الثلاثاء , يناير 21 2025
أخبار عاجلة
الرئيسية / اراء / مهمة صعبة

مهمة صعبة

منى تركي
اليوم انتهيت من المهمة الأخيرة لي كمدرسة فيزياء للصفوف الثانوية. كانت تجربة متوحشة وأنا الأسعد ربما بانتهائها. لا، أنا لا أعني هنا أنني نادمة تجاهها، أنا فقط خضت فيما كان يتجاوز قدراتي، صدقاً!

التدريس وظيفة هي الأكثر تطلباً بين كل ما اختبرت من وظائف. خضتها طالبة طرية على وجه التخرج وهي ثنت عودي وشكلته في كل اتجاه. اختبرتُ مشاعر ومخاوف جديدة وتحديات ما كنت لأتوقع وجودها.

ربما هذا الأول بين سلسلة منشورات أنوي أن أوثق عبرها تجربة الثمانية أشهر الأكثر كلفة بين كل تجاربي؛ وقتاً، جهداً وأعصاباً.

على العكس من التدريس في الجامعة، ففي حالة معلم المدرسة ليس التحدي أن يقدم خبرته ومعارفه للطلاب. لا لا، بل التحدي الأهم أن يخلق لديهم اهتماماً بالتعلم أصلاً، وهذا ما لم يخبرني به أحد وتعلمته بالصدمة. كان قاسياً، أن أقف أمام جمع من الشبان والشابات الصغار الذين قد قرروا سلفاً ” أني غير مرغوبة” و”أنهم غير مهتمين ” وأساومهم في اهتمامهم!

تعلمت لاحقاً وبالطريقة الصعبة أن “خلق” الاهتمام سينجح مع أقلية، لكن على الأغلبية أن ينضموا لنادي المهتمين “عنوة”، بكل وسائل الضغط والترهيب. وأنا التي أؤمن أن الفيزياء ليست بذات القدر من الأهمية للجميع كان عليّ عملاً بواقع أن أهالي هؤلاء الطلبة قد دفعوا لنا ل”نكعف” أولادهم وبناتهم العلم أن أبتكر سياسات “تكعيف” حرصت على أن تكون ناعمة متى أمكن، وهذا ما لم أرتح له بالمرة.

سياسات “التكعيف” تلك تراجعت تدريجياً في المراحل التي استطعت أن أطوع فيها الإمكانات المحدودة لمختبر المدرسة أو أن أضيف عوامل بصرية أو أدبية للسياق العلمي الجامد. لكن كل ذاك، كله ما كان ليفلح مع طلاب ثالثة ثانوي.

ثالثة ثانوي امتثالاً للعادة كانوا قد قرروا أنهم لن يبذلوا مجهوداً هذه السنة، وطلبوا مني صراحة أن أتقبل الأمر الواقع وأتماشى مع شروطهم. عددهم كان الأكبر بين المجموعات الست التي درستها، وبعضهم كان ببدن يفوق حجمي مرتين. وكانت هناك مشكال صوتي الضعيف وسنّي الذي يقارب سنهم.

بذلت كل جهدي لأحرضهم على الدراسة، لكني مقتنعة أن كل جهودي لم تكن كافية. هناك ولابد بين كل الطرق التي لم أستنتجها طريقة معها لم أكن لألجاء لإعلان فشلي وأشرع في تطبيق الأحكام العرفية. لكني لم أصل لتلك الطريقة، ربما كنت أحتاج خبرة أكثر كثافة أو مسؤليات إلى جوار ثالث ثانوي أقل، لكنه كان الوضع. وضع من الضغط داخل المدرسة وخارجها معه إنتاجيتي تراجعت بالضرورة.

أنا أعترف أنني تعمدت بطريقة أو بأخرى لطرد/تطفيش الطلاب المضربين عن الدراسة ومصدر الإزعاج بغرض تخفيض عدد الحضور بحيث يحوي الصف أغلبية مهتمة فأسيطر على جمهوري وأبدع. لكني غير فخورة بهذا مطلقاً. وهنا أنا من فشلت وليسوا هم.

أيضاً يقول والتر ليون وهو أشهر محاضري الفيزياء فيMIT وربما في العالم أنه يحتاج بين ٤٠ إلى ٥٠ ساعة ليُحضر لمحاضرة واحدة بطول ٥٠ دقيقة. ٤٠ إلى ٥٠ ساعة تتخللها بروفاتين إلى ثلاث! و أنا كنت بين امتحاناتي الجامعية و وظائفي الأخرى أقدم ١٨ حصة دراسية بالأسبوع أحضر لها في أقل من ١٨ ساعة! وهنا فشلُ النظام الذي يضغط المعلم ويفترض أنه يعمل بدوام جزئي ولم يكن فشلي أنا.

وفي نهاية المطاف فأنا أعرف أني أثرت اهتمام بعض الطلاب وفضولهم، وربما هذا إلى جوار شعوري بالانتماء إليهم ما كان يدفعني للاستمرار. يقال أن هناك علاقة عميقة من الرحمة والإيثار تنشأ بين المعلم وصفه الأول، وال١٢٧ طالب الذين درستهم هذا العام كانوا صفي الأول الذي أحببت.

تعلمت معكم كم أنا قليلة خبرة ومحدودة تجربة، وكم هي معقدة ومنهكة مهنة التدريس. بالتفكير في كل الذين درسوني، فأنا أقدرهم وأجلهم اليوم أكثر.

و ربما أنا على يقين أكثر من أي شيء آخر أنني لن أعود مطلقاً للتدريس في المراحل ما قبل الجامعة، لميدان المصاعب ذاك أهله وأنا دونهم

عن اليمن الحر الاخباري

شاهد أيضاً

غزّة في اليوم التالي للعدوان!

د. فايز أبو شمالة* ما شكل اليوم التالي للحرب على غزة، ومن سيحكم غزة في …