شوقي اليوسفي
الجحملية حارة ابتلاها الله بعد سبعة اعوام من الحرب والشتات بعدوان فني سافر ، عدوان على هيئة عمل درامي لا قتل فيه ولا ذبح لكنه يشبه محاولة سحل تاريخ من الحكايات اللذيذة ، سوف نخوض هنا في تلوث درامي من العيار الثقيل ونتحدث عن حجم العفن وكمية السخافات في مسلسل ليالي الجحملية لكني وددت اولا لو اعرف ..
مالذي منع طاقم المسلسل من تصوير الأحداث في الحارة ذاتها ؟ ولماذا قفزوا الى العاصمة الأردنية عمان مع ان تعز أقرب وكان بإمكانهم ان يصوروا مسلسلهم في ازقة وشوارع الحارة ولن يعترضهم احد ؟
الجحملية حارتي ولن أدافع عنها بالشكل الذي يريده البعض فسكان الجحملية ليسوا انبياء لكنهم بالمقابل ليسوا – جميعا – شياطين ، واذا كانت حارات اليمن من صعدة الى حضرموت لاتخلو من وجود – مقرمطين وسكارى واصحاب سوابق فإن الجحملية لم تخل من هكذا اشخاص لكنها اختلفت عن سائر الحارات ان – صعلوك الجحملية – معجون بالقبح والجمال معا ، قد تجده مدمن حشيش لكنه يعرف المساحة التي يتحرك في محيطها ، يحترم الكبير ويجد دائما من يردعه ويعيده الى صوابه .. أقول هذا بمثابة الشهادة لتفاصيل عشتها على مدى اكثر من اربعين عاما ، لم يرفع أحدهم يده في وجهي ولم اضطر الى تقديم شكوى بمقرمط او بلطجي ، عشت بينهم ومازلت آمنا مطمئنا رغم عدوانيتهم مع من يحيك ضدهم المؤامرات ، كنت ادرك على سبيل المثال ان الاخ – ج أ م – الذي تلطخت يداه بمعارك عاشها مع حارات مجاورة لا يقوى على ان يرفع صوته في وجه مسن او يتحرش بفتاة او يتسلل لسرقة جاره ، كنا نعيش بينهم مذ خرجنا من بطون امهاتنا اصدقاء واحباء ، نخالطهم ونذهب اليهم متى مااحتجنا اليهم ويأتون الينا متى ما احتاجوا الينا ، لم اخش على حياتي قط وانا الذي كنت اعود الى بيتنا وسط الجحملية بعد منتصف كل ليل بسبب مناوبتي في صحيفة الجمهورية او لسهري في صحيفة نبأ ، كنت اعود ومعظم الايام اجد شبانا يتجولون في الحارة لكن – واقسم على ذلك ايمانا مغلظة – لم اشعر قط بالخوف منهم لثقتي بأنهم ليسو اشرارا ولا اولاد سوق ، يعرفون حدودهم مع الجار ويخشون ان يقال عنهم او ينظر اليهم على انهم طراطير او انهم بلا شهامة .
الخالي من الشهامة فعلا هو من يتعمد الان اهانة تاريخ الجحملية بمسلسل خال من اي دراما وليس فيه مايستوجب متابعته .
مسلسل ليالي الجحملية التي تعرضه قناة يمن شباب وليس فيه من يؤدي دور البطولة على الرغم من وجود طاقم من الممثلين – الذين نعدهم كبارا – تعمد تشويه حارة الجحملية ليس على وجه التحديد في الدور المنوط بالزميل عبدالكريم مهدي الذي يؤدي دور لص ومعه صهره سعد الخفيف وانما في كونه اغفل هيبة هذه الحارة بمن عاش فيها من قامات اكاديمية وتربوية وادبية وثقافية وعسكرية وطبية وانسانية ، كاتب المسلسل اعطى نفسه الحق في ان ينقل للناس صورة مشوهة عن حارة توارث الناس فيها منظومة قيم ومبادئ فكانت على مدى التاريخ مصنعا للرجال رغم ماكان يعتمل فيها من احداث فوضوية .
يؤدي – فنان الكعب – فهد القرني في مسلسل ليالي الجحملية دور الفقيه الذي ما ان يصحو الى ان يهجع الى مضجعه يتحرش بمن يلتقيهن من نساء الحارة نهارا جهارا واحيانا يتحرش بهن في منامه ، لايفقه فهد ان دوره بالمسلسل ومشاركته في تأليفه يسيئ اليه ويضعه في مقدمة من نتهمهم بإنتهاك حقوق سكان حارة يعرفون قدر أنفسهم ويرفضون بشكل قاطع ان تقحم حارتهم في صراع سياسي عفن واما وسيم القرشي كاتب القصة ربما لم يحالفه الحظ في ان يعيش في الجحملية وإلا كان استبدل دور عبدالكريم المهدي كلص الى دوره كأديب وشاعر او كطبيب انسان ، انا لا اقول ان الجحملية خلت من اصحاب السوابق لكن المسلسل ركز على استحضار قبح من كتب القصة فحاول ان يبعث رسائل مستوحاه من خياله العفن ، كان الأولى بوسيم القرشي وفهد القرني ان يمزجا بين صور عدة فكما عبثا بدور الفقيه فاقد الاخلاق كان يمكنهما ان يأتيا بشخصية مرادفة له تعكس حقيقة وجود اباء في الحارة كانوا على قدر كبير من الادب والاتزان والشهامة .. لو ان فهد ووسيم والجبوري كانوا جيرانا للاستاذ المربي المرحوم اسماعيل الكبسي مدير مدرسة الكويت او لعبوا مع اولاد المرحوم محمد القصوص او تقاسموا الرغيف مع اولاد الدكتور عبدالله الذيفاني او حتى تهاوشوا مع اولاد الحميضة او لعبوا كرة القدم مع اولاد الصنعاني والعذري او استمعوا لنصائح الوالد يحيى المرتضى او اصطفوا في مسجد العرضي مع اولاد الوالد عباس السراجي او صادقوا اولاد المرحوم يحيى ذيبان او غطسوا في بركة حسنات مع اولاد السنفي ودوس ومجلي ، لو كانوا عاشوا هكذا تفاصيل مع بيوت لها مكانتها – الحدي والشرعبي والحميري والروضي والرضمي والملاحي واليمني واليوسفي والحمامي والنزاري والطوقي والكوكباني والبعداني واسحاق والجنيد ونهشل والهمداني والوتيري والوزير والعراشي وطواف وعجلان والقوسي والدميني والنودة وسنهوب والخالد وتقي وطميم وقحيط والأهنومي والسقاف والبيضاني والحسني والعبداني والشهاري والرازي والمليكي والحاشدي والظرافي والعروسي والقريطي والسلامي والدرة والهنومي والمهتدي والمنتصر والموشكي والنعمي والقباطي وخليل يوسف وغثيم والشرعي والسمة والحارثي والعاقل والبهلولي والدعكري والشامي والقدسي والشخصي والابي والاهدل ووابل والغالبي ومحرم وجمال والحذيفي والعزي والارياني والسري والقحطاني والحميقاني والنونو والكتف والطيري والصلوي والمروني والغضراني والصنومي والبركي والمقدشي والشراعي وكامل والعسولي والزوم والمسعودي والرجوي والشيباني والصلاحي والخباشي والروحاني والوشلي والعامري والمصنف والجرموزي والظفري والغيثي والمخلافي والذاري وتقي والعريقي والريمي والحيمي والمجاهد والثور والعنسي وزباره وشرف الدين والنخيف والاشول والانسي والقاضي والمحيأ والشلالي وحمرة والعديني وجحاف والغرباني والصبري والعبسي والخولاني والزواحي وحبيش والمراني – وبيوت اخرى لاتحصى من كل مناطق اليمن لو عاشوا معهم في حارة واحدة لكانوا عرفوا معنى التعايش والتناغم والتجانس والتراحم والتلاحم وادركوا ان الجحملية لم تكن مجرد حارة بل هي جمهورية من الثقافات عاصمتها النخوة وعزة النفس .
لو كنت واحدًا من طاقم فريق مسلسل حارة الجحملية ولمست مدى خبث ثلاثي العفن وسيم وفهد والجبوري لكنت اعتذرت عن المشاركة في جريمة لن تغفر لنخبة من الممثلين قبلوا ان يشوهوا انفسهم بإدوار تهريجية وبمسلسل لا هدف له سوى النيل من تعز عبر حارة كانت ومازالت خلاصة اليمن في الوطنية والتاريخ والحضارة وكل الحسابات والمعادلات السهلة والمعقدة في آن واحد .
فهد القرني اطلق على نفسه – فنان الشعب – لا ندري من يقصد بالشعب الذي يرى فيه فنانًا يجدر بهم احترامه ، انا واحد من هذا الشعب لكني لا احترم فنه لأنه لم يك فنًا خالصًا وانما عفن سياسي مقيت ، ثم قرأنا في مقدمة المسلسل اسماء بقية طاقم التمثيل فلان الفنان القدير وفلانة الفنانة القديرة وفلان نجم الغناء وفلان نجم اليوتيوب وفلان نجم الكوميديا ، ماشاء الله نجوم بوزن سالي حمادة ونجيبة عبدالله وصلاح الاخفش وعبدالكريم مهدي من المعيب جدا ان يكون المال وحده من دفع بكم لقبول ادوار سمجة ، ادوار تتنافى مع كونكم اسماء كبيرة ماكان لها ان تربط تاريخها المهني الناجح بمسلسل لا يقل دموية عن ماتعرضت لها حارة الجحملية من قتل وتشريد وعنف خلال سبعة اعوام من الحرب المدمرة .