د. نهلة غسّان طربيه *
1
“مانفعُ الشتاءِ بلا برتقال؟”
قالتْ لي البائعةُ الأرملةُ العجوز..
وهي تحدّثُني عن بستانِها.. سَنَدِ حَياتِها.
صارَ التّرابُ الأحمرُ المعجونُ بالمطر..
حِنّاءً يزيّنُ أطرافَ أصابعي..
وهي تَحكي لي كيف تغرسُ في عمقه قدميها كلّ صباح حين يُناديها لتقطفَه البرتقال!
2
“مانفعُ الشّتاءِ بلا برتقال؟”
قال حبيبٌ لحبيبته وهو يَطوي معها سهرةَ المساء..
ويَطلبُ من النّادلِ برتقالتين..
واحدةً يقشّرُها ويصنعُ مِن قشرِها لِمِعصَمِها سِوارا..
وواحدةً يَحفرُ بالسّكّين على قِشرِها قلبَين بينهما مظلّةٌ حمراء!
3
“مانفعُ الشّتاءِ بلا برتقال؟”
قالتْ لِحبيبِها وهي تصنعُ الشّاي..
وتتركُ في قَعرِ الكأسِ أصابعُها الباردة..
فتافيتَ من قشرِ برتقالة..
عَبَقُها يُدثِّرُ مدنَ الغربة..
ويُدفئُ قلبَ حبيبِها.. فَيَروحُ يدقُّ.. يدقُّ..
ويتمنّى لو يَبقى على أصابعِها عالقاً.. كَعَبَقِ البرتقال!
4
“مانفعُ الشّتاءِ بلا برتقال؟”
ناحَتِ القدسُ في عِزِّ بَردِ الشّتاء..
فانسكبَتْ على مئذنةٍ حزينة..
على بُرجِ كنيسة..
آلافُ الدّموع..
من بيّارةٍ حذّرتْهُمُ يوماً أنّهم سيضيعون.. إذا ما ضيّعوا البرتقال!
5
“مانفعُ الشّتاءِ بلا برتقال؟”
يُذَكِّرُني بِأَحلى الأماسي البعيدة..
حين كان أبي يُقشِّرُ لَنا البرتقال..
ونحن متحلِّقونَ حولَ سلّةِ حُبِّه..
فيضعُ في كفِّ كُلٍّ منّا قَصاقيصَ قَمر..
مِن شمسِ برتقالةٍ كبيرة!
6
“مانفعُ الشّتاءِ بلا برتقال؟”
حيث مِن عَلى برتقالةٍ أتزحلقُ في لحظةِ الأمنيات..
إلى (ذَيّاكَ الهناك)..
أتسلّلُ إلى بستانِ برتقالٍ على تُخومِ (مدينتي البحريّة)..
أعلّقُ مِنْهُ في طريقِ الإياب..
شمساً تمزّق غيومَ عاصمةِ الضّباب..
وأتركُ خلفي رسالةَ حبٍّ لوطني.. لأحبابي هناك..
على دربٍ طويلةٍ.. طويلةٍ.. من قشور البرتقال!
7
“مانفعُ الشّتاءِ بلا برتقال؟”
يصيرُ قنديلَ عاشقَين..
في دُهمة لَيال..
فتذوبُ حبيبةٌ حبّا.. شمعةً في عُمقِ قشرِ نصفِ برتقالة..
ويطيرُ حبيبٌ مع أريجِ لَيلاهُ في قشرِ البرتقال!
8
“مانفعُ الشّتاءِ بلا برتقال؟”
إذ يمسكُ طفلٌ حافيَ القدمين ببرتقالة ..
ويشدّ عليها بيديه المرتجفتين..
ثمّ يُسنِدُ على رصيفِ المدينةِ رأسَه..
ويحلمُ بدفءِ النّار.. نارٍ في عُمقِ برتقالة!
9
“مانفعُ الشّتاءِ بلا برتقال؟”
حيث برتقالةٌ واحدةٌ تَصيرُ للمنافي أبجديّة..
ترسمُ على حيطانِ الحنينِ شمسَ حيٍّ بعيد..
وتَكسرُ علقمَ الغربة بكأسِ عصيرٍ من أيدي الأمّهات..
وتلوِّنُ معطفي الشتويَّ بِلَونِ شَمسِ العصرِ هناك..
ثمّ تثرثرُعلى وجهي بكلماتٍ من مطر!
*أكاديميّة سوريّة مقيمة في لندن