع مطلع العام 2020 وهو التوقيت المفضل في التقويم القديم مع اكتمال التحضيرات والأسلحة والخطط المبتكرة التي تم إعدادها وخاصة الذكاء الصناعي والعالم الرقمي الذي يتفق تماما مع العقيدة الرأسمالية ، وتم بموجب ذلك توجيه أول ضربة للعالم من خلال خديعة كورونا ثم متتالية الأحداث التي أعقبتها.
خلال سنوات عديدة من الخطط والعمل الدولي تمكن النظام العالمي من تأسيس هياكله ومنظماته وتبلورت قواه على شكل مؤسسات ومنظمات عالمية : هيئة أمم متحدة ، مجلس أمن ، يونسكو ، بنك دولي ، محكمة العدل ، هوليوود ، منظمة صحة ، هيئة رقابة ذرية ، منظمة الغذاء والدواء ، ناسا ، امبراطوريات الإعلام المقيمة ، شركات مال و أسلحة وطاقة وأشباه موصلات وأدوية ووسائط رقمية ، كل هذه تسمى في فلسفة الحكمة بإسم أعمدة الدجال التحضيرية وهي التسمية العربية الإسلامية الدقيقة جراحيا وتقنيا لوصف عملية الاحتيال الكبرى التي تجري على البشرية تحت مسمى الحريات وحماية الحقوق وصون كرامة الإنسان ، في الوقت الذي يُقتل فيه 15 ألف طفل في غزة و ذبح 40 ألف مدني ، وتُصنَع أحدث مجاعة في القرن الحادي على مرأى العالم ، ويتم الاعتداء على لبنان واليمن وسوريا والعراق وايران دون وجه حق.
على الصعيد الفردي والجماعي للشعوب والافراد تمكنت فكرة الرأسمالية كنهج حياة من خلق تشوهات كاملة ومعايير مغلوطة لكل الحياة وجوانبها وأفسدت نظرتنا بحيث لم نعد نرى شيئا صحيحا او في مكانه ، فُقِدت الرحمة والمسامحة و تحولت المعيشة الى شقاء دائم ومكابدة وقسوة حقيقية مهما تبدى من تمدن ورفاه ، قادت التربية الرأسمالية الظاهرة والخفية في جوانب حياتنا الى خلق منتجات سلوكية وفكرية تمثل في مجموعها انسانا تعسـا ، ثم كئيبا خاسرا ، لقد جاءت لنا بالطبقية وبالعلمانية والالحاد والمثلية والنسوية والتي بدورها تخدم فكرة الرأسمالية لكن الرأسمالية لا تخدمها لأن كل هؤلاء مجرد مستهلكات بعد استنفاذهم على حساب بقاء الراسمالية ، إن السُمنة والسكري والزهايمر والايدز والكورونا وتسوس الأسنان وأمراض القلب والأوعية الدموية هي منتجات إجبارية للحياة الرأسمالية ، المجرمون والقتلة الذين قتلوا أكثر من مليون عراقي ونصف مليون أفغاني ومليوني ياباني ومثلهم من الشعوب الأخرى ويقومون بالذبح الان في غزة هم أبناء أوفياء لهذه المدرسة وهذا النهج ، بسبب هذا الفيروس يمكن لكم تبرير تخاذل الشعوب العربية عن نصرة غزة.
إن كامل تفاصيل الحياة التي يعيشها مواطن اليوم أيا كان مربوطة بحبل سُرِّي مع منظومة الرأسمالية التي تغلغلت في كل مسام، البيت، العمل، التعليم، الطعام والشراب، الأديان، العادات والتقاليد الموروثة، الخلوي والانترنت والفضائيات وكل أشكال النعيم والرفاه الذي نعيشه ، لهذا السبب لن يتبقى من كل هذا النعيم أي أثر بمجرد تولد صدمة التدافع نحو الإنهيار للمنظومة الرأسمالية والتي سيكون عنوان سقوطها الأول والأكبر هو سقوط دويلة الكيان الصهيوني النائبة عن حلف الشيطان، ولهذا السبب عليكم أن تفهموا جيدا لماذا هذا الإجرام في غزة ولماذا هذا الاستكلاب على الاقتصاص من المقاومة وبذل المستحيل للإطاحة بها ولماذا هذا التحشيد من الغرب ومن الشرق على حفنة قليلة من المقاتلين الفلسطينين، إن هذه المقاومة بصمودها تلعب دورا خطيرا بالإنابة بعلمها او بدونه في إنقاذ كامل البشرية من مخالب ووحشية النظام العالمي المستكلب على تحقيق الألوهية وسحق أي شيء يقف في وجهه .
لا حاجة للشرح والإستشهاد بالقرائن لكي نفهم بأن النظام العالمي وعقيدته الرأسمالية في مأزق متصاعد باضطراد ، يكفي أن نرى هذه الصورة لعالم اليوم الذي يعاني من المشاكل والحروب والتمزيق في كل مكان لنفهم بأن الوحش يطرح ورقته الأخيرة ، يكفي أن ندرس الظاهرة المعيشية لمواطن اليوم بما فيها من غلاء فاحش قاسٍ واضطرابات نفسية وكآبة ومخاوف من المستقبل لنفهم بأن لا أحد مستريح ولا أحد يشعر بالاطمئان وبأن مسألة العودة للهويات القومية والعرقية وحدوث التشظي من كل حدب وصوب هي مسألة وقت فقط ، كل ذلك لأن العقيدة الرأسمالية اعتدت على الإنسان كجسد وروح وفطرة وكل العلم المنتج من بواباتها تحول إلى شقاء وتعب للبشرية مهما بدت له من مكتسبات.
إن لحظة الإنهيار القادمة للكيان الصهيوني ستكون حجر الدومينو الأساسي في الإطاحة بسلسلة النظام العالمي الذي سيفقد ذراعه وحارسه المقيم في الشرق الأوسط ، إنهيار النظام العالمي سيكون هو الدافع لحجر الدومينو الأول من خلال فشله في حل مشاكله المالية والاجتماعية والسياسية المتجذرة والمتصاعدة بحدة ، حالة الفشل سوف تتكشف مرة واحدة وتشكل موجة سقوط جماعي للنظم البنكية والاقتصادية وحتى المعيشية ، ولهذا السبب من الطبيعي جدا أن العالم مقبل على نقطة العودة للعصر الحجري كما فعلوا بغزة تماما حيث ستتوقف سلاسل الإمداد وشبكات التواصل ووسائط الاتصال والانترنت وتفقد شبكات الخلوي قيمتها وتتوقف محطات الطاقة ، إنها النتيجة الحتمية لسنوات الظلم والغضب والسرقة وقتل ملايين البشر دون ذنب ومحاولة لعب دور الآلهة عل الأرض ، إنه العقاب الفيزيائي الطبيعي ضمن قانون الفعل ورد الفعل الذي يطلع به كوكب الأرض ومحتواه الحي ضد هذا التجبر البشري الذي خرج من رحم الشيطان وبالاتفاق معه.
إن النهج الذي سيرث الأرض وينقذ هذه البشرية من بؤسها وضياعها هو هذا الذي ترونه في غزة بالتحديد وهؤلاء هم الذين سيحدثون الثقل الصغير في كفة ميزان الكون لإعادته إلى عقله ورشده ، هؤلاء هم دون مواربة ومهما كثر المتشككون ، لا حاجة لي او لغيري لكي يتكلموا عنهم ومن كان لديه غير هذا الكلام فليأتنا بما لديه ، هؤلاء هم الذين صبروا ستة أشهر حسوما من الموت والتجويع والقتل الذي لا يرحم ، ستة شهور كاملة مكلومة من الصبر تحت الأرض وبين الركام وبين الأموات والقذائف لا يقوتهم إلا شربة ماء وكسرة من طعام ممنوع عنهم وسط أكبر مؤامرة عالمية شهدها التاريخ ، لسانهم يذكر الله ويعبدونه حق عبادته ، يوفون الله ما وعدوه ويموتون دون ذلك ، يحملون في قلوبهم الرحمة والإحسان والصدقة والكلمة الطيبة ويؤمنون بالزكاة وسعة الأرض وعطائها ، هذا الفكر هو من سيكسر النظام العالمي ويمسح غربة وكآبة هذا العالم الموحش.
*كاتب فلسطيني

عن اليمن الحر الاخباري

شاهد أيضاً

نتنياهو… ومعضلة اليوم التالي للحرب!

د.حسناء نصر الحسين* فيما ينشغل رئيس حكومة الكيان بالتفكير بمعضلة اليوم التالي للحرب وغياب استراتيجية …