د.جلال جراغي*
جرت الجولة الثالثة من المفاوضات غير المباشرة بين الوفدين السياسي والفني الإيرانيين من جهة، ونظيريهما الأمريكيين من جهة أخرى، واستمرت لمدة ست ساعات في سلطنة عُمان. وبعد انتهاء المفاوضات، وصفها وزير الخارجية الإيراني بأنها جرت في أجواء إيجابية وجادة، مؤكدًا أن بلاده تنظر إلى هذه المفاوضات بتفاؤل حذر جدا.
الحذر الإيراني نابع من المواقف الأمريكية المتضاربة والمتناقضة التي تصدر من واشنطن تجاه إيران والمفاوضات. لكن رغم كل هذا، فإن المفاوضات الرسمية غير المباشرة بين إيران والولايات المتحدة في العاصمة مسقط لن تفشل وستستمر رغم كل التحديات والعوائق، وربما تتأخر المفاوضات في الوصول إلى نتيجة، لكنها لن تفشل وستصل إلى النتيجة المرجوة.
ad
العائق الرئيسي في هذا الخصوص هو تخصيب اليورانيوم؛ فالولايات المتحدة على طاولة المفاوضات لا تعارض أن تقوم إيران بتخصيب اليورانيوم، ولكن المشكلة تكمن في نسبة التخصيب، إذ لو كانت أمريكا تعارض بشكل عام تخصيب اليورانيوم من قبل إيران، لما كانت بحاجة إلى جولة المفاوضات بين الخبراء الفنيين الإيرانيين والأمريكيين. ووجود هذه المفاوضات يدل على أن مبدأ موضوع تخصيب اليورانيوم أمر محسوم، ولكن في جولة الخبراء يتم طرح تفاصيل التخصيب ونسبه. فلو كانت الولايات المتحدة فعلاً عازمة على أن لا يكون هناك تخصيب في إيران أو أن يكون التخصيب بنسبة صفر، لما كانت تحتاج إلى الاستماع إلى وجهة نظر الفنيين الإيرانيين ولا إلى تقديم ضمانات بأن البرنامج لن يتحول إلى برنامج عسكري.
كما أن المشكلة الثانية هي موضوع الضمانات. إيران من جانبها مستعدة لتقديم كل الضمانات إلى الجانب الأمريكي أو أي طرف أو جهة دولية بما في ذلك الوكالة الدولية للطاقة الذرية، التي في أكثر من 16 تقريراً أيدت وأكدت أن الأنشطة النووية الإيرانية ذات طابع سلمي ولم تنحرف عن مسارها السلمي. إيران تطالب الطرف الآخر بضمانات بأنه سيلتزم بأي اتفاق محتمل ولن ينسحب منه ثانية، كما فعلت واشنطن عام 2018 عندما انسحبت بشكل أحادي ضاربة عرض الحائط بالاتفاق النووي المبرم والقرار الدولي المؤيد له.
الصواريخ الإيرانية لن تُطرح في المفاوضات
ad
موضوع الصواريخ والمسيرات الإيرانية خارج عن إطار المفاوضات غير المباشرة بين إيران والولايات المتحدة، لأنه حسب القوانين والمواثيق والأعراف الدولية، يحق لكل دولة أن تمتلك عناصر وقدرات دفاعية للدفاع عن سيادتها ووحدة أراضيها ومصالحها القومية. والصواريخ والمعدات الحربية الإيرانية دفاعية ولم ولن تُستخدم في العدوان على أي دولة، والتاريخ يشهد على ذلك.
وبالتالي، فإن إيران تؤكد بأنها غير مستعدة لإثارة موضوع الصواريخ في أي مفاوضات مع الأطراف الدولية والخارجية، بما في ذلك الوكالة الدولية للطاقة الذرية أو الولايات المتحدة. ومع ذلك، إذا ما طُرح هذا الموضوع، فإن إيران مستعدة لتقديم ضمانات بأن صواريخها ذات طابع دفاعي ولا تحمل رؤوساً نووية ولا تبلغ مدياتها آلاف الكيلومترات.
إسرائيل تحاول إفشال المفاوضات
منذ انطلاق المفاوضات غير المباشرة بين إيران والولايات المتحدة، انتاب إسرائيل القلق والخوف من احتمالية نجاح هذه المفاوضات. وقد قامت بتحركات سياسية لمحاولة التأثير على فريق التفاوض الأمريكي في باريس، بهدف دفعه لرفض المطالب الإيرانية. اللقاء الذي حصل بين وزير الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلي رون ديرمر ومستشار الرئيس الأمريكي للمفاوضات ستيف ويتكوف يفسر هذا الخوف والقلق.
إسرائيل تحاول التأثير على مسار المفاوضات بهدف إفشالها، كما فعلت في السابق عندما دفعت إدارة ترامب إلى الانسحاب من الاتفاق النووي. ولعل هذا ما جعل ترامب يقول إنه لا أحد يمكنه جره إلى حرب ضد إيران.
إسرائيل لا تريد تهدئة الأوضاع في المنطقة، بل تسعى لإبقائها متوترة ومشتعلة خدمة لمصالحها الاستراتيجية.
أما موضوع الصواريخ والمسيرات الإيرانية، فهو خارج إطار هذه المفاوضات، إذ إن القوانين والمواثيق والأعراف الدولية تكفل لكل دولة الحق في امتلاك قدرات دفاعية تحمي سيادتها ووحدة أراضيها ومصالحها القومية. وقد أثبت التاريخ أن الصواريخ والمعدات الدفاعية الإيرانية لم تُستخدم يومًا في الاعتداء على أي دولة. ولهذا، ترفض إيران إدراج ملف صواريخها في أي مفاوضات مع الأطراف الدولية، بما فيها الوكالة الدولية للطاقة الذرية أو الولايات المتحدة. ومع ذلك، وإذا أصر الجانب الآخر على طرح هذا الملف، فإن إيران مستعدة لتقديم ضمانات تؤكد أن صواريخها ذات طابع دفاعي خالص، ولا تحمل رؤوسًا نووية ولا تمتد إلى آلاف الكيلومترات.
من جهة أخرى، تسعى إسرائيل، منذ بدء هذه المفاوضات، لإفشالها، خوفًا من احتمالية نجاحها. وقد نشطت دبلوماسيًا في محاولة للتأثير على فريق التفاوض الأمريكي، كما ظهر في اللقاء الذي جمع وزير الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلي رون ديرمر مع مستشار الرئيس الأمريكي للمفاوضات ستيف ويتكوف في باريس. هذا التحرّك يعكس قلق إسرائيل من أن تسفر المفاوضات عن نتائج إيجابية. فهي، كما فعلت سابقًا حين دفعت باتجاه انسحاب الرئيس ترامب من الاتفاق النووي، تسعى إلى إبقاء المنطقة في حالة توتر دائم يخدم مصالحها الاستراتيجية.
ترامب بين خيارين لا ثالث لهما
في التعاطي مع إيران، الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أمام خيارين لا ثالث لهما:
الخيار الأول: الخوض في المفاوضات مع إيران والتوصل إلى اتفاق يمكنه من فتح آفاق للاستثمارات التجارية والاقتصادية مع إيران، بما يحقق مكاسب اقتصادية تخدم شعاراته الانتخابية ومقارباته الاقتصادية لمعالجة التضخم والديون الهائلة التي تعاني منها الولايات المتحدة.
الخيار الثاني: الانصياع للضغوط التي تمارسها مختلف اللوبيات داخل الولايات المتحدة، بما فيها اللوبيات اليهودية والصهيونية، لمنع الإدارة الأمريكية من التوصل إلى تسوية مع إيران بشأن الملف النووي. يبدو أن ترامب يحاول جاهداً إيجاد توازن بين هذين الخيارين.
انفجار بندر عباس وأصابع الاتهام موجهة إلى إسرائيل
إسرائيل دائماً تهدد إيران، والمعطيات الموجودة حول انفجار بندر عباس تعكس أن إسرائيل قد تكون استهدفت الميناء.
وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي حذر قبل يومين من الانفجار من مؤامرات وعمليات تخريبية قد تقوم بها إسرائيل. ولعل هذه المؤشرات دفعت ترامب إلى القول إنه لا أحد يمكنه جره إلى حرب ضد إيران، لكنه إذا فشلت المفاوضات سيكون أول من يسارع إلى الحرب. ويبدو أن إسرائيل قامت بهذه العملية لعدة أسباب:
أسباب داخلية: نتنياهو يعيش أزمة سياسية غير مسبوقة ويحاول تصدير الأزمة الناتجة عن فشله في حربه ضد قطاع غزة إلى الخارج.
توجيه رسالة تحدٍ لترامب: أراد نتنياهو أن يقول لترامب إن الضغوط والتهديدات الإسرائيلية كانت سبباً في دفع إيران إلى طاولة المفاوضات.
العملية تمت بطريقة غامضة دون ترك خيوط واضحة، كما حصل في تفجير مرفأ بيروت عام 2020.
سواء أكان هذا الانفجار بفعل فاعل إسرائيلي أم بفعل الإهمال أم بعمل تخريبي من مجموعات معادية للجمهورية الإسلامية، فإن ذلك لن يؤثر على مسار المفاوضات غير المباشرة بين إيران والولايات المتحدة.
إيران حريصة على عدم تفويت فرصة التفاوض، وتعتبر أن الأولوية الآن هي رفع العقوبات المفروضة عليها والاعتراف رسمياً ببرنامجها النووي السلمي.
الظروف الحالية مواتية جداً للتوصل إلى اتفاق تاريخي
روسيا والصين داعمتان بقوة لهذا الاتفاق.
الوضع الإقليمي مناسب بفضل تحسن علاقات إيران مع دول الجوار.
الترويكا الأوروبية باتت ضعيفة ومنقسمة عن واشنطن بسبب الحرب الأوكرانية.
العائق الجاد الوحيد المتبقي هو إسرائيل. ومن المتوقع أن يحصل صدام وانقسام بين نتنياهو وترامب مستقبلاً، إذ تختلف أهدافهما، لأن نتنياهو يركز على إضعاف إيران، بينما ترامب يريد التخلص من عبء قضايا المنطقة للتركيز على الصين والقضايا الأمريكية الداخلية.
*مدير مركز آفاق للدراسات الإيرانية العربية
