الثلاثاء , مايو 6 2025
الرئيسية / اراء / واشنطن في كماشة طهران وبكين و موسكو!

واشنطن في كماشة طهران وبكين و موسكو!

مازیار شکوری*
لقد وصلت وتيرة الصراع والمواجهة إلى نقطة حساسة، سواء في جبهة أوكرانيا بين روسيا والناتو، أو في جبهة غرب آسيا بين إيران (محور المقاومة) والأميركيين، وكذلك في جبهة الصين وتايوان. وكما قلنا سابقاً، فإن جميع النزاعات والمواجهات الإقليمية في غرب آسيا وأوكرانيا وتايوان تدور حول تغيير النظام العالمي الاستعماري الغربي الذي تم تشكيله وصياغته بعد الحربين العالميتين بانتصار الحلفاء.
الآن تُطرح العديد من الأسئلة، وهي:
هل ستقع حرب مباشرة بين إيران والولايات المتحدة أم لا؟!
وإذا وقعت حرب مباشرة بين إيران وأميركا، من سينتصر؟!
هل سيتم نزع سلاح حزب الله أم لا؟!
هل سيعود حزب الله إلى خوض الحرب من جديد أم لا؟!
هل ستقوم الصين بمهاجمة تايوان أم لا؟!
وأسئلة كثيرة أخرى تُطرح، والإجابة عنها مرهونة بفهم دقيق للتغييرات والتحولات الإقليمية والعالمية. فبسبب انخراط الغرب في ثلاث جبهات: في غرب آسيا ضد إيران ومحور المقاومة، وفي شرق آسيا ضد الصين، وفي أوكرانيا ضد روسيا، ونتيجةً للعقوبات والضغوط المتواصلة على مدى سنوات طويلة على هذه الدول الثلاث، أصبح من الطبيعي ـ رغم تعارض المصالح بينها ـ أن تقترب هذه الدول من بعضها البعض بشكل قسري وغير مقصود، لتشكيل جبهة شرقية موحدة في مواجهة الولايات المتحدة والنظام الاستعماري.
فعلى سبيل المثال، يمكن القول إن الصين وروسيا، رغم استمرار الخلافات الحدودية بينهما، اضطرتا إلى التقارب فيما بينهما.
أما في جبهة أوكرانيا، فقد مُني الناتو بالهزيمة، وفي جبهة غرب آسيا، فإن إسرائيل ـ بوصفها جيشاً وكيلاً للغرب ـ تتعرض لضغوط كبيرة، ولا تزال عاجزة عن السيطرة على حركة حماس.
وفي البحر الأحمر، فإن الوضع لا يختلف كثيراً، حيث لا يزال اليمنيون يُبقون مضيق باب المندب مغلقاً، ويُقابلون القصف الأميركي بردود مباشرة.
لقد تمكنت حرب طوفان الأقصى من توجيه ضربات مدمرة للاقتصاد الإسرائيلي، كما أدخلت المجتمع الإسرائيلي في أزمة وعمّقت وفعّلت التصدعات الداخلية فيه.
كان من المفترض أن تقوم إسرائيل بدور الجيش الوكيل للاستعمار في المنطقة، وتحفظ مصالح الاستعمار والولايات المتحدة، غير أن الأميركيين اضطروا لتحمّل تكاليف باهظة لحماية إسرائيل وبقائها، فأرسلوا حاملات الطائرات والسفن الحربية إلى المنطقة.
إن استمرار هذه الحرب الاستنزافية سيكلّف الأميركيين وإسرائيل المزيد من الخسائر، وسيسهم في إنهاك إسرائيل أكثر فأكثر.
كان الهدف الأول لترامب هو مواجهة الهيمنة والقوة الاقتصادية الصينية، وكان يسعى لإنهاء حرب أوكرانيا وحرب طوفان الأقصى في أسرع وقت ممكن، ليتمكن من الاستعداد والتأهب لمواجهة الصين.
ولكن الواقع يُظهر أن ترامب لم يتمكن فقط من إنهاء الحرب في أوكرانيا وغرب آسيا، بل إنه أصبح جزءًا من الحرب والأزمة الدائرة في غرب آسيا.
لقد هدد ترامب إيران بالتفاوض وقبول شروط الولايات المتحدة، أي الخضوع أو الحرب المباشرة، لكن رد إيران كان حاسماً جداً، إذ رفضت إيران التفاوض المباشر وقبول شروط واشنطن بشكل علني، وأعلنت استعدادها التام لخوض مواجهة مباشرة مع الولايات المتحدة.
وقد نشرت إيران صواريخها في الجزر الثلاث: بوموسي، طنب الكبرى، وطنب الصغرى، وأعلنت صراحة استعدادها للحرب.
أما الرسالة الثانية التي أرسلتها إيران إلى ترامب، ونقلها القائم بالأعمال السويسري إلى الأميركيين، فقد كانت شديدة اللهجة، حيث هدّدت إيران بأنها، في حال اندلاع الحرب، لن تستهدف فقط القواعد العسكرية والسفن الحربية وناقلات النفط الأميركية، بل ستستهدف أيضاً جميع مسارات ومصادر الطاقة، وسيتم إغلاق مضيق هرمز، مما سيُحدث أزمة كبيرة في نقل الطاقة إلى الغرب.
وفي البحر الأحمر، لم يتمكن الأميركيون من احتواء اليمنيين، ويبدو أنهم من خلف الكواليس طلبوا من السعوديين والإماراتيين تفعيل مرتزقتهم على الأرض ضد اليمنيين.
وفي هذا السياق، قال حزام الأسد، عضو المكتب السياسي لحركة أنصار الله في اليمن:
“أي تحرك من قِبل المرتزقة المدعومين من الإمارات والسعودية بهدف عرقلة الدعم لغزة، سيُواجَه برد مباشر منّا.
وأي تحرك ميداني من قِبل الأدوات الإقليمية، سيؤثر بشكل مباشر وعسكري على دول المنطقة.
وإذا أرادت واشنطن تحريك أدواتها في الميدان، فستستخدم أدوات الإمارات والسعودية”
هذا التصريح الصادر عن عضو المكتب السياسي لأنصار الله يُظهر بوضوح أن الأميركيين قدّموا بالفعل طلبات للتدخل في اليمن، وأن أنصار الله على دراية تامة بأنه في حال ارتكاب الأميركيين أو الإماراتيين أو السعوديين أي حماقة، فإن الرد يجب أن يكون موجهاً نحو مصادر النفط والغاز في الإمارات والسعودية، من أجل خلق أزمة طاقة تخنق أميركا والغرب ومرتزقتهم الإقليميين.
يجب على إيران ومحور المقاومة، من أجل تغيير النظام الإقليمي والنظام العالمي، أن يستهدفوا مصادر الطاقة، ليُدخلوا أميركا والغرب في أزمة طاقة خانقة. ففي ظل مثل هذه الأزمة فقط، يمكن تحطيم هيمنة الاستعمار بشكل كامل.
لم يتمكن ترامب من إخافة إيران ومحور المقاومة، ولا من إنهاء الحرب في غرب آسيا، بل إن المقاومة اليمنية والفلسطينية، إلى جانب المواقف الصلبة والإجراءات والاستعدادات العسكرية لإيران، أجبرته على نقل قواته وتحصيناته العسكرية من شرق آسيا إلى غربها.
ومع هذا الانتقال للقوات من شرق آسيا إلى غربها، تم تخفيف الضغط عن الصين، ما يجعل هذه اللحظة أفضل فرصة ممكنة للصين كي تُقدم على مهاجمة تايوان وتُوجّه ضربة قاصمة للولايات المتحدة.
ومن جهة أخرى، أطلق ترامب حرباً جمركية ضد العالم بأسره، ولكن حربه الجمركية ضد الصين تُعدّ الأكثر جدية وجوهرية.
الصينيون لم يُبدوا أدنى تراجع أمام تهديدات ترامب الجمركية، وأعلنوا صراحة أن فرض ترامب لرسوم جمركية جديدة ما هو إلا ابتزاز، وأنهم سيردّون على كل خطوة أميركية بخطوة مماثلة، وفرضوا بدورهم رسوماً على السلع الأميركية.
الحرب الجمركية لترامب ستؤدي إلى إضعاف الأوروبيين أكثر من السابق، ما سيُضعف بدوره معسكر الاستعمار الغربي.
كما أن هذه الرسوم ستُلحق الضرر بالاقتصاد الأميركي نفسه، إذ ستؤدي إلى ارتفاع أسعار السلع داخل الولايات المتحدة، مما سيُضعف بشكل كبير القدرة الشرائية للمجتمع الأميركي.
المشكلة تكمن في أن ترامب، بسبب حماقاته، زاد من تعقيد الأزمات التي تواجه معسكر الاستعمار الغربي والولايات المتحدة.
ففي الظروف الراهنة، فإن تصعيد التوتر والحروب لا يصب أبداً في مصلحة الأميركيين ومعسكر الاستعمار، لأن شرايين الحياة والتنفس لهذا المعسكر هي مصادر الطاقة ومسارات نقلها التي تقع في الشرق، والتي أصبحت أكثر عرضة للتهديد مع تصاعد واتساع رقعة الحروب.
ترامب لم يتمكن فقط من إنهاء ملفات الحروب القائمة، بل غرق بنفسه في مستنقع هذه الحروب، وفتح ملفات جديدة من الحرب الاقتصادية ضد الصين وسائر العالم، ويبدو أنه غير قادر على حلّ هذه الملفات.
وفي ظل هذه الظروف، أصبح النظام العالمي الاستعماري، الذي كانت الولايات المتحدة تفرض من خلاله إرادتها على العالم، في حالة تراجع وضعف. ومع هذا الضعف، لم تعد أميركا قادرة على فرض إرادتها كما في السابق.
كان الخيار الأفضل والأكثر منطقية لترامب، وللولايات المتحدة، وللأوروبيين، أن يتصرفوا مثل فريق كرة قدم تلقى هدفاً، أي أن يهدّئوا اللعب ويبطئوا من سرعة الفريق الخصم.
لكن ترامب، وبمنتهى الحماقة، لم يهدّئ وتيرة اللعب رغم أن الولايات المتحدة والناتو قد تلقّيا عدة أهداف، وتراجعوا أمام خصومهم في مختلف الجبهات، بل زاد من سرعة المواجهة وتعقيدها.
لا يَخلو الأمر من فائدة في أن نقوم بزيارة إلى لبنان أيضًا. فحزب الله ما زال حتى الآن صامتًا، بينما تقوم إسرائيل يوميًا بخرق اتفاق وقف إطلاق النار.
وقد شدد كل من رئيس الجمهورية اللبنانية جوزاف عون، ورئيس الوزراء نواف سلام، في مرات عديدة على أن حزب الله ملتزم بوقف إطلاق النار، بينما “إسرائيل” هي من تخرق هذا الاتفاق.
كما أكّد الرئيس ورئيس الوزراء مرارًا على أن إسرائيل يجب أن تنسحب من عدة مناطق لبنانية، في حين شدّد الشيخ نعيم قاسم، نائب الأمين العام لحزب الله، مرارًا على أن صبر حزب الله ليس بلا حدود، وأنه لن يتحمل الاحتلال إلى ما لا نهاية.
وقد قال رئيس الجمهورية اللبنانية بالأمس:
“أن حزب الله أبدى تعاوناً في ملف السلاح، مشيراً إلى أنه يجب مقابلة إيجابية الحزب بإيجابية”
كما قال سجيع عطية، عضو البرلمان اللبناني، نقلاً عن جوزف عون:
“إن حزب الله أبدى الكثير من الليونة والمرونة في مسألة التعاون وفق خطة زمنية معينة”
السؤال هو: هل لدى حكومة لبنان إرادة حقيقية لنزع سلاح حزب الله أو كبحه أم لا؟
الظاهر من تصريحات رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء اللبنانيين هو أن الحكومة تقف في مواجهة حزب الله وتنوي كبحه أو نزع سلاحه، لكن إذا تم تفسير هذه التصريحات بعناية، فإنها تشير إلى أن حكومة لبنان تعمل بالتنسيق مع حزب الله لتحقيق هدف معين في مواجهة إسرائيل.
ففي جميع تصريحاتهم، امتدح جوزيف عون ونواف سلام حزب الله، وأكدا أن الحزب ملتزم بوقف إطلاق النار ويعمل ضمن إطار الدولة اللبنانية، بينما “إسرائيل” هي من تخرق وقف إطلاق النار ويجب عليها الانسحاب من بعض المناطق المحتلة.
وقد قال جوزيف عون أيضًا إن حزب الله أبدى مرونة فيما يخص السلاح، وأن الطرف الآخر يجب أن يتصرف بالمثل.
هذه التصريحات تعني أن حكومة لبنان، من خلال تمرير الكرة إلى إسرائيل و أميركا، تهدف إلى تمهيد الطريق لدخول حزب الله في الحرب بشكل أكبر.
حكومة لبنان من خلال هذه التصريحات المدروسة تحاول تحضير الرأي العام ليوم قد يدخل فيه حزب الله الحرب، حيث ستكون حجتها أنه كان ملتزمًا بوقف إطلاق النار تمامًا، وحتى في موضوع السلاح أبدى مرونة، ولكن العدو هو من دفعه إلى الحرب، وأن المسؤول عن ذلك هو “إسرائيل” وأميركا.
المسألة الأخرى التي يجب أخذها بعين الاعتبار هي أن النظام العالمي الاستعماري قد تضعف، وأصبح غير قادر على نزع سلاح حزب الله أو كبحه. في عام 2006، خلال الحرب التي استمرت 33 يومًا بين حزب الله و”إسرائيل”، لم يكن حزب الله مسلحًا وقويًا كما هو اليوم، ولم تكن إسرائيل قد تآكلت كما هي الآن. كما أن النظام العالمي الاستعماري لم يكن قد ضعُف كما هو الحال الآن، ومع ذلك لم يتمكن من كبح حزب الله أو نزع سلاحه، بل على العكس، أصبح الحزب أكثر قوة وتسليحًا.
لذلك، الحديث اليوم عن نزع سلاح أو كبح حزب الله هو مجرد وهم.
في ظل الظروف الحالية، يمكن القول أن حزب الله ومحور المقاومة في وضع مثالي تمامًا لتنفيذ هجمات واسعة النطاق وأشد قوة ضد “إسرائيل”. كما أن الوضع الحالي يضع الصينيين في وضع مثالي للهجوم على تايوان، وبالتالي تدمير مصالح أميركا في شرق آسيا.
مسار التغيرات والتحولات في منطقة غرب آسيا وأوكرانيا وآسيا الشرقية هو مسار يؤدي يومًا بعد يوم إلى انهيار النظام العالمي الاستعماري، وما يتطلبه الأمر فقط هو قليل من الصبر. دخول ترامب إلى البيت الأبيض وحماقته كان حقًا هدية إلهية، حيث فتح جبهات متعددة من الحروب العسكرية والاقتصادية، مما جعل معسكر الاستعمار يواجه مزيدًا من الأزمات وفي النهاية يؤدي إلى تدميره. يجب اعتبار ترامب كلاعب كرة قدم يمرر كرة الهدف للفريق المنافس، مما يعرض مرمى فريقه للخطر.
*كاتب ومحلل ايراني

عن اليمن الحر الاخباري

شاهد أيضاً

قناة السويس حصن عربي لا يقهر !

د. بسام روبين* ليست قناة السويس مجرد شريان للتجارة العالمية، بل هي رمز للعزة المصرية …