بقلم / محمد الصالحي
في زمن يشهد تحولات كبيرة في العالم العربي والإسلامي، وخصوصاً في اليمن، تحل علينا ذكرى المولد النبوي الشريف، على صاحبه وعلى آله أفضل الصلاة وأتم التسليم، لتبشر ببداية مرحلة جديدة تحمل في طياتها بوادر نصر للأمة الإسلامية. تأتي هذه الذكرى المباركة، التي تشكل نقطة مضيئة في تاريخ الأمة، بالتزامن مع تغيرات إقليمية ودولية تشير إلى تحول استراتيجي في مسار الصراع العربي-الإسرائيلي.
على سبيل المثال، تمثل عملية “طوفان الأقصى” تحولاً واضحاً في هذا السياق، حيث أحدثت تغييراً جوهرياً في قواعد اللعبة العسكرية والسياسية، وانتقلت من موقف الدفاع إلى الهجوم. لم تكن هذه العملية مجرد رد فعل على اعتداءات الاحتلال الإسرائيلي المتكررة، بل جاءت نتيجة تخطيط محكم يهدف إلى إعادة توجيه مسار الصراع واستعادة حقوق الشعب الفلسطيني. بالتالي، كسرت هذه العملية الحواجز النفسية والخوف الذي كان يحيط بالعرب والمسلمين تجاه إسرائيل، وأثبتت أن المقاومة المسلحة قادرة على تحقيق انتصارات ملموسة، مما أعاد الأمل للجماهير العربية والإسلامية.
علاوة على ذلك، مع كل هزيمة يتكبدها العدو الإسرائيلي، تتراجع هيبته وتتزايد خسائره على مختلف الأصعدة. في هذا الإطار، كشفت العمليات الأخيرة عن ضعف الكيان الإسرائيلي وعدم قدرته على مواجهة المقاومة المتصاعدة. في المقابل، تعرضت السياسة الأمريكية في المنطقة لسلسلة من الانتكاسات، حيث فشلت في تحقيق أهدافها الاستراتيجية، سواء في العراق أو سوريا أو اليمن. وبالتالي، لم يكن هذا الفشل عسكرياً فحسب، بل امتد ليشمل الجوانب السياسية والاقتصادية، مما أدى إلى تراجع نفوذها في المنطقة.
وبالإضافة إلى ما سبق، فإن الخسائر التي لحقت بإسرائيل نتيجة هذه التحولات لم تقتصر على الجانب العسكري فقط، بل امتدت لتشمل الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والنفسية. على سبيل المثال، أصبحت التكاليف الاقتصادية للحروب المستمرة والعمليات العسكرية المكثفة باهظة، مما أثر سلباً على الاقتصاد الإسرائيلي وأدى إلى تراجع الثقة في القيادة السياسية والعسكرية. إضافة إلى ذلك، أدت حالة عدم الاستقرار الأمني والنفسي إلى هجرة العديد من الإسرائيليين، مما يعكس ضعف الجبهة الداخلية وتآكل الثقة في قدرة الدولة على توفير الأمن والاستقرار.
من ناحية أخرى، أدى تراجع الهيمنة الأمريكية والغربية إلى إعادة تشكيل موازين القوى على الساحة الدولية والإقليمية. فالتحالفات الجديدة التي بدأت تتشكل بين الدول العربية والإسلامية، والدعم المتزايد للمقاومة، تشير بوضوح إلى بداية حقبة جديدة تتميز بالتحرر من السيطرة الغربية والسعي نحو بناء نظام دولي متعدد الأقطاب. في هذا السياق، تلعب إيران دوراً محورياً في تغيير المعادلة، من خلال دعمها للمقاومة ومناهضة السياسات الغربية.
في ظل هذه التحولات، تبدو الفرص مهيأة أكثر من أي وقت مضى للأمة العربية والإسلامية لتحقيق نهضة شاملة. هنا تأتي ذكرى المولد النبوي الشريف هذا العام لتؤكد من جديد على أهمية الوحدة والتمسك بالهوية الإسلامية في مواجهة التحديات الداخلية والخارجية. بناءً على ذلك، فإن الانتصارات المحققة ليست إلا بداية الطريق نحو تحقيق الأهداف الكبرى للأمة في الحرية والاستقلال والكرامة. لذلك، يجب أن نستغل هذه الفرصة لتعزيز الوحدة والتضامن بين شعوبنا ودولنا، والعمل على بناء مستقبل مشرق لأجيالنا القادمة، يرتكز على قيم الإسلام وتعاليمه السمحة ويحقق العدل والسلام.
وتأتي ذكرى المولد النبوي الشريف في زمن الانتصار لتكون لحظة تأمل وتفكر في ما تحقق وما يمكن أن يتحقق إذا ما تمسكنا بمبادئنا وقيمنا. إنها دعوة لجميع الشعوب العربية والإسلامية للاستمرار في الكفاح من أجل حقوقها المشروعة وبناء مستقبل أفضل لأمتنا. وباختصار، إنها رسالة أمل تنبض في القلوب، تبعث الطمأنينة والثقة في النصر القادم، بإذن الله تعالى.