الخميس , نوفمبر 21 2024
الرئيسية / اراء / الاعيب الغرب!

الاعيب الغرب!

د.طارق ليساوي*
اشتغالنا كأكاديميين و كحملة للعلم بشتى تخصصاته و فروعه، بالعقائد الدينية و الإيمانيات و ما يصطلح عليه بعلم الغيبيات أو ما وراء الطبيعة أو الميتافيزيقا، ليس هروبا من الواقع أو من التحليل العلمي و ضوابطه و مناهجه، و إنما تقديرا لما لهذه القناعات الإيمانية من دور في صناعة عدة حضارات و سقوط أخرى، و لما لهذه الأفكار التي تنتمي إلى عالم ” الفنتازيا و الخيال” من أثر كبير في نفوس البشر من بدأ الخليقة ..
أسلحة عقدية فتاكة:
و بالتالي فإن إسقاط هذه الاتجاهات المذهبية والعقائدية من تحليلنا “العلمي” سيجعلنا خارج دائرة “الموضوعية” و”العلمية”، هذا فضلا عن جعلنا خارج دائرة الصراع، بمعنى أن استبعاد الفكرة الدينية من دائرة النهوض و الصعود الحضاري ، و نزعها نزعا من “خارطة الطريق” نحو المستقبل ، سيجعل خصومنا و أعداءنا في موضع قوة، لأن هذه الأطراف استعانت في الماضي و تستعين في الحاضر والمستقبل ، في حربها ضدنا ب” أسلحة عقدية ” و من منا لم يدرس أن الاستعمار جيش حملات قبلية تحت عنوان “التبشير”، أي أن المستعمر بشر الشعوب المستعمرة، أو التي يضعها ضمن خطة البلدان المستهدف إستعمارها، كان يبشرها بجنات تجري من تحتها الأنهار ، بجنات الديموقراطية و حقوق الانسان، وبالتقدم والازدهار والرخاء، و إشاعة الحريات الفردية و الجنسية و العلاقات الرضائية و المثلية و النسوية و غيرها من الشعارات الجذابة والمثيرة..
وما كادت تسقط آخر خلافة إسلامية ممثلة في الدولة العثمانية، حتى تنافست و تعاونت القوى الاستعمارية الصهيو-صليبة على تقسيم أراضي الإسلام بين الدول الأوروبية-المسيحية، و وضع الخطط و الاتفاقيات الإستعمارية من قبيل اتفاقية “سايس-بيكو” و ” الجزيرة الخضراء ” و”وعد بلفور” .. و لم يتم الاكتفاء بتقسيم الحدود و الموارد ، و إنما تم حشد الأقلام و الألسن و الدراسات و الأبحاث ، لتأكيد أن سبب ضعف المسلمين يكمن في الإسلام الذي أقعدهم عن طلب العلم والنهضة، وكبلهم في التخلف والجهل، وللخروج من دورة التخلف و الإنحطاط و الولوج لعصر التقدم و النهوض ، لابد من استبدال شريعة الله بشرائع البشر، ونظام التعليم الإسلامي بنظام التعليم الغربي، وبدأت أجهزة الإعلام تغرس عقائد القومية، و اللادينية “الإلحاد” والوطنية الإقليمية مكان العقيدة الإسلامية..
ad
أجندات الصهاينة العرب
و ما حدث بالأمس يتكرر اليوم وفق ذات المنهج، وإن تغيرت الشخوص والبرامج، فلازالت حرب الأفكار والعقائد تقصف العالم الإسلامي بذريعة تمدينه و جعله أكثر “إعتدالا و تسامحا”..بل و تم تطوير تكتيكات جديدة تعتمد على جعل المدافعين عن هذه الأجندات من بني جلدتنا ويحملون أسماء منا من قبيل “محمد” و”علي” و”عبد الله” .. وهؤلاء هم من سماهم الدكتور عبد الوهاب المسيري رحمه الله ب”الصهاينة العرب”..و هو القائل أيضا في مقاله “الشرق الأوسط الجديد في التصور الأميركي الصهيوني” : “يمكن القول بكثير من الاطمئنان إن الإستراتيجية الغربية تجاه العالم الإسلامي منذ منتصف القرن 19 تنطلق من الإيمان بضرورة تقسيم العالم العربي والإسلامي إلى دويلات إثنية ودينية مختلفة، حتى يسهل التحكم فيه”.
و في إطار التقسيم تصبح الدولة الصهيونية الاستيطانية، المغروسة غرسا في الجسد العربي، دولة طبيعية بل قائدة، فالتقسيم هو في واقع الأمر عملية تطبيع للدولة الصهيونية التي تعاني من شذوذها البنيوي، باعتبارها جسدا غريبا غرس غرسا بالمنطقة العربية..
– دين جديد شعاره الحريات:
و هذه الأفكار و الأجندات في جوهرها ” أفكار عقدية” أي أننا أمام “دين جديد” يمهد الطريق لإستعمار جديد يستهدف الثروات، لكن تحت شعار ” الحريات” ، دين غايته إستعباد الشعوب و استغلالها تحت ذريعة تحريرها ..
و قبل الانتقال إلى جوهر هذا “الدين الجديد” و إلى صلب الموضوع أي الصراع العربي -الإسرائيلي ، أو بشكل أوسع الصراع الإسلامي -الصهيوصليبي ..سنعمل على سرد نموذج “حالة” لهذا الدين الذي يبشرون به ، وهذا الدين يمكن ملاحظة أبعاده و تداعياته من خلال تتبع الصراع الشعبي-الأولغارشي القائم بالمغرب مثلا ، بين أقلية مسيطرة على القرار السياسي و الاقتصادي و الثقافي، و بين غالبية شعبية تم تفقيرها و تجهيلها و تضبيعها، هذه الأقلية ” المسيطرة” تروج زورا و بهتانا لما يسمى ب ” الدولة الاجتماعية” و مهدت و تمهد لمشروعها الاستعبادي و الاستغلالي و الاحتكاري بترويج أطروحات أقرب ما تكون إلى “دين جديد” ، على نقيض دين و مذهب غالبية المغاربة ..
فليس من العبث أن تتزامن مشاريع بيع أصول الدولة تحت مسمى ” التمويلات المبتكرة” و إغراقها في المديونية في مشاريع” فنكوشية”، مع مشاريع إصلاح مدونة الأسرة و تعديل بعض بنوذ المسطرة الجنائية ، و خاصة تلك التي لها صلة بتجريم العلاقات الجنسية خارج مؤسسة الزواج، و رفع التجريم عن الزنا و المثلية الجنسية، و عرض العقوبات الحبسية للبيع و الشراء بدعوى “العقوبات البديلة” ..
دُولَةً بين الأغنياء
اليوم صار المغرب ” دُولَةً” قال تعالى ( مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) [الحشر: 7]..
و ستلاحظ أيها القارئ الفطن، أن هذه أول أية استدل بها في هذا المقال، و كم أحاول في مقالاتي ألا أستشهد بالآيات و الاحاديث و أقوال السلف الصالح ، حتى لا أتهم بالرجعية و الظلامية و الميتافزيقيا من بعض ذوي العقول ” المسطحة ” و “المقولبة” في قوالب جاهزة مصدرها معلوم و مكشوف..و حرصي على تقليص وثيرة مثل هذه الاستشهادات ، ليس مرده الخجل أو الخشية من سهام النقد، بل على العكس من ذلك، فالقران و السنة النبوية تاج على رأسي ، و إن كنت أفتخر بشيء في حياتي فهو حفظي لكتاب الله ، و لكن تقليص وثيرة الاستشهادات القرآنية و النبوية ، دافعه رفع شبهة و ادعاء محاولة التأثير على القلوب الضعيفة و استمالة العوام ..
قضية الكوبل
لكنني اليوم أصر على توضيح هذه الجزئية لما لها من أهمية في ما يجري حاليا من صراع في السر و العلن ، ببلدنا و بجوارنا الإقليمي و الدولي، ففي بلدنا المغرب نعيش على وقع متغيرات لم تكن تخطر على بال، فأن يشتغل بال و أجندة وزير للعدل، بقضية دخول ” الكوبل” لغرفة الفندق دون الحاجة إلى إثبات علاقة الزوجية بموجب عقد زواج، كما هو معمول به منذ زمان..يحدق هذا في الوقت الذي تفيض فيه مكاتب مصالح وزارته، بقضايا التزوير في المباريات ، و تفوح فضائح المحسوبية و الزبونية في توظيف المقربين منه، و في الوقت الذي سحب فيه رفقة حلفاءه في “التحالف الثلاثي” مشروع قانون “الإثراء غير المشروع” المعول عليه من أجل محاربة الفساد و تخليق الحياة العامة ..
فما يحدث هو نوع من “السريالية” و الانفصال عن الواقع و الخروج عن المعقول و المألوف، ما يجري لا يستقيم في ذهن أي غيور على مصالح الأمة و مستقبلها و لا يمكن إخضاعه لمنطق الأولويات أو التحليل العلمي و الموضوعي…فقد درست أكثر من تجربة تنموية رائدة و منها تجربة الصين ، و لم أصادف في رحلتي بلدا تقدم بالمراهنة على العلاقات الرضائية و المثلية و الحريات الجنسية و زواج السلطة بالمال و تضارب المصالح و التعاطف مع ناهبي المال العام ، لم أصادف أن الانحلال و التفسخ الأخلاقي و العري الفكري و فساد الذمم و الأخلاق، و محاربة معتقدات غالبية الناس قد أصبحت برنامج إصلاحي و تنموي .. والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون…
*كاتب وأستاذ جامعي مغربي

عن اليمن الحر الاخباري

شاهد أيضاً

كشف المستور في كتاب الحرب المنشور!

محمد عزت الشريف* لم يكن طوفان الأقصى محضَ صَولةٍ جهادية على طريق تحرير الأقصى وكامل …