فؤاد البطاينة*
الصراع في الشرق الأوسط، تحول تدريجياً منذ سبعينيات القرن الفائت وقيام الثورة الإسلامية في يران وبعد استسلام الأنظمة العربية للأمرو صهيوني وانعزالها عن فلسطين والفلسطينيين وقضيتهم، تحول من صراع عربي – صهيوني على خلفية احتلال فلسطين، إلى صراع بين مشروعين. الإيراني من جهة، والإسرائيلي الصهيوني من جهة أخرى… وانخرط العرب على المستويين الرسمي والشعبي متوزعين بين هذين المشروعين. وتجاوزت مساحة هذا الصراع سياسيا إصطفافياً لتتخطى الشرق الأوسط إلى قوى العالم الفاعلة. والتعريف هنا للشرق الأوسط هو بالتحديد، الأراضي العربية، بدولها وشعوبها.
المشروعان، الإيراني كوريث مفترض للطرف العربي المنهزم وليس المهزوم، والصهيوني. قام كلاهما على أساس أو منطلق ديني، بعيدا عن الأسس المدنية والقوانين الوضعية والأعراف السائدة. مما يجعل هذا من هذا الصراع معقدا وعصيا على الحوار والتسوية السلمية. المشروع الصهيوني الديني، مكانه ومضمونه احتلال الأراضي العربية حسب النص التوراتي. وليس فلسطين إلّا البداية المنطقية له، ولكنه في الواقع مشروع استعماري غربي تجاوز الفكرة الإستعمارية الإحتلالية للوطن العربي إلى العالمية. بينما المشروع الإيراني مضمونه هو نصرة المذهب الديني الشيعي الإسلامي وتصدير قيم الثورة الإيرانية ورفض احتلال فلسطين. وحيث أن مكانه هو أيضاً المنطقة العربية ذات الأغلبية السنية، وزعامته غير عربية، وذات تاريخ امبراطوري في المنطقة (الفرس) كغيرها من امبراطوريات، فإن الفكرة الإستعمارية تلتصق بهذا المشروع حتى لو كان بريئاً أو كان على شكل خلافة إسلامية أو مرجعية إسلامية.
من هنا وفي غياب العرب أصحاب المنطقة، اعتَبرت “إسرائيل “صراعها مع إيران وجودياً ما دام مشروعها قائماً، بينما اعتبرت إيران صراعها مع “إسرائيل: كقوة غريبة في الإقليم ومنافسة لها في المنطقة. ومع مرور السنين، اعتمدت إيران استراتيجية المقاومة في صراعها مع الكيان واتخذت من احتلال فلسطين وأطماع أمريكا سبباً.في حين اعتمد الكيان على قوة أمريكا المفرطة والغاشمة والطاغية والمتفوقة بكل الحقول المؤهلة للإنتصار، وعلى مساعدة الغرب وأنظمة العرب العميلة. حيث ما تبع ذلك من تطبيع عربي هو في الواقع تحالف المستسلم. ولا بد من أن أجزم هنا بأن إيران حينما اتخذت من احتلال فلسطين عذراً ً لصراعها مع الكيان كانت صادقة من واقع العقيدة الإسلامية، ولكن من المنطق والطبيعي في ظل ما حدث مؤخراً أن تتحول أولويتها لحماية نفسها ومصلحتها القومية. ولا ننسى بهذا أن إيران هي التي ابتدأت المواجهة مع الصهيو أمريكي ومنذ اللحظة الأولى لثورتها، لكن أمريكا حاولت استيعابها وما زالت تحاول للآن.
والمحصلة الآن، انتصرت أمريكا لتاريخه وحُجّم حزب الله قيد نزع أسلحته سلماً أو حربا، واحتلت إسرائيل كل ما كان تحت سلطة الأسد في سوريا، وأصبحت هي صاحبة القرار السوري الرسمي بوكالة قيادة هيئة تحرير الشام ذات الجدين، القاعدة وداعش. فالشرعية الدولية لسورية كدولة هي الآن عملياً بيد الكيان، الذي دمَّر مقدرات سوريا العسكرية والإقتصادية والعلمية واستولى على أراضي المياه والمواقع الإستراتيجية كعمل استباقي. وهذا كله بانتظار ما سيقرره الأمرو صهيوني للتالي في سورية، والتي لن تشهد استقرارا قبل التهيئة للتالي السياسي على الأرض، بدءا بإخضاع بقية الفصائل لهيئة تحرير الشام وتحييد التأثير التركي. ولا بد من التأكيد هنا بأنه لو كانت إيران تمتلك قوة الردع النووي لما حصل ما حصل من تمزيق مادي للمحور.
ومن المتوقع أن يؤدي زوال خطر حزب الله على الكيان، إلى وضع إيران في مركز ضعيف أمامه وأمام أمريكا اللذان سيتشجعا في الاستقواء عليها وتهديدها لابتزاز ما يمكن. لا سيما الخروج من العراق وحكمه. وهذا الأمر سهلاً وجاهزاً بوجود عملائهم الفاسدين بالسلطة. فالعراق بوجود شعب تم تقسيمه نفسياً ووطنياً بتهميش مكونه السني بالنار والحديد والتهجير وبالمذابح الجماعية وخاصة في الفلوجة، سيكون جاهزا لطاعة الأمريكي الذي سيستند في هذه المرحلة على المكون السني. فتفتيت الجبهة الداخلية للعراق ما كان ليحدث لولا الأمريكي ونواياه ودستوره، وإحجام المرجعية الشيعية عن إصدار فتوى بعدم التعرض لإخوتهم في الوطن والعروبة والدين.
آتي لحالنا وأؤكد هنا بأن مأساة العرب وما تعانيه دولهم وشعوبهم وكياناتهم المدنية من هزيمة ودمار وذل وانهيار، لم ينبع من خيانات الأنظمة والتطبيع فهذا نتيجة، بل ينبع من اللحظة التي اعتبرت فيها هذه الأنظمة وشعوبها بأن فلسطين شأن فلسطيني، وليس قضية وجودية لها وتخصها كما تخص الفلسطيني تماماً، ولا احتسبت بأن ما يحصل في فلسطين سيرتد عليها دولاً وشعوباً. فلم يكن المطلوب أو الصحيح من دول وشعوب العرب أن تتوقف مسؤوليتها عند دعم القضية الفلسطينية كقضية شعب شقيق فحسب.
ولذلك، رسالتي لشعوبنا التي التزمت بالأقلمة المميتة أمام مشروع صهيوني مساحته وهدفه الوطن العربي، وأصبحت تتنافخ شرفاً ووطنية على ظهر القضية الفلسطينية دون أن تكون جزءا منها حتى اكتوت بنارها، وحتى يكون القادم أفضل لا أفظع، فإني أناشدها بالعودة للأصل ونقطة البداية فلسطين من خلال سلوكين:
ـ الأول: أن لا تسمح شعوبنا بتمرير صفقة القرن المزمعة. وذلك بالإنتفاض السلمي للضغط على حكامهم بما يزيد على ضغوطات الصهيو – امريكي على هؤلاء الحكام. فلا يأتي على الرطل إلّا الرطلين. ففلسطين هي مركز النصر أو الهزيمة للأمة، ومحك الصدق مع الله والوفاء للعهد معه جلت قدرته، ومحك الصدق مع النفس ولإنسان والوطن .
ـ الثاني: شعوبنا مطالبة، ولو من باب وحدة الجلد والجلاد أو التكفير عما سلف، أن تقاطع متابعة كل الأحداث الموضوعة أمامها والتي ستوضع غداً من الإعلام المتصهين لإلهائه، وأن تولي وجهها شطر الحدث الأساس في فلسطين بعينيها وقلبها وعقلها، وتُقدم لها كل ما تستطيع من كلمة أو عمل يصب في صالح مقاومتها وشعبها. كشعب امتحنه الله جلت حكمته، وما زال صابرا صامدا مجاهداً لا يقبل لاستسلام حفاظاً على وعده مع لله، وكرامة الإنسان والوطن. وأملنا بقدر الله أن تخرج ومضة النور والنصر والخلاص من فلسطين. ولا ننسى في هذا اليمن في تراثنا العربي والإسلامي وحاضرنا الهزء الذي لم يتلوث به اليمانيون. ولله الموفق والمنجى وليس التبرع بالإستسلام .
*كاتب اردني