د.الياس عاقلة*
لقد قيل “في السياسة وفي الحروب ، لا يحدث شيء بالصدفة ، وعندما تُطبق سياسة معينة أو تنشب حرب ، فمن المؤكد أنه كان مخططاً لها بهذه الطريقة.” وهذا ينطبق على المقاومة الفلسطينية في غزة في السابع من اكتوبر، وعلى حرب التدمير والإبادة التي اقترفتها إسرائيل بالشراكة مع الإدارة الأميركية وبعض الحكومات الأوروبية والعربية .
قطاع غزة بالكامل قطعة أرض صغيرة الحجم تمتد على ساحل البحر الأبيض المتوسط ولا تتجاوز مساحتها 360 متراً مربعا . تراقب طائرات الدرون الإسرائيلية هذه البقعة الصغيرة طوال 24 ساعة في اليوم . كل ما يحدث في غزة مكشوف لإسرائيل . كل التدريبات العسكرية التي كانت تقوم بها كتائب حماس قبل السابع من اكتوبر كانت مكشوفة للطائرات الإسرائيلية ، وكانت تُنقل الى قيادة الجيش العسكري حيث يتم دراسة هذه التمارين ومناوراتها وأهدافها .
من السذاجة أن نصدق تحجج “نتنياهو” للإسرائيليين أن قيادة جيشه لم تتوقع هجوم اكتوبر وأنهم لم يكونوا على استعداد له ، خاصة أن المراقبين العسكريين على حدود غزة قد أرسلوا عدة رسائل تحذيرية لقادة الجيش كما صرحت المجندات الإسرائيليات اللواتي تم إطلاق سراحهم أثناء اجتماعهن مع رئيس أركان الجيش الإسرائيلي “هرتزي هاليفي” يلومونه على إهمال تحذيراتهم لقيادة الجيش مما أدى الى وقوعهن في الأسر .
في الواقع كانت القيادة الإسرائيلية ، بالتعاون مع إدارة الرئيس الأميركي السابق “بايدن” ، تنتظر وتسهل هجوماً لحماس وتستعد له لتنفيذ خطتهم لتدمير القطاع بالكامل ولقتل وتهجير أكبر قدر ممكن من سكانه تحت حجج الدفاع عن النفس ومنع تعرض الإسرائيليين الى هولوكوست جديد حيث قامت جميع وسائل الإعلام الإسرائيلية والغربية بحملاتٍ شرسةٍ ملقبة المقاومة الفلسطينية بالإرهاب . واشترك في هذه الحملات الدعائية الكاذبة زعماء أوروبا وجميع أفراد الإدارة الأميركية .
وعلى الفور وبدون تأخير سارع الرئيس الأميركي “بايدن” بإرسال أعتى القنابل الأميركية لتدمير وحرق كل بناءٍ ومؤسسةٍ في غزة ومساواتها بالأرض ، وشاركه في ذلك حكومات أوروبا خاصة بريطانيا وألمانيا وفرنسا .
يجب أن ندرك أن خطة تدمير غزة وإبادة وتهجير سكانها – وكذلك تدمير المخيمات والمدن الفلسطينية في الضفة الغربية وقتل وتهجير سكانها – عبارة عن جزءٌ صغير من خطة شاملة لتدمير كل الدول العربية في منطقة الشرق الأوسط ، وإبادة وتهجير كل العرب من أجل أن يسيطر الغرب على هذه المنطقة الأكثر إستراتيجيا في العالم كله . وقد نادى بهذه الخطة رئيس وزراء بريطانيا “هنري كامبل بانرمان” في مؤتمره الشهير باسمه “موتمر كامبل بانرمان” عام 1907 بالإشتراك مع وفود من سبع دول أوروبية حيث قرروا زرع كيان إرهابي غريب (إسرائيل) في فلسطين كنواةٍ مبدئية من أجل السيطرة على العالم العربي .
وبعد الحرب العالمية الثانية تولت الإدارات الأميركية مهمة استكمال خطة “بانرمان” الإبادية ، فخرج علينا مثلاً “هنري كيسنجر” ، عندما كان وزير الخارجية الأميركية ، بحملات الحرب على الإرهاب فقامت أميركا بتدمير واحتلال العراق سنة 2003 ، ثم جائنا مستشار الأمن القومي آنذاك “زبيغنيو برجينسكي” بمخططات “الثورة الخلاقة” و”ثورات الربيع العربي” ، وحديثاً برز علينا الرئيس الأميركي السابق “جو بايدن” ، الذي تفاخر بأنه صهيوني متحمس ، مهدياً إسرائيل أكثر من 70 ألف طن من المتفجرات والقنابل لتدمير غزة وإبادة سكانها .
وأخيراً برز علينا الحالم الخيالي “دونالد ترامب” بخطة تهجير كل عرب غزة آمراً الأردن ومصر باستقبالهم لأنه يريد أن يسيطر على غزة لكي يستثمر هو وصهره اليهودي الصهيوني “جاريد كوشنر” ساحل غزة الجميل ببناء منتجعاتٍ وفنادق وكازينوهات قمار ودعارة .
كل جرائم التدمير ومجازر الإبادة التي تقترفها إسرائيل بدعم أميركي وأوروبي وتقاعس المؤسسات الدولية تم عرضها على جميع وسائل التواصل الإجتماعي والإعلام – بعضها قصداً إسرائيلياً – لإرهاب الفلسطينيين والعرب . وبينما خرجت جماهير العالم احتجاجاً ورفضاً لهذه الجرائم ، للأسف الكبير لم يقم الزعماء العرب بأي عملٍ لوقف هذه الإبادة ولحماية عرب فلسطين، بل عدى عن صمتهم الظالم والإجرامي قام بعضهم بتقديم العون العسكري والاقتصادي لإسرائيل
الزعماء العرب لا يهتمون بقضية فلسطين ، قضية كل العرب ، فهم على استعداد بالتضحية بكل فلسطين إذا كان هذا يحمي عروشهم وممالكهم . لذلك نراهم يتأخرون بإقامة مؤتمرات لمواجهة أوامر “ترامب” بالتهجير العاجل لعل الأمر ينتهي قبل اجتماعهم ، ويكتفون بالإعلان عن رفضهم للتهجير والمناداة بحل الدولتين غير القابل للتطبيق مما يعني قبولهم بالاحتلال الإسرائيلي وإنهاء حق العودة ، وحتى أن بعضهم لا يرى حلاً آخر غير التهجير .
*كاتب فلسطيني
