الجمعة , نوفمبر 22 2024
الرئيسية / اراء / العرب والصين..شراكة للمستقبل!

العرب والصين..شراكة للمستقبل!

د. شاهر الشاهر*
يعقد حاليا في العاصمة الصينية بكين منتدى التعاون الصيني العربي بنسخته العاشرة، وسط تفاؤل كبير في أن يسهم بإعطاء دفعة قوية للعلاقات بين الصين وباقي البلدان العربية.
وكان المنتدى قد بدأ دورته الأولى في العام ٢٠٠٤، وجرى الاتفاق على أن ينعقد مرة كل عامين، لمناقشة العلاقات بين الجانبين الصيني والعربي وسبل تطويرها.
ما يميز المؤتمر هذا العام هو مشاركة أربعة رؤساء وملوك من الدول العربية، وهم الرئيس المصري والرئيس التونسي وملك البحرين ورئيس الامارات العربية المتحدة.

لكل دولة من هذه الدول خصوصيتها في تعاطيها مع بكين، فمصر يصادف هذا العام الذكرة السنوية العاشرة لتحول العلاقات بينها وبين الصين إلى “شراكة استراتيجية شاملة”، علماً أن الصين باتت اليوم شريكاً استراتيجياً لـ ١٢ دولة عربية.
وبالنسبة للصين، تعد مصر دولة هامة فهي أكبر الدول العربية من حيث عدد السكان، وتقع في “قلب الوطن العربي”، وفيها قناة السويس ذات الأهمية الاستراتيجية الكبيرة، حيث تتدفق عبرها البضائع الصينية إلى أوربا. كما أنها “مفتاح القارة الافريقية”، وهي القارة التي تحظى باهتمام كبير من قبل الصين.
كما أن حضارة مصر وتاريخها الطويل، هو محط اعجاب واحترام لدى الشعب الصيني، الذي يعتز بماضيه ويقدس حاضره، ويؤسس لمستقبله بخطى ثابتة واستراتيجيات واثقة.
أما تونس فهي دولة هامة أيضاً، ولها وزن استراتيجي كبير، وكانت تاريخياً جزء من طريق الحرير، حيث كان يقصدها الأوربيون قبل ذهابهم إلى الشرق الأوسط، ومن ثم إلى الصين.
موانئ تونس هامة جداً، وتتيح للصين “الاقتراب ما أمكن من أوربا”، وبالتالي فإن التعاون والشراكة معها يشجع باقي الدول الافريقية في السير على خطاها.
أما مملكة البحرين، والتي كانت العلاقات بينها وبين الصين تحظى بنوع من الفتور، لاعتبارات كثيرة. فالبحرين فيها أكبر قاعدة عسكرية أمريكية خارج الولايات المتحدة، حيث تتواجد فيها قيادة الأسطول الخامس الأمريكي، وهو الأسطول المسؤول عن أمن المنطقة كلها.
كما أن البحرين هي رئيس القمة العربية لهذا العام، وهي المعنية بمتابعة قراراتها التي تم التوصل إليها في قمة المنامة قبل أيام.
أما الامارات العربية المتحدة فتحظى زيارة رئيسها إلى بكين بأهمية خاصة كونها الزيارة الأولى له منذ استلامه الحكم في العام ٢٠٢٢.
وللإمارات أهمية كبيرة بالنسبة لبكين على الصعيد الاقتصادي، باعتبارها “سوقاً حرة” متقدمة في منطقة الشرق الأوسط.
كما أن بكين كانت داعمة لانضمام كل من مصر والمملكة العربية السعودية والامارات العربية المتحدة إلى منظمة البريكس في العام الماضي.
لقد ازداد حجم التبادل التجاري بين الصين والدول العربية وبشكل كبير، حيث بلغ في العام ٢٠٢٣ حوالي ٤٠٠ مليار دولار، وباتت الصين الشريك التجاري الأول للدول العربية.
تتشارك الصين مع الدول العربية موقفها من الكيان الصهيوني، والمجازر التي يرتكبها بحق الشعب الفلسطيني في قطاع غزة.
لقد كانت الصين تاريخياً داعم حقيقي للقضية الفلسطينية، ولم تقم بكين علاقات دبلوماسية مع إسرائيل حتى العام ١٩٩٢، بعدما ذهبت الدول العربية إلى مؤتمر مدريد للسلام، وسارت في مسار التطبيع مع إسرائيل.
بل إن الدول العربية لم تشترط حينها مشاركة الصين كراع لعملية السلام في مدريد، إضافة إلى الولايات المتحدة والاتحاد الأوربي، وغيرها من الدول والمنظمات الدولية.
منذ “طوفان الأقصى”، أعادت بكين الأمور إلى نصابها، حيث اعتبرت أن ما حدث هو نتيجة لـ “الظلم التاريخي الذي تعرض له الشعب الفلسطيني”، وهو ما لقي رفضاً من إسرائيل ومن خلفها الولايات المتحدة الأمريكية.
واليوم، تسعى الصين للعب دور الوسيط في عملية السلام بين العرب وإسرائيل، باعتبارها الدولة الوحيدة المقبولة والقادرة على لعب هذا الدور، بعد أن فقدت الولايات المتحدة حيادها منذ اليوم الأول للحرب، حين ذهب رئيسها إلى إسرائيل وأعلن صهيونيته على مرأى ومسمع العالم كله.
كما أن روسيا لم تعد “مقبولة”، من قبل الولايات المتحدة والدول الغربية، بسبب الحرب في أوكرانيا، وما نتج عنها من تبعات.
وكانت الصين قد سعت إلى عقد مؤتمر دولي حول القضية الفلسطينية قبل طوفان الأقصى، وزار الرئيس الفلسطيني محمود عباس بكين عدة مرات، وكان من المقرر أن يقوم نتنياهو بزيارة إلى الصين في نوفمبر ٢٠٢٣، لكن تم تأجيلها بسبب الحرب في غزة، وموقف الصين منها.
كذلك تتشارك الصين والدول العربية مخاوفها مما يجري في منطقة البحر الأحمر، خاصة وان الصين هي المتضرر الأكبر من عدم الاستقرار في تلك المنطقة.
الموقف الصيني كان ضد تحالف “حارس الازدهار” الذي قادته الولايات المتحدة لمواجهة الحوثيين، حيث رأت بكين أن ما يجري هو نتيجة لما تقوم به إسرائيل من مجازر وحشية في غزة، وأن الحل هو بوقف هذه الحرب لا افتعال حروب أخرى.
كذلك تسعى بكين إلى إيجاد طريقة لوقف الحرب في أوكرانيا، وكانت قد تقدمت بمبادرة من /١٢/ نقطة لوقف هذه الحرب.
واليوم ترفض بكين الدعوة التي وجهتها أوكرانيا لعقد مؤتمر في سويسرا حول الأزمة الأوكرانية، لأن سويسرا لم تعد “دولة محايدة”، ولأنه يستبعد موسكو، وبالتالي لا جدوى من عقده.
انخراط الصين أكثر في قضايا المنطقة يحظى بقبول كبير، خاصة وأن الصين كانت حاضرة شعبياً في المنتجات التي كتب عليها صنع في الصين، وباتت اليوم حاضرة رسمياً بعد نجاحها في تحقيق المصالحة بين إيران والسعودية.
كل مقومات النجاح لـ “منتدى التعاون العربي الصيني” متوفرة، ويبقى العمل على تلافي العامل الخارجي المعطل لهذا التعاون، ألا وهو الولايات المتحدة الأمريكية.
ويبقى الرهان على قدرة الصين في إقامة مؤتمر دولي للسلام تشارك فيه جميع الأطراف، وينتج عنه التوصل إلى اتفاق للسلام في منطقة الشرق الأوسط.
*أستاذ الدراسات الدولية- نائب رئيس مركز دراسات الشرق الأوسط

عن اليمن الحر الاخباري

شاهد أيضاً

كشف المستور في كتاب الحرب المنشور!

محمد عزت الشريف* لم يكن طوفان الأقصى محضَ صَولةٍ جهادية على طريق تحرير الأقصى وكامل …