بقلم/ احمد الشاوش*
قبل أن نفكر في تغيير الانظمة الدكتاتورية والحكومات الاستبدادية واستبدال نظام دكتاتوري بنظام دكتاتوري وطاغية آخر فذلك لن يجدي نفعاً ، ولن يحل المشكلة من جذورها السياسية والثقافية ويخرجنا من دوائر العنف الثوري والاحتكام الى فوضى الشوارع والثارات السياسية والاجتماعية..
بل أن الواجب الديني والوطني والاخلاقي والانساني وضرورة العيش في الحياة انه على كل فرد واسرة ومجتمع وشعب ان يثور على نفسه وأن يُحدث تغييراً كبيراً في عقله وفكره وثقافته واعماقه وتصرفاته من خلال التشبع بمنظومة القيم ومكارم الاخلاق وانعاش الضمير وتهذيب وكبح جماح النفس الامارة بالسوء للوصول الى سمو النفس البشرية وكلمة سواء.
كما ان برامج أحياء ثقافة التسامح والتعايش وفضائل الصدق والامانة والوفاء والمحبة والايثار قد يؤسس لخلق اسرة ومجتمع وشعب أكثر وحدة وتماسك وانسجام في اختيار النظام والسلطة الحكيمة التي تعكس طموحاته وآماله واهدافه للوصول الى المدينة الفاضلة والدولة الآمنة والحكومة الوطنية الفاعلة والمؤسسات الناجحة والانجازات والمشاريع العملاقة في ظل الايمان بدولة العلم والقانون وحرية الرأي والتعبير والمشاركة السياسية وانتخاب الاقدر والاجدر بعيداً عن لغة القوة والاستبداد وشراء الذمم والافراط في التبعية .
كل تلك العلوم والقيم والوسائل هي مفتاح الحل السحري للامن والاستقرار والسكينية والتداول السلمي للسلطة والتنمية والبناء والاعمار والازدهار وعيش جميع ابناء الوطن في سلام ووئام دائم ، بعيداً عن الانقلابات والثارات والاستقواء بالشرق والغرب .
وبالعقل والعلم والحكمة والمعرفة والاخلاق والعدالة والمساواة والقيادة الرشيدة التي تحترم انسانية الانسان نستطيع ان نغير المجتمع الى الافضل ونُحقق طموحاتنا وخططنا واستراتيجيتنا وقوتنا وعزتنا وكرامتنا، بدلاً عن الفقر والجوع والبطالة والظلم والعصبية والمذهبية والمناطقية والفساد ومراكز القوى العابثة والاقصاء والتهميش والجدل العقيم والخطابات الاستهلاكية واشعال الصراعات والحروب والبطولات والانتصارات الوهمية التي تقود الامة العربية الى المحرقة والبكاء على الاطلال.
فالعقل والمنطق والحقائق تؤكد ان القضية ليست تغيير الانظمة في اليمن وسوريا وليبيا والعراق والسودان وغيرها من الاقطار في الوطن العربي ، أو اسقاطه وازالته وتفكيكة واجتثاثة وملاحقته واغتيال كوادره ونهب مدخراته وتدمير منجزاته في ظل الاستبداد والعبودية وانما وجود ارادة حقيقية لقيادات وطنية شريفة تقود ثورة سلاحها العلم والحكمة وقاطرتها العدالة والمساواة وأفقها الحرية والشراكة الحقيقية من خلال تبني خطط ومناهج عصرية تؤمن بالتغيير الايجابي للمجتمع.
يقول الشاعر والمفكر السوري علي أحمد سعيد إسبر “أودنيس ” ، من منفاه في العاصمة الفرنسية باريس انه كان ضد النظام السوري ، وتساءل عن حقيقة التغيير الذي سيحدث في سوريا ، مستدركاً .. اولئك الذين حلوا محله ” الاسد” ماذا سيفعلون ؟ فالمسألة ليست تغيير النظام ، بل تغيير المجتمع ، مؤكداً على ان التغيير المطلوب هو تحرير المرأة وتأسيس المجتمع على الحقوق والحريات وعلى الانفتاح والاستقلال الداخلي.. واذا لم نغير المجتمع ، فلن نحقق شيئاً لان استبدال نظام بآخر هو مجرد أمر سطحي.
والحقيقة التي اراها شخصياً ان التغيير الحقيقي لا يقتصر على تحرير ” المرأة” ، لان المرأة ماهي الا جزء من عملية التغيير الشامل في المجتمع رغم انها النواة الاولى في الاسرة والشق الآخر المكمل للرجل في الحياة وبالعقل والتربية الحسنة والعلم النير وزرع حُب الوطن والناس في الابناء والوفاء بالواجبات والحقوق نكون امام مجتمع مثالي وبيئة صحية.
كنت قد كتبت منذ سنوات في صحيفة الثورة مقالة تحت عنوان ” غيروا هذا المجتمع” ومقالة اخرى انقذوا هذا المجتع، تعالج هذه المشكلة الضاربة في اليمن والوطن العربي ، لان الفقر والجوع والبطالة هي نتيجة طبيعية للاستبداد ، وان الطغاة مهما حققوا من انجازات متواضعة لاتساوي شيئاً أمام الجرائم الانسانية التي تُرتكب في كل سجون الوطن العربي العلنية والسرية دون استثناء في ذاكرة ووجدان الشعوب وما اليمن المجزأ والمشتت الا أحد العناوين في غياب القضاء العادل والمستقل وتقييد حريات الناس دون محاكمة وهدر الحقوق الدستورية والشرعية والقانونية..
أخيراً .. استبدال نظام دكتاتوري ومستبد ، بنظام دكتاتوري آخر أو اسقاطه و ترحيله وملاحقته لن يجدي نفعاً ولن يحل المشكلة وينهي دورة من دوائر العنف الثوري والثارات السياسية والاجتماعية ، لان الانقلابات والثورات والمظاهرات وان كانت تُعبر عن قضايا مصيرية ومظالم وحشية لكنها تعكس فرصة حقيقية لاستغلال دول اقليمية ودولية لتحقيق مطامعها بدعم قيادات انتهازية مؤدلجة تثق فيها الجماهير وما أن تصل الى كراسي الحكم تتحول الى ديكتاتوريات ثورية وأكثر استبداداً ونهباً للثروات في غياب المشروع الوطني الجامع والتغيير الايجابي للمجتمع الذي هو بمثابة الرقيب على الدولة والحكومة والتداول السلمي للسلطة في اطار العلم والثقافة والعدالة والحريات واحترام انسانية الانسان ، ولنا في الغرب الدليل الاكبر في تجسيد العدالة والمساواة وتعزيز الثقافة الوطنية ودور المواطن والناخب في اسقاط رئيس وتصعيد رئيس عبر الصندوق والاطاحة به عند اكتشاف اي فضيحة لان الشعوب المتعلمة حرة بينما في الوطن العربي ميته أو على الاقل فاقدة للضمير وفي غرفة العناية المركزة نتيجة لسياسة التجهيل وغياب التربية والرؤية الوطنية ومنظومة قيم العدالة والنزاهة والحرية.
*رئيس تحرير سام برس
shawish22@gmail>com