زهير حليم أندراوس*
في ذكرى استقلال دولة الاحتلال، نعود ونُكرِّر للمرّة الألف: إسرائيل ليست دولتنا، وفلسطين مولدنا وموطننا، لا نشعر بأيّ انتماءٍ لعلم الكيان أوْ لأيّ رمزٍ من رموز هذه الدولة المارقة بامتياز، استقلالهم هو نكبتنا، وفرحتهم هو حزننا، في هذا اليوم الكئيب، نعود بذاكرتنا الجماعيّة إلى سلب فلسطين من قبل الصهيونيّة، والإمبرياليّة بقيادة رأس الأفعى أمريكا وربيبتها المملكة المُتحدّة ووعد بلفورها، وبتواطؤ، لا بلْ بخيانة أنظمةٍ عربيّةٍ، التي لم تألُ جهدًا في محاولاتها القضاء على أعدل قضيةٍ في العالم، قضية فلسطين.
ad
***
في هذا العام تحديدًا، نُحيي ذكرى نكبتنا على وقع مذبحة غزّة، التي ما زالت مستمرّةً منذ أكثر من سبعة أشهرٍ، عشرات آلاف الشهداء ارتقوا برصاص آلة الحرب الإسرائيليّة، المدعومة من الغرب “المتنوّر” ومن البعض الكثير من العرب، الذي وفّروا لواشنطن جسرًا بريًا لتزويد الكيان بالأسلحة والعتاد العسكريّ، وباعتقادنا أنّ المساعدات والمعونات الأمريكيّة للكيان أكثر من ذلك بكثير، فقد أعلنت تل أبيب وواشنطن رسميًا أنّ قسمًا من الأسلحة وصل إلى دولة الاحتلال من القواعد العسكريّة الأمريكيّة المُنتشرة بوفرةٍ في الوطن العربيّ، لذبح أطفال ونساء ورجال ومُسّني غزّة، وهذا هو التنسيق الأمنيّ الذي أفرزته ما يُطلَق عليها (اتفاقات إبراهام)، وهي اتفاقيات التطبيع بين إسرائيل وعددٍ من الدول العربيّة، والتي تمّت عام 2020 بمباركةٍ ووساطةٍ أمريكيّةٍ في عهد الرئيس السابق، دونالد ترامب.
***
للأسف الشديد هناك مجموعة بالوطن العربيّ التي حوّلت الأسرلة إلى صهينة، هكذا بدون لفٍ أوْ دوران، وتعريف الأسرلة أوْ الصهينة، هو القبول بالأمر الواقع، والسماح لمؤسسات دولة الاحتلال بكيّ الوعي العربيّ، وبالمناسبة، يُمكن تعريف الأسرلة بأنّها اعتراف بالدولة العبريّة، التي زرعتها الإمبرياليّة في الشرق الأوسط، وبعد مرور 76 عامًا، ما زال الجسم يرفضها، على الرغم من جميع العمليات والمؤامرات، التي شارك بعض العرب فيها، لتثبيت هذه الكيان الاستعماريّ على حساب أكبر جريمةٍ بحقّ الشعب الفلسطينيّ، الذي هُجّر وشُرّد من أرضه.
***
وعلى الرغم ممّا تتعرّض له غزّة، فإنّ العديد من الفلسطينيين والعرب أيضًا، يستثمرون المجزرة المتواصلة لتصفية الحسابات الفئويّة مع حركة (حماس)، التي شنّت في السابِع من تشرين الأوّل (أكتوبر) الفائت هجومًا مُباغتًا على إسرائيل أكّد بما لا يدعو مجالاً للشكّ بأنّ هذه الدولة التي أرعبت وما زالت تُرعِب العرب، اختُرِقت من قبل تنظيمٍ فلسطينيٍّ يستخدم حرب العصابات في مقاومته، ولا يوجد أيّ تكافؤٍ في القوّة بين جيش الاحتلال الإسرائيليّ وبين (حماس). وفي هذه العُجالة وَجَبَ تذكير الذين يُعانون من الذاكرة الانتقائيّة أوْ القصيرة أوْ الاثنتيْن معًا، من حقّكم، ربّما من واجبكم، انتقاد (حماس) وباقي التنظيمات الفلسطينيّة، ولكن لا يحِّق لكم أنْ تُوجّهوا سهام أحقادكم العمياء ضدّ الحركة في الظرف الحاليّ، لأنّ الانتقاد في هذا التوقيت، حتى لو كان بناءً، سيتحوّل بشكلٍ أوتوماتيكيٍّ إلى هجومٍ أرعنٍ، لا يخلو من الشماتة.
***
وغنيٌّ عن القول إنّ إسرائيل، التي صُعِقَت من هزيمتها النكراء في أكتوبر الفائت، ما زالت متماسكةً ومتعاضدةً، ولسان حال مُستوطنيها يؤكِّد مرّة تلو الأخرى أنّ الوقت الحاليّ لا يسمح بدقّ الأسافين أكثر ممّا هي موجودةً، كما أنّ حركة الاحتجاج التي عمّت الكيان حتى السادس من أكتوبر لمنع بنيامين نتنياهو من تحويل كيانه إلى دولةٍ توراتيّةٍ قائمة على تفوّق اليهود، اختفت عن الوجود منذ هجوم (حماس) المفاجئ، انطلاقًا من أنّ شقّ صفوف الإسرائيليين، كما يقولون، سيؤدّي لضرب المعنويات التي وصلت للحضيض، ونُورِد هذا الأمر لكي نُوجّه رسالةً حادةً كالموس لكلّ أولئك، الذين يُهاجمون (حماس)، أنْ يتعّظوا بالإسرائيليين، وينتظروا لكي يُهاجموا ويُحاسبوا مَنْ أخطأ بحقّ الشعب الفلسطينيّ، هذا إنْ كان قد ارتكب خطيئةً، وفق مزاعمهم. وللتنويه فقط فإنّ الاقتتال الداخليّ الفلسطينيّ في الفضائيات ووسائل التواصل الاجتماعيّ يخدم في نهاية المطاف أعداء شعبنا وأمّتنا، رغم إقرار إسرائيل بأنّ الفلسطينيين انتصروا عليهم في المعركة على كيّ الوعيْ، فلا تستدخلوا يا سادة الهزيمة.
***
شخصيًا، أرى من المُناسِب التوضيح بشكلٍ لا لبس فيه أنّني كعربيٍّ وفلسطينيٍّ، يعيش في الكيان، لا أنتمي لأيّ تيارٍ أوْ تنظيمٍ أوْ حزبٍ في فلسطين التاريخيّة و/أوْ في الوطن العربيّ، وأفكاري ومعتقداتي تمثلني أنا شخصيًا، وفقط أنا، ومن هنا لا بُدّ من التشديد على أنّ أفكاري تبعد ألف سنةٍ ضوئيّةٍ عن حركة (حماس)، إذْ أنّني أصبو لدولةٍ فلسطينيّةٍ عربيّةٍ وحُرّةٍ وديمقراطيّةٍ وعلمانيّةٍ، بمعنى الفصل التّام بين الدّين والدولة/ السياسة.
***
وختامًا، في ذكرى نكبتنا، وهي أبشع جريمة ارتُكبت على مرّ التاريخ، نقول لأولئك، وتحديدًا من فلسطيني الداخل، الذين يتشدّقون ويُردّدون “شو صاير علينا”، نقول لهم، ولا شيء صاير علينا، نعيش في جنّة عدن على الأرض. لعلمكم فقط، سلبوا أرضنا، هتكوا عرضنا، وأقعدونا على الخازوق الذي دُقَّ من شرم الشيخ إلى سعسع، ولكن، سيُقلَع، لأننّا كنّا هنا قبلهم، وحتمًا سنبقى بعدهم، فلسنا ضيوفًا في وطننا أوْ عابري سبيل، نحن الأصل، وما تبقّى لا يتعدّى كونه تقليدًا لن يتمكّن من مجاراة الأصلانيّة، ولو بعد حينٍ.
*كاتبٌ ومحلِّلٌ سياسيٌّ فلسطيني.
شاهد أيضاً
كشف المستور في كتاب الحرب المنشور!
محمد عزت الشريف* لم يكن طوفان الأقصى محضَ صَولةٍ جهادية على طريق تحرير الأقصى وكامل …