الإثنين , مايو 12 2025
الرئيسية / اراء / هل تحّول نتنياهو الى “زيلينسكي” آخر؟

هل تحّول نتنياهو الى “زيلينسكي” آخر؟

 

نجاح محمد علي*
في مشهدٍ يجمع بين السياسة المتقلبة والعقائد الدينية المتطرفة، اجتمع دونالد ترامب وبنيامين نتنياهو في واشنطن يوم 7 أبريل 2025، في لقاءٍ بدا كمسرحية هزلية تخلط بين انتقام شخصي وحسابات مصلحية.
لم يكن اللقاء مجرد محادثة بين زعيمين، بل كان انعكاسًا لتحالف هش تُسيّره أوهام دينية ومصالح آنية. فمن جهة، حاول ترامب إذلال نتنياهو بتذكيره بــ”خطيئته” في تهنئة جو بايدن عام 2020، ومن جهة أخرى، كشف النقاب عن خطط مفاجئة لمفاوضات مع إيران، طالبًا من نتنياهو الاكتفاء بدور “المراقب العاجز”.
هذه المفاوضات، التي لم يُعلم نتنياهو عنها مسبقًا، وضعت زيلينسكي بنسخته الثانية في موقفٍ محرج، خاصة بعد اقتراحه غير الواقعي بتفكيك البرنامج النووي الإيراني على النموذج الليبي، بينما تزعم تقارير معهد “ميمري” الصهيوني أن إيران باتت على حافة امتلاك السلاح النووي .

لم تكن صفعة ترامب لنتنياهو مجرد إهانة شخصية، فقد جاءت تأكيدًا على أن “إسرائيل” تابعة للمصالح الأمريكية ووكيلاً لها ، وليست شريكًا متكافئًا. فترامب، الذي يُوصف بـ”المخلّص” من قبل اليمين الصهيوني، كشف خلال اللقاء عن رغبته في إبرام صفقة مع السعودية تشمل تجميدًا جزئيًا للاستيطان مقابل التطبيع، وهو ما رفضه نتنياهو خشية تفجير غضب المستوطنين. لكنّ ترامب، المعروف بتقلبه، لم يتردد في تذكير نتنياهو بأن “المصالح الأمريكية أولًا”، حتى لو تعني التضحية بـ”إسرائيل”. هذه التبعية لم تكن مفاجئة للمراقبين الصهاينة، الذين أشاروا إلى أن إيران “خدعت الغرب مرة أخرى” ببراعة مفاوضاتها، بينما يقف “كيان الإحتلال” مكتوف الأيدي، عاجز عن أي هجوم عسكري طالما أن واشنطن تخوض المفاوضات.
لكنّ هذه الديناميكيات السياسية ليست سوى جزء من لوحة أكبر ترسمها عقائد دينية متطرفة. فالإنجيليون الأمريكيون، الذين باركوا في عهد ترامب الرئاسي الاول نقل السفارة إلى القدس وصفقات التطبيع، يرون في هذه الخطوات تحقيقًا لنبوءات “نهاية العالم”، حيث يُعاد بناء الهيكل اليهودي كتمهيد لعودة المسيح.
ووفقًا لكانديدا موس، أستاذة اللاهوت بجامعة برمنغهام، فإن دعم الإنجيليين لـ”إسرائيل” ليس دفاعًا عن اليهود، بل هو إيمان بأن سيطرة اليهود على فلسطين شرطٌ لمعركة “هرمجدون” النهائية، التي سينتهي خلالها غير المسيحيين، بمن فيهم اليهود، إما بالتحوُّل للمسيحية أو الإبادة. هذا التناقض الصارخ يُظهر أن التحالف بين ترامب والإنجيليين قائم على أوهام دينية تتنكر لمصير “إسرائيل” نفسه، فـ”الدولة اليهودية” مجرد أداة في سردية دينية سوداوية، يُتخلى عنها بمجرد تحقيق النبوءة.

في خضم هذا، يعلّق نتنياهو آماله على فشل المفاوضات مع إيران، رغم أن الواقع يُشير إلى أن طهران نجحت في تحويل برنامجها النووي السلمي إلى ورقة ضغط دولية.
وإذ يعترف المحلل العسكري الصهيوني ألون بن دافيد بأن اقتراح تفكيك البرنامج النووي الإيراني “غير واقعي”، وأن أفضل ما يُمكن تحقيقه هو تأجيله لسنوات قليلة. تضع هذه الحقائق كما يرى كثيرون مثله كيان “إسرائيل” في مأزق وجودي، خاصة مع تزايد الاعتراف الدولي بإيران كدولة نووية حسب منطق دي فاكتو و هو اعترافٌ بالواقع العملي، حتى لو تناقض مع النظري أو الرسمي , بينما تُجبر حكومة الاحتلال على لعب دور “المراقب” بانتظار قرارات واشنطن التي قد تتناقض مع مصالحها في أي لحظة.
وما من شك فإن التشابك بين السياسة والدين هنا لا يقل تعقيدًا. فبينما يستغل ترامب الإنجيليين لكسب تأييدهم عبر دعم “إسرائيل”، يعتبر الإنجيليون أنفسهم أن دعمهم مشروط بتحقيق نبوءاتهم، حتى لو أدى ذلك إلى تدمير كيان مايسمى بـ “إسرائيل” لاحقًا.
القس روبرت جيفرس، الذي بارك نقل السفارة في حينه، يؤمن أن اليهود سيعانون العذاب إن لم يعتنقوا المسيحية قبل النهاية، وهو ما يُفسر لماذا يُشكك باحثون مثل جريج كاري في أن يكون هذا الدعم “في مصلحة اليهود”.
وهكذا يصبح التحالف الأمريكي-الصهيوني لعبة خطرة، حيث تُستخدم “إسرائيل” كوقودٍ لآلة نبوءات دينية، بينما تُقدّم واشنطن وعودًا وهمية بحماية لن تدوم.
و تكمن المفارقة الأكبر في أن ترامب نفسه، الذي يُصوره اليمين الصهيوني كمنقذ، قد يضحّي بـ”إسرائيل” في أي لحظة لأجل صفقة انتخابية لحزبه ، تمامًا كما هدد سابقًا بقطع المساعدات العسكرية.
الإنجيليون، من ناحيتهم، لن يترددوا في دعم مثل هذه الخطوات إذا اعتقدوا أنها تقرّب نبوءاتهم، حتى لو أدت إلى إضعاف كيان “إسرائيل”. هذه الحسابات المتضاربة تُظهر أن “التحالف الاستثنائي” مجرد وهم، قائم على مصالح متبادلة هشة وأوهام دينية لا تعترف بالحدود بين الواقع والأساطير.
في الخلفية، تلوح أزمات الكيان الصهيوني الداخلية، من الانقسامات المجتمعية إلى التحديات الديموغرافية، حيث يُتوقع أن يصبح الفلسطينيون أغلبية بين النهر والبحر بحلول 2040. هذه المعطيات، إلى جانب تنامي حركات المقاطعة العالمية (BDS)، والهجرة العكسية، تجعل من الوحدة الوطنية الفلسطينية سلاحًا ضروريًا لمواجهة مشروع استيطاني يعاني أصلاً من تصدعات عميقة. لكنّ اللقاء بين ترامب ونتنياهو يبقى يذكرنا بأن مصير فلسطين لا يُقرر في غرف المفاوضات، بل في صراعٍ وجودي أوسع بين قوى دولية تستخدم المنطقة كمسرح لمصالحها وعقائدها، حيث تتحول القضية الفلسطينية إلى ورقة في لعبةٍ أكبر، تُدار من خلف الكواليس بواسطة من يرفضون رؤية الحقوق الإنسانية إلا من خلال عدسة المصالح والأساطير.
في النهاية، لم تُنتج زيارة نتنياهو الثانية لواشنطن أي انتصارات دبلوماسية لكيان الاحتلال ، بل كشفت عن تبعية القرار {الإسرائيلي} للولايات المتحدة والكيان الصهيوني ليس إلا وكيل لمصالح الغير ، و انحياز ترامب نحو صفقات فردية تُرضي غروره السياسي ، كما كشفت عن استغلال واضح للمحاكم الدولية في الصراعات السياسية.
و تبقى القضية الفلسطينية، كالعادة، الضحية الأكبر في هذه المعادلة، حيث تُستخدم كورقة مساومة بين قوى تعيد إنتاج نفس الحلول الفاشلة، بينما يستمر نزيف الدماء في غزة، والفلسطينيون يؤكدون على الدوام أنهم “شعب الجبارين”.
*كاتب عراقي مختص بالشؤون الايرانية

عن اليمن الحر الاخباري

شاهد أيضاً

ودائع العرب!

  بشارة مرهج* من أهم القضايا العالقة بين لبنان و العرب قضية الاموال الطائلة التي …