د.طارق ليساوي*
الصعود إلى الجبل لن ينجي المتعنتين و المستكبرين و الضالين والطواغيت و المجرمين، هؤلاء الذين يعتدون بقوتهم و عددهم و عدتهم، و نهايتهم لن تأخذ بعين الاعتبار نسبهم أو قوتهم، حتى لو كانوا أبناء أنبياء ..فاليوم عدنا لنقطة الصفر و أصبح بعض أبناء نوح يعتدون بساميتهم و ينتقصون من حامية و يافثية البقية الباقية من أبناء نوح ، و نسوا مصير كنعان الذي كان من المغرقين..
عصبة صهيونية متطرفة :
ففي فلسطين المحتلة فإن جرائم الاحتلال الصهيوني في غزة، تنفذها “عصبة متطرفة” ذات نزعة صهيونية عنصرية و دينية، فحكومة الصهاينة التي يتزعمها “النتن ياهو” تضم في صفوفها ما يسمى باليمين المتطرف، الذي له شعبية واسعة في “إسرائيل” و يؤمن بتوجه نازي و يدعو صراحة إلى عدم التسامح مع العرب والمسلمين وقتلهم فضلاً عن إبادتهم جماعياً وممارسة التطهير العرقي ضدهم، كما يدعو إلى قتل الأطفال وتشبيه “المسلمين بالثعابين”، ومن أبرز المتنفذين في اليمين المتطرف الإسرائيلي وزير الأمن القومي الحالي” إيتمار بن غفير “، الذي وصفت صحيف هآرتس يوم نجاح تياره في انتخابات 2022 باليوم الأسود :”إسرائيل الآن على حافة ثورة يمينية ودينية وسلطوية، هدفها تدمير البنية التحتية الديمقراطية التي بنيت عليها الدولة. قد يكون هذا يومًا أسود في تاريخ إسرائيل ” [1]..
و يضم التحالف الأسود أيضا ووزير المالية “بتسلئيل سموتريتش” عن حزب البيت اليهودي و هو حزب صهيوني ديني متطرف. و له كتلة في الكنيسيت تضم عمليا أحزابا وحركات صغيرة تنشط أساسا بين المستوطنين، و كل نواب هذه الكتلة، هم من أشد المتطرفين، ومن دعاة ما يسمى “ارض إسرائيل الكاملة”، يريدون توسيع الاستيطان إلى اقصى الحدود، ويرفضون المفاوضات وحل الصراع بإقامة دولة، بل يقترحون حد أدنى من الحكم الذاتي لأقاليم فلسطينية منفصلة عن بعضها و عبارة عن “كانتونات”.. و وزير التراث “عميحاي بن إلياهو” المنتمي إلى اليمين المتطرف، الذي يبني مواقفه على نظريات وفتاوى دينية متشددة، وهو الذي صرح يوم 05-11-2023 لإذاعة إسرائيلية بأن قصف قطاع غزة بقنبلة نووية هو أحد الخيارات المقبولة في رأيه.[2]
اليمن المتطرف يجتاح أوروبا:
و هذه النزعات العنصرية و الإثنية و الدينية تستشري كذلك في أوروبا و غيرها من مناطق العالم، فقد شهدت أوروبا اتجاهًا عاما و خاصة بعد جائحة كورونا، تميز بعودة التأييد للأحزاب اليمينية المتطرفة في عدد من البلدان الأوروبية، و برز هذا التوجه بوضوح من خلال نتائج عدد من الانتخابات العامة التي جرت في بعض البلدان الأوروبية، مثل: إيطاليا، وفرنسا، وبريطانيا، والمجر، وغيرها. ..وقد أظهرت النتائج النهائية لانتخابات البرلمان الأوروبي التي أجريت ما بين 6-10 يونيو 2024 ، حصول مجموعة حزب الشعب على 26.3% من المقاعد، تليها مجموعة الاشتراكيين بنسبة 18.8%، ثم الليبراليون بنسبة 11.5%، وحصل المحافظون على 10%، بينما حصل اليمين المتطرف على 8.1%، وحلّت أحزاب البيئة في المركز قبل الأخير بنسبة 7.4%.وسجلت أحزاب اليمين المتطرف زيادة في عدد المقاعد بحصولها على المركز الأول في إيطاليا وفرنسا والثاني في هولندا وألمانيا.[3]
عوامل الصعود
أسهمت العديد من العوامل في صعود اليمين المتطرف في أوروبا في السنوات الأخيرة، وهذه العوامل متشابكة و متداخلة منها ماهو فكري ، ثقافي، سياسي و إقتصادي، وقد باتت الهجرة إحدى القضايا الرئيسة التي حفزت صعود أحزاب اليمين المتطرف في أوروبا. فالقاسم المشترك بين مختلف قوى اليمين المتطرف معادة الهجرةَ والمهاجرين، فالهجرة بنظرهم هي السبب الأول في المشكلات التي تواجهها المجتمعات الأوروبية، وأن الهوية الوطنية الأوروبية في خطر، ويجب حمايتها من الغزو الأجنبي المتمثّل في المهاجرين..
كما أن الأزمات الاقتصادية و الاجتماعية عامل مؤثر في الأسباب الرئيسة صعود اليمين المتطرف، فقد أشارت التقديرات إلى أن الأحزاب اليمينية المتطرفة في 20 دولة ديمقراطية في العالم كانت هي المستفيد الأول من الاضطرابات بعد الأزمات؛ إذ تجاوزت نسبة الأصوات المؤيِّدة لها %30 من إجمالي الأصوات. وأحدثت الأزمة الاقتصادية العالمية عام 2008م اضطرابا ملحوظا أسهم في ارتفاع الموجة الجديدة من المدِّ اليميني المتطرف في أوروبا، وأدَّت السياساتُ الاقتصادية إلى ازدياد الاستياء لدى قطاع عريض من المواطنين، بإيعاز من التيارات اليمينية المتطرفة. وتفاقمَ الوضع بسبب التغيرات الاجتماعية التي قلصت الطبقة العاملة الصناعية التي تُعد الداعم الرئيس للأحزاب اليسارية.
كما أن ارتفاع معدلات البطالة في البلدان الأوروبية طيلة العقد الماضي، أسهم في صعود اليمين المتطرف الذي نجح في إيجاد علاقة سببية بين المهاجرين و البطالة ، ذلك أن المهاجرين يقبلون بأجور أقل بكثير من تلك التي يتقاضاها نظرائهم الأوروبيين، هذا بالإضافة إلى التكلفة التي تتحملها الدول المضيفة للَّاجئين في عدد من المجالات، مثل: المرافق العامة والتعليم والصحة.
الإسلاموفوبيا
على اعتبار أن أوروبا هي أكبر تجمع للجاليات المسلمة خارج البلدان الأصل، تعاني عدد من الدول الأوروبية من ارتفاع نمط الإسلاموفوبيا. وسبق أن بّن استطلاع للوكالة الأوروبية للحقوق الأساسية أجري عام 2017 أن حوالي 31 بالمئة من المسلمين في أوروبا، تعرّضوا للإقصاء غداة البحث عن عمل، وأن 42 بالمئة منهم تم إيقافهم في عام واحد من طرف الشرطة لأسباب تخصّ خلفياتهم الثقافية.
و بموازاة مع ظهور الإسلاموفوبيا تصاعد خطاب سياسي يميني متطرف سعى بشكل حثيث إلى استثمارِ الوضع الدولي الذي ترتب على هجمات 11 سبتمبر وما اتسم به من خطابٍ إعلامي معاد للإسلام..وقد دفع هذا الصعود بعض الحكومات والأحزاب الأوروبية إلى غض الطرف عما تطرحه أحزاب اليمين المتطرف، بهدف الحفاظ على الكتلة التصويتية في الانتخابات. ففي أكتوبر 2020، أشار الرئيس الفرنسي ماكرون إلى أن مسلمي فرنسا يمكنهم تكوينُ مجتمع موازٍ في البلاد، وأن الإسلام يواجه أزمةً في جميع أنحاء العالم.
حقل ألغام:
وبلداننا المغاربية و العربية و الإسلامية غير بعيدة عن هذه التحولات، فمثلا إذا رجعنا لدستور 2011 بالمغرب، نجد بأنه يحتفي في ديباجته بتعدد الروافد التي تشكل الهوية الوطنية: “المملكة المغربية دولة إسلامية ذات سيادة كاملة، متشبثة بوحدتها الوطنية والترابية، وبصيانة تلاحم وتنوع مقومات هويتها الوطنية، الموحدة بانصهار كل مكوناتها، العربية – الإسلامية، والأمازيغية، والصحراوية الحسانية، والغنية بروافدها الإفريقية والأندلسية والعبرية والمتوسطية. كما أن الهوية المغربية تتميز بتبوإ الدين الإسلامي مكانة الصدارة فيها، وذلك في ظل تشبث الشعب المغربي بقيم الانفتاح والاعتدال والتسامح والحوار، والتفاهم المتبادل بين الثقافات والحضارات الإنسانية جمعاء..”
لكن هذا التنوع الذي هو مصدر غنى ، يجب ألا يخفي عنا ألغام هذا التنوع و التعدد، الذي ظاهره فسيفساء جمالية و باطنه يوحي برغبة البعض في إثارة النعرات الإثنية و اللغوية ، و التمهيد لصراعات و انقسامات و ميلاد اصطفافات وولاءات بعيدا عن الوطنية الحقة ، و الانتماء للقيم الجامعة و أهمها الإسلام باعتباره جذر الدولة المغربية منذ نحو 12 قرنا، فالدولة المغربية التي تمتد إلى دولة الأدارسة قامت على أساس الفكرة الدينية..
دولة الأدراسة و الفكرة الدينية
تعتبر دولة الأدارسة أول دولة علوية هاشمية تقوم في التاريخ الإسلامي. وتعود نسبتها إلى مؤسسها إدريس بن عبد الله بن حسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب، الذي هرب مع مولاه راشد إلى مصر ثم إلى المغرب الأقصى بعيدًا عن أيدي العباسيين، وذلك بعدما تمكّن العباسيون من القضاء على ثورة الحسين بن علي بن الحسن في معركة فخ.
وبعد أن استقر إدريس في وليلي المغربية، اتصل بإسحاق بن محمد بن عبد الحميد زعيم قبيلة “أوربة” البربرية. وقد خلع إسحاق بن عبد الحميد طاعة بني العباس حيث كان من ولاتهم، وتنازل لإدريس عن الحكم، وذلك بعد تعرُّفه على نسب إدريس وقرابته من النبي صلى الله عليه وسلم وكرمه وأخلاقه وعلمه[4].
استقرت الأمور لإدريس بن عبد الله، ودانت له معظم قبائل البربر، وبدأ يطمح إلى مدِّ نفوذه وسلطانه إلى القبائل التي تعترف بحكمه، ونشر الإسلام بين القبائل التي لا تزال على المجوسية أو اليهودية أو المسيحية، فدخل كثيرٌ من أهل هذه البلاد الإسلام.
وبعد وفاة إدريس بن عبد الله مسمومًا، تولى الحكم مولاه راشد وصيًّا على ابنه إدريس الثاني الذي كان جنينًا في بطن أمه، فلما قُتِلَ راشد كفل إدريسَ أبو خالد يزيد بن إلياس العبدي -أحد شيوخ البربر- حتى كَبُر إدريس، واستقل بالحكم بنفسه في سنة 192هـ/ 808م.
بنى إدريس بن إدريس عاصمة جديدة لدولته سميت (فاس)، وتوسع في فتوحاته، وضم المغرب الأوسط ، وسعى للقضاء على نفوذ الخوارج، و وصلت الدولة إلى قمتها في عهده. وحكم بعده ثمانية من الأدارسة، كان أعظمهم قوة وأعلاهم قدرًا يحيى الرابع بن إدريس بن عمر، الذي امتد ملكه إلى جميع بلاد المغرب الأقصى.
خطر الظهير البربري:
وبالرغم من أن التنوع مصدر غنى ، لكن لا يجب أن يحجب عنا خطر الفرقة و الانقسام، و هو الأمر الذي يذكرنا ب ” الظهير البربري”..الذي أصدره الإحتلال الفرنسي للمغرب بتاريخ 16-ماي 1930 ونص هذا الظهير ” على جعل إدارة المنطقة البربرية تحت سلطة الإدارة الاستعمارية، فيما تبقى المناطق العربية تحت سلطة “حكومة المخزن” والسلطان المغربي، وتم إنشاء محاكم على أساس العرف والعادة المحلية للبربر، وإحلال قانون العقوبات الفرنسي محل قانون العقوبات “الشريفي” المستند إلى الشريعة الإسلامية، ومن ثم قام هذا القانون بنوعين من العزل تجاه المناطق البربرية: أولهما عزل الإدارة السلطانية عنهم، وعزل الشريعة الإسلامية عن التقاضي بينهم، على اعتبار أن العادات والأعراف البربرية كانت سابقة على الإسلام!! ..
فرق تسد:
وجاء إصدار هذا القانون ضمن سياسة فرنسية عرفت باسم “السياسة البربرية” التي ترتكز على أن البربر “ذوو إسلام سطحي” غير متعمق في نفوسهم، فهم ما زالوا محتفظين بكثير من عاداتهم القبلية، وهؤلاء يمكن “تمسيحهم وتنصيرهم” بعد خلق فجوة بينهم وبين العرب، ولهذا فمن الضروري على فرنسا أن تعطي فرصة لنمو مشاعر التمايز بين عنصري الأمة بعد إبعاد البربر عن الإسلام واللغة العربية!
وذكر محضر اللجنة المكلفة بإعداد المشروع أن الفرنسيين رأوا أنه لا ضرر من كسر وحدة التنظيم القضائي بالمنطقة الفرنسية عندما يكون الأمر متعلقا بتقوية العنصر البربري؛ وذلك لتحقيق “توازن” مع العنصر العربي؛ وتحقيق فوائد من الناحية السياسية للاستعمار؛ لأنه يضع البربر في مواجهة السلطان المغربي والشريعة الإسلامية والعرب، ويحقق التصاقا بين البربر والاستعمار.
و لتنزيل هذه السياسة القائمة على مبدأ “فرق تسد” تم فتح مدارس في المناطق البربرية لتشجيع النزعة الانعزالية، ومُنع الحديث فيها باللغة العربية، ودُرّس التاريخ على أن العرب “غزاة”، وأن البربر هم أصحاب البلاد الأصليون، وأنهم قريبون من الحضارة الأوربية التي تنتمي إلى الحضارة اليونانية..و هذا الخطاب نجد ه يتكرر في خطاب العديد من المتعصبين و كدا العلمانيين ، و المشككين في الإسلام و في سنة النبي محمد عليه الصلاة و السلام، و لست في حاجة لذكر أسماء أو تيارات.. لكن سأترك الأمر للقارئ الكريم، ليبحث بنفسه عن أتباع هذه السياسة في بلداننا المغاربية و العربية .. و حتى لا أطيل على القارئ الكريم فإني سأرحل ما تبقى من نقاش إلى المقال الموالي إن شاء الله تعالى و الله غالب على أمره و لكن أكثر الناس لا يعلمون..
*كاتب و أكاديمي مغربي
شاهد أيضاً
مجاهدو القسام يجهزون على 15 جنديا صهيونيا من المسافة صفر ببيت لاهيا
اليمن الحر الاخباري/متابعات أعلنت كتائب القسام الجناح العسكري لحركة المقاومة الاسلامية “حماس”، مساء اليوم الخميس، …