د. بسام روبين*
لم يكن التاريخ العربي والإسلامي بحجم التباهي الذي نتغنى به فلولا الخيانة لم يؤتى المسلمون لذلك جاء المشروع الأمريكي والغربي معتمدا على هذه الحالة المحزنة والمؤلمة وهذه البقعه كجزء لواقع أمة المليارين التي لم تعد تشكل ثقلا يذكر في الميزان الدولي والإستراتيجي ،وقد نجح طوفان الأقصى بتحويل القضية الفلسطينية من قضية عربية وإسلامية إلى حالة إنسانية ودولية يهتم بها ويتبناها أحرار واصحاب الضمائر في العالم ،لذلك لم يعد هنالك خوفا على هذه القضية بعد أن إبتعدت عن بعض أبنائها اللذين فضلوا التصهين والعمالة على قدسهم وأقصاهم مع أن طوفان الأقصى أوجد وعيا منقطعا لدى كتل ضخمة من البشر ربما لأن جيناتها إنسانية بعكس جينات النخب السياسية الغربية التي أخذت على عاتقها قتل أطفال ونساء غزة وتجويع الناس فيها حين خجلت أمة المليارين من الوقوف لجانب دولة جنوب إفريقيا العظمى التي هبت لنجدة المستضعفين في فلسطين ،ولا يمكن لهذا التاريخ المشين أن يستمر فربما ينقلب بلحظة وضحاها فبوادر إبتعاد أمريكا عن إسرائيل بدأت تحلق في الأجواء ولو على شكل خديعة إستراتيجية لمنح إسرائيل مزيدا من الوقت علها تنجز مهمتها ولا تتسبب بذات الحرج والعار الذي ألصقته بأمريكا نتيجة لمواقفها المنحازة لإسرائيل والمنتهكة للإنسانية وللقانون الدولي مع أن نتنياهو عرض زعماء البيت الأبيض لمستوى عالي من الإذلال في أكثر من موقف ،ولكن ضرب الحبيب زبيب بمنظور البيت الأبيض ولا بد من تداعيات لفشل مفاوضات الهدنة بأن تتوسع بما لا يخدم المخطط الأمريكي الإسرائيلي فاقتحام رفح شكل خطئا إستراتيجيا إعتدى بموجبه على إتفاقية كامب ديفيد وربما أنهاها.
وقد ينتج عن ذلك تداعيات متلاحقة إذا لم تتدارك أمريكا الوضع وتستعيد الرسن للجم نتنياهو بالتي هي أسوأ بعد أن أصبح يشكل خطرا إستراتيجيا على الأمن السياسي للأنظمة ،ولم يقتصر هذا الخطر لهذا الحد بل أرسل برقيات سريعة للدول التي تنتظر التطبيع ووضع صورة التطبيع أمام هذه الدول على حقيقته فارغا من أي مضامين سوى تمكين إسرائيل ودمجها على حساب مصالح الدول العربية فلا يمكن لهذه الدول التي كانت على قاب قوسين أو أدنى من التطبيع أن تنجرف خلف سراب بعد أن إكتشفت ضعف هذا الكيان ووحشيته وإجرامه وإنقلاب العالم الحر عليه وظهور أمريكا بمظهر الضعيف الذي لا يمتلك حولا ولا قوة على هذا الكيان الغاصب فما الفائدة من أمريكا التي تمسك باليد الأولى عصا ضد العرب والمسلمين لتمكين هذا الكيان وتقف عاجزة من خلال أقوى رجل مخابرات في العالم حيث تعمد نتنياهو إحراج وإفشال هذا الرجل القوي وفضل إقتحام رفح وقتل أطفالها والإعتداء على سيادة دولة عربية عظمى ترتبط معها بإتفاقيات تدير هذا المعبر.
لذلك أعتقد أن التطبيع القديم والمستقبلي أصبح في مهب الريح ولم يبقى هنالك أي مجال لتمكين وتسويق هذا التطبيع المشوه الذي ولد باطلا وبني على باطل ،وبذلك يكون نتنياهو قد أطلق النار بسياساته الرعناء على أقدام إسرائيل وربما تكون هذه حكمة من الله لإستكمال هزيمة ودحر هذا الاحتلال بعد ان فقدت أمريكا سيطرتها على حكومة المتطرفين الصهاينة.
وما النصر إلا من عند الله هو من ينصر الضعفاء ويعزز صمودهم ويثبت أقدامهم وينصرهم على كل من عاداهم
إنه سميع مجيب.
*كاتب واكاديمي عسكري اردني