السبت , مارس 22 2025
الرئيسية / اراء / الفصل الأخير من مشروع الشرق الأوسط الكبير!

الفصل الأخير من مشروع الشرق الأوسط الكبير!

فوزي مهنا*
هل تَصدُق نبوءة مدير الاستخبارات الفرنسية “برنار باجوليه” بأن “الشرق الأوسط الذي نعرفه انتهى إلى غير رجعة».(صحيفة الشرق الأوسط، 1 يناير 2016)، وكذلك نبوءة “مايكل هايدن” مدير وكالة الأمن القومي الأمريكي السابق “بأن العراق وسوريا خرجتا من الخريطة وأن الحرب هي داخل الإسلام..”.
قبل ساعات معدودات من بدء عملية ردع العدوان التي قامت بها الفصائل العسكرية بقيادة جبهة تحرير الشام، في يوم 27 نوفمبر/تشرين الثاني 2024 كانت الطائرات الروسية وطائرات النظام المخلوع تقصف هؤلاء الإرهابيون في إدلب، وفقاً لما تم تسميتهم من قبل النظام وروسيا والدول الغربية والولايات المتحدة، في حين كان جيش النظام بكامل أسلحته ومعداته، ومراكز أجهزته الأمنية يطبقون حصارهم على إدلب، أما إيران والتي لديها وفقاً لمركز جسور للدراسات (52) قاعدة عسكرية، إلى جانب (477) نقطة، موزعة على (27) موقعاً في إدلب و(117) في حلب، و(67) في حمص، و(28) في حماة، و(17) في اللاذقية، و(9) في طرطوس و(109) بريف دمشق، و(7) في دمشق.. الخ (صحيفة الشرق الأوسط، 22 يوليو 2024).
لكن فجأةً وما أن انطلقت هذه الفصائل بطريقها إلى دمشق، حتى توقفت الطائرات الروسية عن الإقلاع! واختفت معها بقدرة قادر، كل المظاهر العسكرية المسلحة من قوات عسكرية وأمنية تابعة للنظام إلى قوات الحرس الثوري الإيرانية وميليشياتها الطائفية المسلحة.
أما الأغرب من كل ذلك فهو ما أن وصلت هذه الفصائل المدرجة على قوائم الإرهاب، في كلٍ من أمريكا والدول الأوروبية، للعاصمة دمشق، حتى تقاطر مسؤولو تلك الدول لمقابلة قائد هذه العملية، وليس انتهاءً بزيارة نائب وزير الخارجية الروسي “ميخائيل بوغدانوف” واستقباله بالأحضان، على الرغم مما قامت به روسيا من تنكيل بالشعب السوري وإطالة أمد محنته، خلال العشرية السوداء الماضية، من خلال تحكمها بالسوريين وزيادة مآسيهم، باللجوء لاستخدام حق النقض الفيتو (13) مرة، لحماية الأسد من السقوط.
كل ذلك يؤكد، حقيقة الاتفاق المبرم بين كل من تركيا وروسيا، وفقاً لما كشف عنه الخبير العسكري “جورج متى” من أن اتفاقاً من صفحتين، أبرم بين الجانبين، تقوم روسيا بموجبه بضمان مغادرة الأسد وعدم مقاومة أجهزته العسكرية والأمنية، بالمقابل تقوم تركيا بضمان بقاء القاعدتين العسكريتين الروسيتين في الساحل السوري.
يقول الباحث التونسي “الصافي سعيد” بكتابه (جيـوبـوليتيـك الدم الصادر عام 2017، ص29) أنه من رحم الصدع الأم (اليهودي ـ الإسلامي) ولدت كل الصدوعات الأخرى، سواء الحرب العراقية، أو الحرب بين الشيعة والسنة، إلى احتلال الكويت 1991، ولن تكون الحرب السعودية اليمنية هي الصدع الأخير في العالم العربي، لتستمر هذه التصدعات كما تنبأ سعيد الواحدة بعد الأخرى.
لذلك فإن السؤال الذي يطرح نفسه هنا، وهل لهذا الاتفاق أن يتم دون موافقة كل من إسرائيل وأمريكا؟ أصحاب ذلك الرحم، بالوقت الذي كشفت فيه روسيا عن أن تدخلها في عام 2015 لم يكن لحماية الأسد من السقوط والعمل على إجهاض تطلعات الشعب السوري ببناء دولته الديمقراطية المدنية فحسب، وإنما الهدف الأساس حماية إسرائيل، اتضح ذلك من خلال الهجمات المتواصلة التي قامت بها إسرائيل على مدار السنوات الماضية في الأراضي السورية، والتدمير الشامل الذي لحق بسلاح الجيش السوري وكافة أنظمته العسكرية، دون أن تحرك روسيا ساكناً.
ثم ما الذي تريده كل من الولايات المتحدة وإسرائيل مما يجري في سورية اليوم؟ وللإجابة على ذلك يكفي التذكير بما طرحه وكتبه غلاة المحافظين الجدد في البلدين، على رأسهم المستشرق الصهيوني “برنارد لويس” والذي يصفه “مايكل هيرتش” رئيس تحرير مجلة نيوزويك بأنه “كان عنصراً رئيسياً في اللوبي الأمريكي وأنه هو من ابتكر مقولات: صراع الحضارات، والإرهاب الإسلامي، وبلور استراتيجية الصقور الداعمة لإسرائيل، الداعية لإعادة احتلال الأقطار العربية والإسلامية واستعمارها، بذلك فإن لويس يعتبر المرجع الفكري الأول للإدارات الأمريكية حيال هذه المنطقة، فضلاً عن أنه صاحب النظرية التي تتبناها واشنطن القائلة بأن “الطريق إلى الديمقراطية في الشرق الأوسط لا بد أن تمر عبر التقسيم، لوحدات عشائرية وطائفية، من خلال تضييق الخناق على هذه الشعوب ومحاصرتها واستثمار التناقضات العرقية والعصبيات القبلية والطائفية فيها، مع التأكيد على أنه يجب أن يكون شعار أمريكا : “إما أن نضعهم تحت سيادتنا، أو ندعهم ليدمروا حضارتنا “.
أما “توماس فريدمان” والذي يرى أن الشرق الأوسط عبارة عن غابة مليئة بالدبابير، فيميز بين نوعين من الدول فيه «بلدان حقيقية» ذات تاريخ طويل على أرضها وهويات قومية قوية، مثل مصر، وتونس، والمغرب، وإيران، ودول يمكن تسميتها «قبائل لها أعلام»، أو دول مصنوعة حدودها، رسمها الاستعمار وحصرت داخلها أعدادا هائلة من القبائل والطوائف التي لم تختر العيش معاً، ولم تنصهر بالكامل ضمن أسرة موحدة من المواطنين، منها سورية والعراق والأردن وليبيا والسعودية والبحرين واليمن والكويت وقطر والإمارات العربية.(صحيفة الشروق توماس فريدمان، قبائل لها أعلام، 28 مارس 2011)
يكفي أن نتذكّر ما نشرته جريدة الحياة اللندنية، من أن خريطة مخطط تقسيم المنطقة موجودة بالكونجرس الأمريكي منذ عام 2004، حين قام بتسلمها من الرئيس الإسرائيلي السابق شمعون بيريز ، موضحاً فيها أن التقسيم يرمى لإنشاء (73) دولة من خلال استغلال الجماعات الإسلامية المتطرفة، لإحداث فتنة طائفية بالمنطقة.(د. عاصم الدسوقى، اليوم السابع، 01 نوفمبر 2017) وهو ما سبق لابن غوريون أن ركز عليه بقوله: “ليست القنبلة النووية هي التي تحمي إسرائيل وإنما الحرب الأهلية العربية هي التي ستجعل من إسرائيل دولة قوية ومهابة” (مذكرات بن غوريون، صدرت بالفرنسية عن دار لوساي 1985)، إسرائيل حققت نبوءة بن غوريون عام 1955 حين طلب تدمير ثلاثة جيوش عربية على الترتيب هي العراق وسوريا ومصر، وأن نجاحها في تدمير الجيش السوري خلال 48 ساعة بعدما ظل لعقود معبراً عن جبهة الرفض والصمود والتصدي والممانعة، سيكون له تأثير ملموس في الأمن القومي العربي كله.
وهو بالواقع ما توصلت إليه دراسة حديثة بعنوان: “حقبة جديدة في سورية: الرابحون والخاسرون والتداعيات على إسرائيل” الصادرة عن معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي، بأن على “إسرائيل، أن تدعم النهوض بمبادرة دولية تقودها الولايات المتحدة لإنشاء لجنة رباعية، تضم تركيا وروسيا وإسرائيل، بهدف تحقيق الاستقرار للحكومة الجديدة في دمشق، مع ضمان حماية الأقليات، بموجبه ستكون الولايات المتحدة مسؤولة عن الأكراد، وإسرائيل عن الدروز، وروسيا عن العلويين، وتركيا عن الجماعات السنية”. (مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، 15-1-2025).
ختاماً هل غيّر الغرب في قواعد اللعبة؟ اتجاه الإسلام السياسي؟ والذي لطالما تعامل معه كعدو، يجب عدم السماح له بالوصول للحكم، باعتبار أن الإسلام هو العدو رقم واحد، الذي يمثل الخطر الحقيقي على الحضارة الغربية، وفقا لصمويل هنتغنتو، بكتابه صراع الحضارات، لذلك عمل الغرب على إجهاض النتائج التي حققها الاسلاميون عبر صناديق الانتخابات، كما في الجزائر عام 1991، وحماس 2006، فالإخوان في مصر 2013، ثم حركة النهضة في تونس 2014.
وعليه فإن تمكين الفصائل المسلحة ذات الخلفية الإسلامية المتطرفة من الوصول إلى دمشق، خلال أيام معدودات، خلافاً للتعامل الغربي مع الإسلام السياسي، إلى جانب تصريحات الرئيس الأمريكي ترامب، بتهجير الفلسطينيين ومطالباته المتكررة لكل من مصر والأردن باستقبالهم اليوم، أو اللجوء للعنف، سوى تنفيذاً للفصل الأخير من مشروع الشرق الأوسط الكبير.
*كاتب ومحامي سوري

عن اليمن الحر الاخباري

شاهد أيضاً

لا زالت الحرائق مشتعلة في المنطقة!!

  د. ادريس هاني* لا زال الحريق يلتهم المنطقة، وسيجد الرأي العام نفسه في حيرة …