اسيا العتروس*
“لقيتو … هوابني … قلتلكم أنو هون هذي جاكته “.. تنحني لتقبيل جبينه أو ما بقي منه فتسبقها ايدي اعوان الاسعاف من ملامسته فتكتفي بارسال قبلة باشارة من يدها الى طفلها الذي كانت تبحث عنه منذ بداية العدوان على غزة قبل أن تنطلق في اطلاق الزغاريد و البكاء و الدعاء في ان واحد لشهيدها الصغير أن يستريح الى جانب شقيقه الذي سبقه …
نعم المشهد ليس لقطة من شريط سينمائي هوليودي بل لقطة من شريط حقيقي متواصل منذ اكثر من ماتي يوم تحت أنظار العالم بدعم و اخراج الحليف الامريكي المزود الاساسي للاحتلال بالصواريخ و الذخيرة و كل أنواع السلاح الاحدث و الاكثر فتكا …
منذ أيام يستمر العثور على المقابر الجماعية في غزة و معها يستمر العثور على وثائق الادانة لجيش الاحتلال على ما يقترف في حق الانسان الفلسطيني في غزة .. قطع ادمية لاطفال او نساء او كهول في اكياس بلاستيكية …أياد موثوقة وأخرى تحمل الابر الطبية ما يؤشر الى انها دفنت حية ..أجساد انتهكت حرماتها ونزعت عنها ادميتها وأخرى سلخت تماما وأزيح عنها جلدها ولعله نقل الى بنوك الجلود الادمية في مخابرالاحتلال ..صور مرعبة عما يمكن ان يبلغه توحش البشرعندما يصاب الضمير الانساني و تنهار المؤسسات الدولية ويسود قانون الغاب …والحقيقة أنها صور سبق لاطباء غزة ولكل الاطقم الطبية الاجنبية و المنظمات الانسانية و الحقوقية التي تمكنت من دخول القطاع ان حذرت منها وهي تستغيث تباعا خلال تكرر اقتحامات قوات الاحتلال للمستشفيات في غزة استهدافها للمرضى والجرحى والاطباء و المسعفين وكل الذين لجأوا الى المستشفيات من بحثا عن مكان يأوون اليه …و قد تحدث الاطباء عن استعمال الاحتلال اسلحة جديدة تتسبب في احتراق الجسم و تفتته …اسلحة تأتي من مختلف مصانع السلاح حتى أن الرئيس الاسرائيلي هرتسوغ لم يتردد بالمفاخرة و المجاهرة في وضع توقيعه على عدد من الصواريخ التي تستعمل لقصف غزة …
وفيما يستمراخراج جثث الضحايا في المقابر الجماعية التي عثر عليها تباعا في محيط مستشفيات ناصر و الشفاء وغيرها يستمر كشف الحقائق و اسقاط الاقنعة عن جيش الاحتلال الذي يفتقر لابسط مقومات الجيوش التي تحترم عدوها و تحترم اخلاقيات و قوانين الحرب و تذكرنا بان هذا الجيش الذي يحظى بدعم القوى الكبرى كان و سيظل سليل عصابات الشترن والهاغانه التي تأسست على القتل و امتصاص الدماء …
ولعلنا لا نبالغ اذا اعتبرنا أن الافظع لم يظهر بعد و أنه سيتعين توقع كل الممارسات الانتقامية التي تم اللجوء اليها في حرب الابادة على غزة ..والارجح أنه سيتعين الاستعداد للصدمة القادمة عندما يكتشف المزيد بعد ان تمادت رائحة الموت في كل مكان دون أن يتحرك العالم في الوقت المناسب لمنع وقوعها …
“لقيتو …هوابني …قلتلكم أنو هون هذي جاكته ” صرخة أم في غزة رصدتها الكاميراو الاكيد أنها لن تكون الاولى و لا الاخيرة و كم من صرخة ستتلوها امهات غزة المكلومات وجيوش خنساوات فلسطين الائي يكتبن كل يوم شهادات الصبر ازاء اختبارات قد لا تقوى الجبال على تحملها ….
انها صور مروعة يكاد صوت اصحابها يخترقالتراب ليسمع اهل الارض هول الظلم الذي تعرضوا ..
نعم لقد تواترت الدعوات الاوروبية و غيرها لاجراء تحقيق مستقل حول حقيقة المقابر الجماعية بعد أن بادرت جنوب افريقيا مجددا بالسير في هذا الاتجاه …و الواقع أن ما نشر حتى الان بشأن المقابر الجماعية من شانه أن يغني عن البحث عن أي أدلة أضافية تدين كيان الاحتلال …فاصوات الضحايا و الاشلاء تكاد تحاصرنا مطالبة بالقصاص و العدالة لاصحابها …
في الاثناء لا يبدو ان شيئا مما يحدث يحرج الاحتلال او يردعه او يعجل بتحرك الجنائية الدولية و رئيسها المدعي العام كريم خان الذي لم يحرك ساكنا ازاء هذه المقابر الجماعية و اشلاء الضحايا التي ستلاحق و تؤرق كل من اشتركوا في الجريمة و تواطؤوا بالصمت و الامبالاة او بتوفير بتوفير الحصانة أوالتزويد بالسلاح و كل ما شجع كيان الاحتلال و جعله يعتقد أنه فوق كل محاسبة او مسائلة …
غزة لم تبح بعد بكل ما تعرضت له من كوابيس ومحن و مجازر طوال ستة اشهر… و في الانتظار فان خنساوات غزة لا يخفين ارتياحهن لاستعادة جثث فلذات اكبادهن لتكريمهم و توديعهم الوداع الاخير في قبور يمكنهم زيارتها ..
لا خلاف أن لعنة الشهداء واشلاء و دماء الضحايا ستلاحق الجلاد في صحوته او غفوته …
*كاتبة تونسية
شاهد أيضاً
كشف المستور في كتاب الحرب المنشور!
محمد عزت الشريف* لم يكن طوفان الأقصى محضَ صَولةٍ جهادية على طريق تحرير الأقصى وكامل …