هدى الهرمي
شكّلت الترجمة عبر العصور جسرا للتواصل بين الأمم و وسيلة لاكتشاف الحضارات المختلفة، كما تٌعدّ اداة مهمة لمواكبة مختلف الثقافات ومجاراة الحركة الفكرية والكونية.
ونظرا لهذه الأهمية، تأسست المنظمة العربية للترجمة سنة 1999، وساهمت في نقل باقة من المراجع والكتب القديمة من لغتها الأم الى اللغة العربية، مع سعي حثيث لتحقيق قفزة نوعية في حركة الترجمة ونشر الفكر الانساني والتراث العالمي.
لكن في الآونة الاخيرة، تطلّ علينا الترجمة من باب الأدب العالمي عبر مظلّة النصوص السردية، لتتأبط ثقافة اللغة المنقولة لرواد الفكر والفلسفة والأدب عبر التاريخ. بل باتت ملفتة وجاذبة لحركة أدبية مكثفة، صاغها البعض من المترجمين باحترافية عالية وذائقة تفاعلية في ابراز تلك الديناميكية اللغوية والمعرفية لنقل اعمال أدبية فريدة من نوعها.
الا ان ما يثير التساؤل هل نحن في حقبة ازدهار الترجمات بما يدفعنا لتوقّع ان يزدهر معها الأدب؟
يقول المفكر والناقد الامريكي جورج ستاينر ” لولا الترجمة، كنا سنعيش في مناطق يحاذيها الصمت”.
هكذا يرتكز معنى الترجمة في الاستكشاف ونسج ذلك التوجه نحو قراءة الثقافة كوسيلة رئيسية في رصد العالم بمنأى عن الانزواء والتقوقع، من خلال بوابة النصوص الأدبية المترجمة وعبر منافذ المعرفة.
ويعتبر اليوم العالمي للترجمة، الذي يصادف يوم 30 سبتمبر، اعترافا بالمكانة العالية لهذه المهنة التي باتت كفيلة باكتساح العولمة كعمل فنيّ يتطلب الفعل الجادّ والحنكة، لتكريس طروحات ادبية تتم من خلالها قراءة العالم وتفسيره .
كما يضاعف من أهمية الترجمة ذلك الأثر الذي أحدثته “الترجمة التحريرية” خاصة، ومازلت تحدثه في تسليط للضوء على التقاطعات الثقافية وصيغة التبادل من خلال الأدب العالمي. ولعل افضل نموذج لهذا التوجه “سلسلة ابداعات عالمية” الصادرة عن المجلس الوطني للثقافة و الفنون والآداب بدولة الكويت، و دور النشر العربية المختصة، فكانت الحاجة الى مؤتمرات دولية تكون قطب الرحى فيها موضوعات تتشعّب من خلالها الاسئلة، واطروحات مختلفة في رصد لأهمية الترجمة والحاجة الى مزيد الاستكشاف والبحث في مجالات اللغة والأدب.
ان حركة الترجمة واسعة وملموسة، خاصة في الجنس الأدبي السردي من قصة قصيرة ورواية، مقارنة بصنوف اخرى
كالشعر والمسرح، لكنها تظلّ امرا تخصصيّا يشترط المهارات اللغوية والمؤهلات العلمية، بقطع النظر عن كونها ممارسة ثقافية ونقل للمعارف، بل انها تتلقف الابداعات الادبية العالمية بصفتها النوعية وما خلفته من أثار وأصداء،
اذ يحضر غالبا فعل التقصّي والتمحيص والانحياز للذائقة.
في هذا السياق يقول المفكر السوري انطون مقدسي :
” كل نصّ في اي لغة مكتوبة يتميز بالاتساع والكلية وله خصائص المحلية والقومية، فصعوبات الترجمة لا تكمن في نقل الكلّ المشترك بين الناس، انما في نقل الفريد من نوعه”.
لطالما احتلت الروايات المترجمة مكانة خاصة لدى القارئ العربي، كما لاقت اهتمام النقاد لما تتسم به من تسويق لروائع الأدب العالمي مع اختلاف طرق التلقي، و يبدو ان البعض من قرّاء الرواية يغفل عن مجهود المترجم وبراعته كوسيط معرفي. وغالبا ما يظهر اسم المؤلف متوهجا، وذو الوزن الثقيل، رغم ان المترجم يٌعدّ كاتبا باقتدار في مراعاته لروح العمل الروائي الأصلي وتوغله العميق في افكار صاحب النص مع استيعابه لمجمل التفاصيل. ومن ثَمّ، التعامل مع الجانب الإبداعي/الجمالي وتفعيل اللغة في تشكيل النص الادبي المترجم.
يتجلى هذا العنصر المهم فيما ذكره الروائي والمترجم الاسباني خافيير مارياس ان المترجم كاتب متميز يملك فرصة ان يعيد كتابة الروائع بلغته.