حماد صبح*
الحرب بطبيعتها صانعة مشكلات متوقعة مسبقا ومفاجئة ملحقا . وهذه هي حال الحرب العدوانية الشاملة التي تسلطها إسرائيل على قطاع غزة . فإضافة إلى المآسي والبلايا التي نجمت عن قتل وإصابة أكثر من مائة ألف مواطن من أبنائه ، وتدمير ما يقرب من 90 %من عمرانه ؛ نجمت مشكلات متعددة ومتنوعة وقاسية وهائلة الأضرار لحياة الناس في كل مجاليها . نقص مخيف في البضائع الأساسية ، والمواد الغذائية استتبع صعود القليل الموجود منها صعودا خرافيا عديم الشبيه في العالم .
القداحة التي كانت تباع قبل الحرب بشيكل واحد تباع الآن ب 25 شيكلا ، وقرص حبوب زيت السمك الذي كان يباع بأربعة شواكل يباع الآن بثلاثين شيكلا ، ولا وجود له في أكثر الصيدليات من فعل التشدد الإسرائيلي في منع إدخال البضائع إلى القطاع . وهذان مثالان فحسب يوضحان حال أسعار بقية البضائع الحيوية والمواد الغذائية والدوائية والحيوية الأخرى إن وجدت هو الجحيم المتنوع يفتح فاه واسعا لالتهام كل ما تسير به الحياة البشرية المعتادة . والبلايا لا تأتي آحادا .
العملة المتداولة مشكلة عوصاء ، ومثلما هو معلوم هي عملة إسرائيلية ، وأوقفت إسرائيل منذ اندلاع الحرب في 7 أكتوبر 2023 تزويد المصارف في قطاع غزة بأي عملة جديدة منتهكة الالتزام الذي يفرضه عليها القانون الدولي في هذه الحالة بصفتها دولة احتلال لقطاع غزة ولو بصورة ليست مباشرة . وإيقاف إدخال عملة جديدة زاد من وجود العملة الورقية التي قاربت البلى والتآكل خاصة في وسط الفئة النقدية بسبب الاحتفاظ بها مطوية على نصفيها مثلما هو شأن فئات العشرين والخمسين والمائة من الشواكل .
وكثف التجار والباعة ابتلال الطين ، وعمقوا نفاذ سوء الحال بامتناعهم عن قبول قطعة الشواكل العشرة المعدنية . في البداية تحججوا بوجود خدش مهما صغر في هذه القطعة أو تلك ، ومضوا في سبيلهم قدما ، فصاروا يرفضونها مهما كان حالها من السلامة والصلاحية . وهذا الرفض الكلي لها خلق أزمة معقدة في شراء البضائع . هذه القطعة مثلها مثل أي قطعة مالية صغيرة أو كبيرة لا استغناء عنها في سلاسة انسياب النشاط التجاري في كل مناحيه بين من يشترون ومن يبيعون . وما هي حال من لا يملك سوى هذه القطعة العشرية إن أراد شراء شيء صغير بها ؟!
ربطة خبز مثلا . هي ترفض الآن فورا . ونشطت الجهات المسئولة لحث التجار والباعة على قبولها ، فردوا على حثها بالمعصية والمراوغة ليتصل سوء الحال في السوق . ولم يُنهِ هذه المشكلة توكيد سلطة النقد الفلسطينية في رام الله أنها ملتزمة بقبول هذه القطعة . ويفعل التجار والباعة بالشيكل المعدني قريبا مما يفعلونه بها ؛ بالقطعة ، فيرفضونه إن وجد به خدش مهما كان صغيرا . مشكلات الحرب كثيرة وخطيرة ، وعدونا يودها هكذا لتكون معينا له في حربه النارية القاتلة والمدمرة للإنسان والعمران ، وكل من يضاعف هذه المشكلات كثرة وخطورة إنما يقاسم العدو في ما يريده وأن لم يقصد هذه الإرادة نية وغاية . الإيمان الصادق والوطنية الخالصة والفطنة الحذرة والحكمة المجدية في اختراع الحلول للمشكلات لا في اختراع هذه المشكلات .
الحلول تنفع الكل ، والمشكلات تضر الكل . وشريعتنا السمحاء المطهرة شريعة تيسير لا تعسير . ” يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ” ( البقرة : 185 ) ، و ” من يسر يسر الله عليه .” ، ” ولا ضرار ولا ضرار . ” ، وكلنا مستهدفون من عدونا شعبا ووطنا . من الناس من يبتدع للمشكلات حلولا ، ومنهم من يبتدع للحلول مشكلات ، فلنكن من الصنف الأول الذي يحبه الله _ تعالى ورسوله _ صلى الله عليه وسلم _ والمؤمنون المتقون .
*كاتب فلسطيني مقيم في غزة
شاهد أيضاً
كشف المستور في كتاب الحرب المنشور!
محمد عزت الشريف* لم يكن طوفان الأقصى محضَ صَولةٍ جهادية على طريق تحرير الأقصى وكامل …