علي الزعتري*
نجحت أمريكا والصهيونية في دفع إيران لداخل حدودها بعد قطع روابطها في سوريا وحجب تواصلها مع حزب الله و استمرار استهدافها لتحركات الحدود بين سوريا والعراق و القصف العنيف في اليمن. ومن قبل هذا ولليوم تقومان بسلسلة العمليات السرية من اغتيالاتٍ للعلماء وتفجيرٍ و تخريبٍ إلكترونيٍّ و اللعب على أوتار الخلافات وتأجيجها في المجتمعات الإيرانية وإحاطة إيران بحزامٍ من القواعد الثابتة و الطافية والحصار والعقوبات المستمرة وهي كلها أدواتٌ في ظاهرها هدفَ ثَنْيَ إيران عن برامجها النووية وفي باطنها تطويعها بحكومةٍ مُتآلفةً مع الصهيونية.
الإدارة الأمريكية أرسلت تهديداً لإيران بالتنازل أو مواجهة التدمير الذي شاعَ قبيل ساعات أنه سيمحو إسم إيران من العالم! وأنه جُهْدٌ مشتركٌ مع الصهيونية. فهل إن لم تنصاعَ إيران ستواجه الدمار النووي؟ ماذا سيمحو إسم إيران إن لم يكن سلاحاً له هذه القدرة؟ دونالد ترمپ قال أن إيران ستشهدُ قصفاً غير مسبوقٍ وبالفعل تحركت الأسراب للقواعد وتنضم حاملة طائراتٍ ثانيةً للمنطقة ولا يعلم أحدٌ كم من غواصةٍ تحوم في البحار مستعدةً للضربة القاسمة، وأستخدمُ هذا الوصف لأن تفتيت إيران وتقسيمها هو أيضاً هدفٌ لأمريكا و الصهيونية. قالت إيران أنها سترد وأظهرت ترسانتها الصاروخية في قواعد جبليةً وبالتوازي قالت أنها مستعدةٌ للتحاور مع واشنطن وأرسلت لها عبر عُمان مقترحها للتحاور. التهويش الأمريكي و التهديد الإيراني يبقيا في مرحلةِ ما قبل التحاور ولا نعلم إن كانت ومتى ستنطلق الحرب المدمرة أم أن اتفاقاً ما سيحول دون الحرب. ليس مكاني أن أقول كيف تكون الحرب و لا من سيربح ومن سيخسر لكني سأطرحُ بضعة أسئلةً.
يخوض ترمپ حرب إعادة تعظيم أمريكا اقتصادياً و وضعَ أمريكا في القمةِ. تخيلوه عملاقاً فضائياً يمسك الكرة الأرضية بخيوطٍ ويتلاعب بها كما الطفل يتلاعب بالكرةِ الجديدة يديرها يمنةً ويسرةً و هو كما يبدو اللاعب الوحيد. إنه يستخدم كل سلاحٍ ليصدمَ العدو والصديق، إلا “إسرائيل”، فلا يكادون يستوعبون الصدمة إلا و ثانيةً تصفعهم. هو يفعل ذلك داخل أمريكا وخارجها. الأمريكيون لا يستوعبون سياسته مثل القضاء على وكالة التنمية و وزارة التعليم و إقالة الآلاف من الموظفين الفيدراليين. ترمپ يريد رسم لوحةً للعالم ولبلاده كما يتخيل، وهو يفعل. قال لي صديقٌ أمريكيٌّ جمهوريٌّ عتيقٌ وهو حانقٌ أنه لا يفهم كيف أن هذه الدولة العظيمة تنحدر لهذا المستوى وأنه لا يتخيل أن يجلس ترمب و وزير دفاعه ذات يومٍ في غرفة العمليات ليتخذا قرار حربٍ. باختصارٍ، خَطَفَ ترمپ أمريكا لأربعة أعوامٍ قادمة وربما لأربعةٍ أُخرى و اختطف العالم معها.
نعود لإيران. إيران لترمپ عُقدةٌ يجب تفكيكها. وهنا المفارقة في تشابه النقيضين! بين قوسين، ألم تفعل إيران ذات الشيء عندما أقصت الشاه؟ أبعدت الموالين له وأتت بطاقمٍ جديدٍ لجعل إيران عظيمةً ودينيةً و فردت نفوذها ما استطاعت وطورت قواها وتتحدَّى. إيران الثورة أصدرت من القرارات ما كَبَّلَ الشعب حتى في ملبسهِ و دخلت بقضها و قضيضها في شوون دولٍ قريبةٍ وبعيدةٍ. الفرق طبعاً أنها عدوةَ “إسرائيل” و لذلك لا يُغفرَ لها وأنها إسلاميةً و هذا لدى الغرب ذنبٌ مُضاعف. الهند تفعلُ ذات الأمر تحت حكم “مودى” لكنها تحب “إسرائيل” و يحبها ترمپ وهي ليست إسلاميةً. الواقع أن كل بلدٍ فيه “ترمپ” الخاص به يحلم بالتغيير الذي يجعله وبلده عظيمين وما هي إلا نِسبةٌ و تناسبٌ بين ترمپيةٍ كبيرةٍ وصغيرة وقدرةٌ على التمدد دون اعتراض أو باتفاقٍ. الآن أمريكا والصهيونية في صدامٍ حاسمٍ مع إيران، وسؤالي هو عن من يقفُ مع إيران؟ أو على الأقل من يكبحُ أمريكا والصهيونية عن ضرب إيران؟
هل ستقف روسيا والصين مع إيران؟ وإن فعلتا فهل سيكون هذا عسكرياً أم دبلوماسياً؟ هل من باب الاستباق مع واشنطن والصهيونية ستهددان بالتدخل وخلق توازنِ رعب يردع الحرب؟ في هذا العالم ليس لإيران من أصدقاء عظماء غير الصين وروسيا. أوروبا لها نفس هدف أمريكا و باقي الدول من الحجم المتوسط لا تستطيع وقف المخططات الأمريكية والصهيونية. ولا العرب قادرين أن يقنعوا ترمب أن الهجوم على إيران قد يؤذي المنطقة الخليجية. له و للصهيونية سيكون هذا الإيذاء سبباً لإعادة الإعمار والتشكيل الجيوسياسي الذي يريد، لخدمة أمريكا و”إسرائيل” العظيمة ولامتصاص المال الخليجي لما لا نهاية. باعتقادي أن روسيا و إيران ستتركان إيران لمصيرها و ستتعاملان مع الوريث الإيراني كيفما كانت عقيدته. هذا إن استطاعت أمريكا والصهيونية كسر إيران أو تحجيمها بالقدر الذي يمنعها من أن تعود قوةً إقليميةً وأن تبقى دولةً تلعق جراحها العميقة عُرضةً للتلاعب بها بكل المستويات. أما إن تقسمت إيران فسيحاول الجميع حصار جحيمها الطائفي والعرقي وسيكون جحيماً أسطورياً لا سابق له. أما لماذا سيكون الموقف الروسي والصيني متراجعاً عن نصرة إيران الحليفة فلأن تاريخهما لا يعطي دليلاً على موقفٍ حاسمٍ مقابل أمريكا والصهيونية. على الرغم من التواجد الروسي في سوريا لم تتوقف “إسرائيل” عن ضرب سوريا و لم يفعل الروس شيئاً باستثناء توجيه النصائح. ثم أن للصين ولروسيا مسائل أكثر أهميةً من إيران. وهما ستتصيدان الفرصة للعودة لإيران تجارياً دون العبء السياسي والعسكري الذي تشكله إيران الحالية. هذا إن لم تصل السياسة لاتفاقٍ بين إيران وأمريكا يضمن تنازل إيران عن برنامجها النووي وتهديد “إسرائيل” وبالتالي يُبعِدَ الحرب عنها. وهي أيضاً فرضيةٌ واقعيةٌ في ظل عدم التزام إيران بالدفاع عن حزب الله أو سوريا حينما انقضت عليهما قوى التغيير قبل أشهر قليلة. بعضٌ من التنازل لا يضر طالما بقي الحُكمُ الحالي.
نختم بنادرةٍ من اليمن حين في سهرةِ “قات” قال سامرهم إن أفضل ما يحدث لليمن هو أن يعلن اليمن الحرب على أمريكا فتأتي أمريكا و تحتل اليمن و تبنيهِ من جديدٍ فيسود الرخاء بين الشعب. رَدَّ زميلهُ المنتعش بالقات “وماذا لو انتصر اليمن!؟”.
وماذا لو انتصرت إيران؟
*كاتب أردني
