الجمعة , أكتوبر 18 2024
الرئيسية / اراء / ماذا يحدث في ليبيا؟

ماذا يحدث في ليبيا؟

ابوالقاسم الربو*
استبشر الليبيون خيراً عندما نالت حكومة الوحدة الوطنية المنبثقة عن ملتقى الحوار الليبي ثقة البرلمان بالإجماع ، وتوقع الكثيرون ان ذلك سينهي سنوات من الفوضى والعنف ، معتبرين ذلك التناغم بين الحكومة ومجلس النواب فرصة كبيرة تتاح لأول مرة لإيجاد حل للصراع الدائر في البلاد ، وعلقت امال كبيرة على هذا الاتفاق ، سيما وان الكثير من الازمات والعقبات التي واجهت حكومة السراج كان مردها عجز الأخيرة عن نيل ثقة البرلمان ، وممارستها لأعمالها بوزراء مفوضين بعيدا عن سلطة البرلمان ومراقبته .
بيد ان شهر العسل بين الحكومة والبرلمان لم يدم طويلا ، حيث يبدو ان الشرخ الذي احدثه الهجوم على طرابلس اعمق من ان يلتئم بمجرد حصول الحكومة على ثقة البرلمان ، ناهيك عن تورط الكثير من الأطراف الإقليمية والدولية في زيادة تعقد المشهد الليبي ، الامر الذي افضى الى الكثير من العراقيل والمصاعب التي واجهت أداء الحكومة منذ الشهر الأول لممارسة اعمالها . بدأت بوادر هذا الاختلاف بمنع هبوط طائرة الفريق الأمني والإداري التابع لرئيس الحكومة ( ادبيبة ) في مطار بنينة ، والتي كانت تقلهم للتمهيد لعقد اجتماع الحكومة في بنغازي ، تحت مبرر ان الطائرة كانت تقل عناصر من الكتائب المسلحة في طرابلس ، في الوقت الذي سبق عملية المنع ، خروج مجموعات في وسط بنغازي ، واحرقوا صور ادبيبة متهمين إياه بالتحالف مع الاخوان المسلمين وتركيا .
حاولت الحكومة تجاوز هذا الحادثة، لتبدا رحلات ماراثونية بين طرابلس مقر الحكومة ، وطبرق مقر مجلس النواب ، لإقناع المجلس باعتماد الميزانية المقترحة ، وقامت بالكثير من التعديلات التي طلبها النواب في جلسات تجاوزت ال 6 ، ولكنها لم تفلح في ذلك ، ولازالت تمارس اعمالها بدون ميزانية معتمدة ، رغم مضي اكثر من 8 اشهر من السنة المالية في ليبيا والتي تبدا في شهر يناير من كل سنة ، واكثر من 6 اشهر من تسلم حكومة الوحدة الوطنية مهامها . وقد تباينت الحجج التي ساقها مجلس النواب حول رفضه لاعتماد قانون الميزانية ، متهما الحكومة بانها لم توضح في مشروع الميزانية أهدافها على شكل برامج ومشاريع واضحة , وانها ( أي الحكومة ) أدرجت جهات في مشروع الميزانية وهي لا تتبع مجلس الوزراء وهي : جهاز الردع ، وقوة مكافحة الإرهاب ، وجهاز دعم الاستقرار ، ومصلحة التخطيط العمراني ، غير ان الكثير من التسريبات اشارت الى ان السبب الرئيسي في عدم الموافقة ، هو عدم تضمين قوات خليفة حفتر في بنود الميزانية ، الامر الذي اكده رئيس البرلمان ( عقيلة صالح ) في لقائه مع حفتر في 16 يوليو الماضي ، وعاد ليؤكده في لقائه المرئي الأخير عندما قال ( من ضمن أسباب التي دفعت بالنواب الى عدم الموافقة على قانون الميزانية ، هو عدم تضمينها مبالغ مقدرة ومحترمة يستطيع ان ينفّد الجيش مهامه .
ومن الجدير بالذكر ان تدخل المجلس الرئاسي، ومطالبته ” الجميع بتحمل مسئولياتهم امام الليبيين ” , ودعوته الى “اتخاذ الإجراءات الكفيلة باعتماد الميزانية للوفاء بالالتزامات التي تعهدت بها الحكومة امام المواطنين لسد احتياجاتهم ” ، لم تفض الى تقريب وجهات النظر ، مما دعا رئيس الحكومة الى التحذير من ان عدم اعتماد الميزانية والمماطلة في الموافقة عليها قد يضطره لإعلان الفشل في تنفيذ وعوده التي قطعها على نفسه ، والتي لا يمكن الإيفاء بها الا بتوفر الموارد المالية اللازمة .
وعلى كل حال ، لم يعد الصراع بين الحكومة والبرلمان خفيا ، فكل طرف يلقي باللوم على الطرف الاخر في تعثر العملية السياسية ، ويتضح ذلك الصراع من خلال الحوارات واللقاءات الصحفية والمرئية التي قام بها كلاً من رئيس الحكومة ورئيس مجلس النواب ، ففي كلمة الى الشعب ، بثّت مؤخرا ، تحدث ادبيبة الى الشعب عن العديد من القضايا ، وعلى راسها اتهامه لمجلس النواب ” بعرقلة عمل الحكومة بشكل مستمر” ، وان ” كل أسباب التعطيل هي أسباب واهية وغير صحيحة ” ، مضيفا بانه سيكون مضطرا للبحث عن مصادر تمويل بديلة ، تمكن الحكومة من ممارسة اعمالها ، في إشارة الى عرقلة مجلس النواب لإقرار الميزانية . اما عقيلة صالح فقد كثف من ظهوره الإعلامي مؤخرا، متهما الحكومة في كل مرة بالتقصير في اعمالها المنوطة بها ، الامر الذي قد يعرضها لسحب الثقة من مجلس النواب ، وفي معرض اجابته عن “كيف يعقل مسالة الحكومة بدون منحها ميزانية ؟ ” قال عقيلة ” ان اغلب المساءلات الواردة من النواب ليس لها علاقة بالجانب المالي ، وان معظمها تركز عن توحيد المؤسسات والذي لا يتطلب سوى إرادة وقرارات صارمة ، ناهيك عن انتقادات عن تعزيز الحكومة للمركزية بدل من العمل على تفتيتها ، وبخصوص الميزانية وعدم اعتمادها ، دافع عقيلة عن ذلك قائلا ” هناك ارتباك وتخبط من الحكومة في اقتراحها للميزانية ، والدليل تلك التعديلات المستمرة والمتكررة التي تُجرى على بنود الميزانية ، وإصرار الحكومة على ادراج بند التنمية ، رغم ان عمر الحكومة لا يسمح لها بتنفيذ أي برامج طويلة الاجل ، وكان من المفترض تركيزها على الأمور المتعلقة بحياة المواطن واحتياجاته الضرورية ” ، مضيفا بانه ” قد سمح للحكومة بالصرف بقانون 1/12 ” والذي يعطي الحق لها بالصرف حسب الميزانية السابقة كل شهر ، حتى يتم الاتفاق على الميزانية الجديدة .
والخلاصة ، ان العلاقة بين بين الحكومة ومجلس النواب لن تعود الى ما كانت عليه من تفاهم عند منح الثقة ، خاصة وان كل طرف حاول التمترس حول تحالفات تعزز من موقفه ، فتحالف ادبيبة مع محافظ ليبيا المركزي ( الصديق الكبير ) ، ورئيس ديوان المحاسبة ( خالد شكشك ) ، وبهذا يكون قد ضمن الجانب المالي والرقابي وهما ما يحتاجه في هذه الظروف ، اما عقيلة صالح فادرك مؤخرا بانه يجب ان ينهي خلافاته مع خليفة حفتر ليضمن دعم معتبر من المنطقة الشرقية .
خلاف واختلاف ظاهره تحسين ظروف المواطن ، والحد من معاناته ، وعدم السماح بتقسيم البلد ، وباطنه صراع على السلطة وعلى النفوذ ، حتى وان أدى ذلك الى تفتيت البلاد وتقسيمها فيما بينهم , وما بين هذا وذلك يخوض جزء كبير من الليبيين معركة بقاء يومية في وجه الازمات اللامتناهية ، تصورها مشاهد غير مسبوقة على شكل تسجيلات مصورة في اكثر من مكان لمواطنين ينتظرون في طوابير طويلة امام المصارف ، ومحطات الوقود ، يكابدون لتامين قوت يومهم ، يفاضلون في اولياتهم ، يعيشون بدون كهرباء لساعات طويلة على الرغم من اثقال الخزينة بمليارات بذريعة تامين الكهرباء ، اما من أصيب بكورونا ، فان اقصى امانيه الظفر بأسطوانة اكسجين عجزت المستشفيات الحكومية عن توفيرها ، رغم المبالغ الخيالية التي تم صرفها لهذا الغرض , وأصبحت وسائل التواصل الاجتماعي تعج بالنداءات اليائسة من اشخاص يبحثون عن اسرة وادوية واسطوانات اكسجين لمرضاهم ، ولسان حال الجميع يردد سؤالا لا يعرف أحدا الإجابة عليه : ماذا يحدث في البلاد ، والى اين تسير ؟
*كاتب ليبي

عن اليمن الحر الاخباري

شاهد أيضاً

مهندس طوفان الاقصى!

د. حسناء نصر الحسين* بعد مضي عام على ملحمة طوفان الأقصى نجح الكيان المجرم باغتيال …