الخميس , مارس 20 2025
الرئيسية / اراء / سوريا.. أين شعار صمتكم يقتلنا؟

سوريا.. أين شعار صمتكم يقتلنا؟

 

د. ادريس هاني*
تتكرر لازمة “بعيدا عن العواطف والانفعالات” كلّما أردنا الإلتفاف على الحقائق والوقائع والمبادئ، وما أسهلها من مغالطة عند التحاجج والعناد الذي يركن إلى أسوأ العواطف والانفعالات. فأن تكون عواطفك ميتة تجاه ما يجري من جرائم ضدّ النوع، فهذا ليس من الموضوعية في شيء، بل استعداد فطري للجريمة وانضمام لفعلها بالموقف، ومن هنا جرّمت كل القوانين والأعراف من ساهم في إخفاء الجريمة وتجريم عدم التبليغ. وها هو الإعلام بات صموتا. وحتى سنوات من قبل، رفع المحتجون شعار: صمتكم يقتلنا. لم إذن انقلبت الصورة، وبات التطبيع مع القاعدة حكمة العشرية الجديدة؟
يبدو لي أنّ استغلال شعار الإنسانية خلال العشرية الفارطة لم تكن لتظهر حقيقته علانية إلاّ بعد تحقيق أهداف هذا الاستعمال. فالإرهاب دخل في خدمة الإمبريالية، فبات له من وسائل التمكين ما جعل كل العالم يبتلع لسانه أمام أكبر جريمة كاملة الأركان ضدّ الشعب السوري في الساحل.
ad
أعود إلى اللازمة المغالطة: بعيدا عن العواطف والانفعالات. يكاد يصور أصحاب هذه اللازمة أنفسهم في برج عاجي من الحكمة والمعرفة، في جهل مدقع بأنّ منطق الاجتماع البشري يقتضي قوة غضبية كي يرسوا على ميثاق للسلام والعيش المشترك. وبأنّ العهد الدولي لحقوق الإنسان جعل حق الحياة في مقدّمة الحقوق على الإطلاق. لماذا أصبحنا مطالبين بالابتعاد عن العاطفة والانفعال فقط حينما أصبح الساحل يجري بدماء شعب أعزل، ولماذا لم تحضر اللازمة نفسها أيّام كان الغرض هو الإطاحة ببلد بالغوا في شيطنته حدّ الإسفاف؟ لماذا تحضر “العقلانية” المغشوشة لدى بعض “المحللين السياسيين” في الوقت بدل الضّائع بعد خراب العمران فقط؟ لماذا تظهر فقط حينما تنفضح جريمة من راهنوا عليهم في تصفية حساب مزمن مع بلد أزعجتهم مواقفه السيادية في بيئة إقليمية مندحرة فاقدة لقرارها السيادي؟
من يثق في كل هؤلاء بعد اليوم حين يرفعون شعارات من جنس الشعارات التي احتالوا بها على الرأي العام، بينما كانت تحركهم الإنتهازية؟
لقد سعينا منذ سنوات قدر الوسع لكي نستشرف كلّ هذا الوضع المزري الذي كان ينتظر سوريا، حيث أدركنا منذ البداية أنّ لعبة الأمم حاضرة هذه المرة بنمط مركب وجديد وفيه الكثير من المسرح، واللاّعبون مدرّبون على أكاذيب الثورجية، لأنّه في نهاية المطاف لا يمكن مناهضة ثورة إلاّ بالثورجية، ولكن الأمور ذهبت باتجاه جعل حرافيش الفكر السياسي والاستراتيجي يرقصون رقصة المطر، وكأنّهم ظفروا ببلد لن تسمح لهم قوى النفوذ الدولي والإقليمي بأن ينفردوا بنتفة من هذه الأرض السليبة التي تداعى عليها وحوش الأرض. غير أنّ مكر التاريخ لم يمهل كثيرا، ليظهر، ليس فقط توحّش من لبسوا ربطة العنق في مسرح السجون، بل أظهرت ازدواجية الخطاب، وكشفت عن لا إنسانية كل من أذرف دموع التماسيح على شعب هو اليوم بات رهينة في يد الإرهاب الملوّن وبين فكّ الاحتلال.
ad
مذبحة الساحل رسمت خطوط الصدع واللاّعودة، كيف يستقيم حكم بعد كل هذه المحرقة؟ وبالفعل، لقد نجح الإرهاب في تعزيز الفوضى، في إشغال الرأي العام عمّا يجري من مخططات إمبريالية في المنطقة، في التغطية على جرائم الاحتلال نفسه، والتخفيف من صورته النمطية التي أظهرتها الحرب على غزّة. لقد قدّم الإرهابيون هدية لا تقدر بثمن للاحتلال، حتى لا يبقى الاحتلال يتصدر صورة الإجرام في حقّ الشعب الفلسطيني الأعزل.
وتبدو أيضا المفارقة بالغة الاستخفاف بالعقل السياسي العربي. فمن الناحية الإنسانية، اختفت فجأة كلّ السرديات الإنسانوية الخادعة كما ذكرنا، فكان صمت أهل القبور إزاء ما يحدث من إبادة في الساحل، فضيحة لكل من انخرط في لعبة شيطنة سوريا، للتمهيد لتفكيك وهتك نسيجها الاجتماعي. لم تكن شعارات الدفاع عن الإنسان في سوريا سوى خدعة تمثّلها أكبر وحوش الأرض، وكانت بمثابة مصاحف رُفعت في معركة جبانة. لا أحد من خصوم سوريا بالأمس كان يحمل مشاعر إنسانية ضدّ شعب لا يعبؤون اليوم بأنّ يرهنوا مصيره للإرهاب. التيارات التي تحمست لهذا الدور تستمتع كما يستمتع الإرهابيون بسفك الدم الحرام. من سيصدق في المستقبل هذه الوحوش المتوارية خلف شعارات تمّ قرصنتها من مصادرها النبيلة؟
وأمّا أمّ المفارقات، فهو انكشاف أهداف الإرهاب، وذلك بفرض صيغ دستورية تحكي تفاصيلها عن بؤس دستوراني لا أحد ممن ملأ الدنيا ضجيجا باستبداد العهد السابق، يملك اليوم الشجاعة ولا حتى الإرادة للحديث عن دستور ممنوح، يهيمن الحاكم فيه على كل السلط حتى البرلمان من خلال كوطا الثلث. أمام هذا الاستحمار، الذي اختلطت فيه العمالة والإرهاب والاستبداد، تنكشف صورة ما كان يدبر منذ سنوات لسوريا. فالملف المطلبي الذي حفظته الأجيال، انقلب رأسا على عقب. وهذه تسمّى في كل اللهجات العربية بالقوادة السياسية.
يبقى لمذبحة الساحل الفضل في أنها فضحت الإرهاب في سوريا، ومن يموله ويحميه ويتمثّل شعاراته ويبرر جرائمه ويرقص لشوكته، كما فضحت أهداف الحرب على سوريا من المبتدأ حتى الخبر، وفضحت كل الشعارات ودموع التماسيح والنزعة اللاإنسانية لخصوم سوريا، وحماة اللاّديمقراطية، فإدارة التوحش ليست نهجا للإرهاب فحسب، بل تأكد أنّها مشروع يستمد قوته التنفيذية من الحماية الخارجية. المشاعر لا تتجزّأ، لا يمكن أن نبكي الإنسانية في مكان ونستخفّ بها في مكان آخر.
*كاتب ومفكر مغربي

عن اليمن الحر الاخباري

شاهد أيضاً

الصمت الروسي غير المفهوم!!

بسام ابو شريف* نقول بصراحة للصديق والرفيق بوتين ان الامور في الشرق الاوسط لا تسير …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *