ديمة الفاعوري*
يتصاعد التوتر بين الولايات المتحدة وإيران بوتيرة متسارعة، ما يضع المنطقة بأسرها على صفيح ساخن وسط تبادل للتهديدات والتصريحات الحادة، ومع تزايد المخاوف من اندلاع مواجهة عسكرية، تتعقد الحسابات السياسية والاستراتيجية لكلا الجانبين، حيث يترقب العالم ما ستؤول إليه هذه الأزمة التي تهدد الاستقرار الإقليمي والدولي.
في خطوة تعكس رغبتها في التصعيد الدبلوماسي، تقدمت إيران بشكوى رسمية إلى مجلس الأمن الدولي احتجاجًا على التصريحات التي أطلقها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ووصفتها بأنها “متهورة وعدائية”، معتبرةً أنها تشكل انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة، وأكد سفير إيران لدى الأمم المتحدة، أمير سعيد إيرواني، في رسالة رسمية، أن بلاده “تحذر بشدة من أي مغامرة عسكرية”، مشددًا على أن إيران سترد “بسرعة وحزم” على أي عمل عدواني، سواء كان من قبل الولايات المتحدة أو إسرائيل، إذا استهدف سيادتها أو سلامة أراضيها.
تزامن هذا التحرك الدبلوماسي مع تصريحات نارية من علي لاريجاني، مستشار المرشد الأعلى علي خامنئي، الذي أكد في مقابلة تلفزيونية أن إيران لا تسعى إلى امتلاك سلاح نووي، لكنها قد تجد نفسها مضطرة لذلك إذا تعرضت لهجوم أمريكي أو إسرائيلي. جاء ذلك كرد مباشر على تهديد ترامب في مقابلة مع شبكة “إن بي سي”، حيث قال: “إذا لم يوقعوا (الإيرانيون) اتفاقًا، فسيكون هناك قصف”.
هذا التصعيد الكلامي أثار ردود فعل متزايدة في طهران، حيث صعّد المرشد الأعلى علي خامنئي من نبرة التهديد خلال خطبة عيد الفطر، متوعدًا برد “قوي ومزلزل” على أي محاولة للمساس بإيران، كما استدعت وزارة الخارجية الإيرانية القائم بالأعمال في السفارة السويسرية بطهران، التي تمثل المصالح الأمريكية، لتقديم احتجاج رسمي، وأكد المتحدث باسم الوزارة، إسماعيل بقائي، عبر منصة “إكس”، أن “تهديد رئيس دولة علانية بقصف إيران يشكل انتهاكًا صارخًا لمبادئ السلام والأمن الدوليين”.
من جهته، حذر العميد أمير علي حاجي زاده، قائد القوة الجوفضائية للحرس الثوري، من تداعيات أي هجوم أمريكي، مشيرًا إلى أن “الولايات المتحدة تمتلك أكثر من 10 قواعد عسكرية في المنطقة، وتحتفظ بما لا يقل عن 50 ألف جندي”، مضيفًا: “من كان بيته من زجاج، لا يقذف الناس بالحجارة”، في إشارة إلى هشاشة الموقف الأمريكي في حال نشوب صراع عسكري مفتوح.
وتعود جذور هذه الأزمة إلى الاتفاق النووي الموقع عام 2015 بين إيران والقوى الكبرى، والذي فرض قيودًا صارمة على برنامج طهران النووي مقابل رفع العقوبات الاقتصادية. غير أن انسحاب ترامب من الاتفاق عام 2018 وإعادة فرض العقوبات أدى إلى تصعيد التوترات، حيث ردت إيران بتقليص التزاماتها النووية، مما زاد المخاوف الدولية من احتمال استئنافها لتخصيب اليورانيوم بمستويات عالية.
ورغم تهديداته العلنية، أعلن ترامب منذ عودته إلى البيت الأبيض في يناير/كانون الثاني عن استعداده للتفاوض على اتفاق جديد، لكنه لم يتراجع عن سياسة “الضغط الأقصى” التي تشمل فرض مزيد من العقوبات والضغوط الاقتصادية على طهران. في المقابل، أكد الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان أن بلاده لن تدخل في مفاوضات مباشرة تحت التهديد، لكنها منفتحة على الحوار غير المباشر عبر وسطاء، مثل سلطنة عمان، في حال توافرت ضمانات دولية تحفظ حقوقها ومصالحها.
في ظل هذا التصعيد الحاد، تبدو المنطقة أمام سيناريوهات متعددة، قد تتراوح بين استمرار الضغوط السياسية والاقتصادية، وتصاعد الأعمال العسكرية المحدودة، وصولًا إلى احتمال اندلاع مواجهة شاملة إذا خرجت الأمور عن السيطرة. ويبقى السؤال الأهم: هل تستطيع واشنطن وطهران تجنب الانزلاق نحو هاوية الصراع المسلح، أم أن المواجهة باتت مسألة وقت؟
مع استمرار الأزمة وتعقد الحسابات الدولية، يترقب العالم التطورات القادمة بحذر، إذ يمكن لأي خطوة خاطئة أن تشعل فتيل حرب ذات تداعيات كارثية على منطقة الشرق الأوسط والعالم بأسره ..
*كاتبة اردنية
