الخميس , مارس 20 2025
الرئيسية / اراء / فاعلية التوافق الروسي – الأميركي!

فاعلية التوافق الروسي – الأميركي!

د. سماهر الخطيب*
شهدت سوريا في الأيام الأخيرة أسوء اندلاع للعنف منذ الإطاحة الرئيس السابق بشار الأسد في أواخر العام الماضي، حيث نفذت قوات الأمن العام وإدارة الجيش السوري عمليات أمنية موسعة بذريعة ملاحقة فلول النظام، وذلك بعد استهدافهم لمواقع أمنية وعسكرية تابعة لوزارتي الدفاع والداخلية في الحكومة الحالية.
وأعلن المتحدث باسم وزارة الدفاع السورية، العقيد حسن عبد الغني، انتهاء العملية العسكرية في الساحل، وأكد أنه تم “احتواء هجمات فلول النظام السابق وضباطه، وإبعادهم عن المراكز الحيوية، وتأمين معظم الطرقات العامة”. وذلك وفق لم أفادت به وكالة الأنباء الرسمية “سانا”..
غير أن استعادة السيطرة التي تحدث عنها عبد الغني قد رافقتها انتهاكات جسيمة ترقى إلى جرائم التطهير العرقي وجرائم ضد الإنسانية من قبل مسلحين موالين للحكومة السورية الحالية، حيث تم تنفيذ عمليات تصفية بحق مدنيين، بما في ذلك نساء وأطفال وشيوخ، ولا سيما من الأقلية العلوية التي ينتمي إليها الرئيس المخلوع بشار الأسد، ليواجه العلويون عقاب جماعي تحت ذريعة انتمائهم لطائفة الرئيس السابق كما لم تسلم الأقلية المسيحية من تلك العمليات في مشهدية تعكس الخلفية الإيديولوجية المتطرفة التي ينتمي إليها المسلحين الموالين للحكومة الحالية وخاصة أولئك الذين يطلق عليهم فصائل العمشات والحمزات وغيرهم من المقاتلين الأجانب المعبئين إيديولوجياً ضدّ الأقليات الدينية.
ومنذ بدء التصعيد، نشر مقاتلون وناشطون مقاطع فيديو تُظهر عمليات إطلاق نار مباشر على أشخاص عُزل يرتدون ملابس مدنية، بالإضافة إلى مقاطع تُظهر العشرات من الجثث بملابس مدنية مكدسة بالقرب من بعضها البعض على الأرض، وحرق للمنازل، وما رافق تلك المشاهد من تجييش طائفي من قبل مرتكبي الجرائم يقولون بتصفية العلويين والتطهير العرقي لهم، ناهيك عن محاولات التجييش الذي رأيناها من قبل مؤثرين على مواقع التواصل الاجتماعي وفي الشارع السوري ودعوات النفير العام والجهاد ضدّ الطائفة العلوية.. مما دفع مجموعات من الأقليات العلوية إلى المطالبة بتوفير الحماية الدولية لمدن الساحل السوري، وسط أنباء عن تبني روسيا لهذا الطلب الذي قدمته لمجلس الأمن الدولي خلال الجلسة المغلقة بطلب أمريكا وروسيا.
ووفقًا لتقارير المرصد السوري لحقوق الإنسان، دفعت الاشتباكات الدامية آلافًا من أبناء الطائفة العلوية إلى اللجوء إلى قاعدة حميميم الروسية، هربًا من التصفية العرقية، وقد أكد المرصد أن حصيلة القتلى الناتجة عن أعمال العنف في منطقة الساحل السوري منذ السادس من مارس قد بلغت 1500 شخصًا كحصيلة أولية ومن الممكن أن تتصاعد مع تكشف العديد من المقابر الجماعية..
فيما وصف وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف الأحداث الأمنية الذي شهدتها منطقة الساحل السوري بأنها “غير مقبولة”، مطالبا السلطات السورية بضمان مشاركة جميع مكونات المجتمع في العملية السياسية، ومن ناحية الأخرى، صرح المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف بأن روسيا تأمل في رؤية سوريا دولة موحدة ومزدهرة ومتطورة وصديقة، كما أعربت المتحدثة باسم وزارة الخارجية، ماريا زاخاروفا عن أملها في أن تسهم جميع الدول الفاعلة في تسوية الوضع في سوريا، وأبدت موسكو استعدادها للتنسيق الوثيق مع الشركاء الدوليين من أجل خفض التصعيد.
وكذلك أدانت الولايات المتحدة الجرائم المرتكبة ضد الأقليات السورية من قبل الإرهابيين المتطرفين، بما في ذلك الجهاديين الأجانب، الذين قتلوا الناس في غرب سوريا في الأيام الأخيرة، معربة عن وقوفها إلى جانب تلك الأقليات الدينية والعرقية في سوريا، بما في ذلك المجتمعات المسيحية والدرزية والعلوية والأكراد، مطالبة السلطات المؤقتة في سوريا محاسبة مرتكبي هذه المجازر ضد الأقليات في سوريا.
وكانت ألمانيا قد أعربت هي الأخرى عن صدمتها إزاء التقارير عن حصول عمليات قتل جماعي في الساحل السوري، مطالبة الحكومة الانتقالية في سوريا بالتحقيق في الحوادث ومحاسبة المسؤولين عنها، كما حملتها مسؤولية منع وقوع مزيد من الهجمات. كما نددت فرنسا بأكبر قدر من الحزم، بالتجاوزات التي طالت مدنيين على خلفية طائفية وسجناء في سوريا، داعية السلطات السورية الانتقالية إلى ضمان إجراء تحقيقات مستقلة تكشف كامل (ملابسات) هذه الجرائم، وإدانة مرتكبيها.
في الأثناء، أصدر مجلس الأمن بياناً رئاسياً تمّ تبنيه بعد توافق أميركي – روسي، دان بشكل واضح الجرائم التي شهدها الساحل، وطالب بمحاسبة مرتكبيها، كما حذّر من خطر انتشار الإرهاب والمقاتلين الأجانب في سوريا..
وجاء هذا البيان على وقع المجازر المستمرة في الساحل السوري، على الرغم من إعلان وزارة الدفاع توقف عملياتها العسكرية هناك، والطلب من الفصائل الانسحاب من المناطق الساحلية تمهيداً لدخول “لجنة التحقيق” التي شكّلها الرئيس السوري في المرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، ويعكس هذا البيان توافقاً نادراً بين الولايات المتحدة وروسيا حول إدانة تلك المجازر.
كما دعا مجلس الأمن السلطات المؤقتة إلى حماية جميع السوريين بغض النظر عن العرق أو الدين وأشار المجلس إلى قراره رقم 2254 الصادر عام 2015، وبيانه الصحفي الصادر في السابع عشر من كانون الأول/ديسمبر 2024، وجدد التأكيد على التزامه القوي بسيادة واستقلال ووحدة سوريا وسلامة أراضيها، داعياً كل الدول إلى احترام هذه المبادئ والامتناع عن أي عمل أو تدخل قد يزيد زعزعة استقرار سوريا، مشدداً على الحاجة والإلحاح لإجراء عمليات عدالة ومصالحة جامعة وشفافة من أجل المستقبل المستدام في سوريا، منوهاً إلى ضرورة تطبيق عملية سياسية بقيادة وملكية سورية، تيسرها الأمم المتحدة، تقوم على المبادئ الرئيسية للقرار 2254.
كما طالب الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، بمحاسبة المسؤولين عن أعمال العـنف والانتهاكات التي شهدتها سوريا مؤخراً، داعياً إلى إجراء تحقيق مستقل ونزيه وموثوق، مؤكداً استعداد الأمم المتحدة للعمل جنباً إلى جنب مع الشعب السوري لدعم عملية انتقال سياسي تفضي إلى مستقبل أكثر استقراراً وعدالة.
وفي محاولة من الشرع أو “الجولاني” لاحتواء الوضع الراهن، أعلن عن تأسيس لجنة تحقيق تهدف إلى الكشف عن الأسباب والملابسات التي أدت إلى وقوع تلك الأحداث، والتحقيق في الانتهاكات التي تعرض لها المدنيون، وتحديد المسؤولين عنها.
ويبدو أن أحمد الشرع يسعى إلى ضبط الأمور، لكنه فقد الكثير من شرعيتها في عيون الأقليات، كما فقد الثقة التي منحت له في صباح الثامن من ديسمبر 2024، خاصة وأن ملاحقة فلول النظام لا تبرر الممارسات الوحشية والهمجية التي حصلت تجاه الأقليات، ناهيك عن فقدانه السيطرة على بعض الميليشيات التابعة للجيش السوري، لاسيما وأن هذه الميليشيات كانت سابقًا تتسم بالتطرف والتشدد.
وهنا لابد من الاستفادة من التوافق النادر بين الروسي والأميركي وضرورة زيادة التعاون الروسي – السوري، بهدف تحقيق الاستقرار في مناطق الساحل السوري، ومحاسبة المتورطين في هذه المجازر، الأمر الذي سيسهم في زيادة الاستقرار في سوريا، خصوصاً وأن العلاقات بين الإدارة الجديدة والحكومة الروسية شهدت تحسنًا كبيرًا في الفترة الأخيرة، حيث أبدت موسكو استعدادها لدعم الإدارة السورية الجديدة، مع الاستمرار في بناء التعاون الثنائي المتعدد الأوجه على أساس مبادئ الصداقة التقليدية والاحترام المتبادل.
وكذلك زيادة التعاون الأميركي – السوري في الوقت الذي عادت فيه “قوات سوريا الديمقراطية” لتتصدر المشهد في سوريا، وذلك بعد الاتفاق التاريخي الذي وقّعه الرئيس السوري أحمد الشرع، وقائد قوات “قسد” مظلوم عبدي، والذي نصّ على دمج المؤسسات في شمال شرق سوريا تحت إدارة الدولة، بما في ذلك المعابر الحدودية والمطار وحقول النفط والغاز، وإعادة النظر في الإعلان الدستوري الذي تم إصداره مؤخراً من قبل الإدارة الحالية في دمشق والانتقادات التي وجهت إليه تحديداً من الإدارة الذاتية في الشمال باعتبار أن الاتفاق أتى في وقت حاسم، كونه يشكّل ضربة لكل المشاريع الانفصالية في سوريا، التي تقف وراءها قوى خارجية، إسرائيل وتركيا، ويُعتبر هذا الأمر ضروريًا من أجل وحدة سوريا والشعب السوري، ويأمل غالبية السوريين في نجاح الاتفاق، وأن تنعكس تداعياته الإيجابية على إبرام توافقات أخرى مع القوى الفاعلة في الجنوب السوري.
إلا أن الاتفاق قد يواجه بعض العوائق المحتملة، وأبرزها وجود تيار داخل قوات “قسد” موالٍ لحزب العمال الكردستاني، بالإضافة إلى قيام هذه التيارات بتفريق المظاهرات الشعبية التي خرجت في محافظة الحسكة عقب إعلان الاتفاق دعماً له، حيث تم إنزال العلم السوري من إحدى الساحات الرئيسية، كما نظم مظاهرات في 11 مارس/آذار الجاري للتنديد بالانتهاكات التي وقعت في الساحل السوري.
وهذا ما يزيد من احتمالية حدوث مواجهات جديدة بين الجماعات الكردية والأمن العام السوري، مما يُعتبر اختبارًا كبيرًا للحكومة السورية في جهودها لضبط الأوضاع الأمنية ومنع وقوع مزيد من الضحايا.. وهذا الأمر يمكن لروسيا أن تمنع حدوثه وتكرار ما حدث في الساحل السوري، خاصة وأنها استطاعت سابقًا من خلال الشرطة العسكرية الروسية أن تلعب دورًا مهمًا في تعزيز الاستقرار والأمن في عدة مناطق سورية، قبل انهيار نظام الأسد..
وبما الجلسة الأخيرة لمجلس الأمن حصلت بتوافق أميركي- روسي نادر التحقق، ولطالما كانت القوتين على طرفي نقيض في مقاربة القضايا الدولية الكبرى، ليبدو واضحاً بأن الرئيس الأميركي دونالد ترامب الى البيت الابيض، يعمل على فتح صفحة تعاون وشراكة مع الكرملين، وهذا التعاون ظهر في ملف الأزمة الروسية الأوكرانية، وكذلك في الملف النووي الايراني، ويبدو بأن آخر تجليات التعاون والشراكة لن تكون في سورية فقط، على اعتبار أن التقارب الأميركي – الروسي سيسهل الوصول إلى تسويات وتفاهمات خاصة لواقع الشرق الأوسط الملتهب. كما أن كلاً من ترامب وبوتين يعلمان جيداً بأن وقوفها إلى جانب بعضهما وتقاسم المصالح والنفوذ معاً سيكون أفضل من الوقوف بوجه بعضهما البعض فحينها ستكون رد فعل كليهما، تعقيد الحلول ووضع العصي في الدواليب وخاصة أن ترامب يريد لإدارته الجديدة والأخيرة أن تدخل التاريخ في إنجازات لم يستطيع أسلافه تحقيقها..
في المحصلة من الواضح بأن كل المؤشرات تدل على أن المنطقة ذاهبة نحو حقبة جديدة، بتوافق أميركي – روسي وستتبلور هذه الحقبة الجديدة في الساحة السورية وكذلك الأوكرانية..
*كاتبه وأكاديمية سورية

عن اليمن الحر الاخباري

شاهد أيضاً

الصمت الروسي غير المفهوم!!

بسام ابو شريف* نقول بصراحة للصديق والرفيق بوتين ان الامور في الشرق الاوسط لا تسير …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *