الأربعاء , سبتمبر 18 2024
الرئيسية / اراء / فلسطين ..والنهضة الشاملة

فلسطين ..والنهضة الشاملة

سعود بن علي الحارثي*
هل تحتاج القضية الفلسطينية إلى شرح وتفنيد وتأكيد؛ لكي تستعيد مكانتها ومركزيتها ومحوريتها وأولويتها فتجري من جديد مجرى الدم في قلوب المسلمين والعرب، وفي فكرهم وحياتهم وشعورهم اليومي؟ في الدفاع عنها سياسيا وإعلاميا وعسكريا، والتركيز عليها في المناهج والمنابر، والهتاف باسمها ومواصلة السير والعزم والإرادة دون كلل وكسل وعجز ووهن؛ لضمان أن يسلم كل جيل الراية والمسؤولية لمن يأتي بعده إلى أن يتحرر كل شبر من أرضها المقدسة؟ هل نحتاج إلى آليات عمل مشتركة وخطط وبرامج وتضحيات وتوظيف وجهود ومساهمات واضحة وملزمة تتوافق مع فكر وثقافة الأجيال وتطورات العصر، وتعبِّر وتؤكِّد وتعزِّز وحدة وتماسك الأمة من أجل تعميق الوعي والإيمان بالمبدأ، ولتكون القضية الفلسطينية في مقدمة هذا المبدأ أو الثابت الذي يلزمنا بمسؤولية الوفاء بتحقيقه، في إنقاذ وتحرير المسجد الأقصى والتراب الفلسطيني؟ هل تكفي الشعارات والتغريدات والمقالات والنصوص الإبداعية بمختلف أشكالها وألوانها والتضامن الشعوري المعلن لتحرير فلسطين من الاستعمار؟ هل يمكن الارتهان والارتكان والتعويل على الشعوب فقط لتحقيق النصر على إسرائيل بعيدا عن تدخلات الأنظمة السياسية العربية وإسهامها في العمل التعبوي؟ ألا تحتاج فلسطين إلى أسلحة متطورة وجيوش مدربة ودعم مالي سخي لإحداث تحوُّلات حقيقية وانتصارات ملموسة على الأرض؟ لا شك أن التلاحم والتعاون والتنسيق واستثمار الأطراف الفاعلة، وإدخال كل الأسلحة والأدوات والوسائل والتقنيات والجهود، شرط أساسي للتفوق والنجاح والاستمرارية بذات الفاعلية والحماس والإيمان، ما هي التحوُّلات التي طرأت على مسار ووضعية واهتمام المسلمين بالقضية الفلسطينية؟ وهل تراجع وخمد هذا الاهتمام أو تقدَّم وتعزَّز وتعمَّق؟ لا بُدَّ للإجابة على هذا السؤال من العودة إلى الوراء لعقدين من الزمن، للكشف عن الأحداث والتحوُّلات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي شهدتها الساحة العربية وانعكاساتها على انفراج أو تأزُّم الملف الفلسطيني، تراجعه أو تقدُّمه وتلمُّس موقعه الإقليمي والدولي ضمن القضايا الإسلامية والعالمية. لقد شهدت البلدان العربية صراعات داخلية، وتدخلات خارجية، وحروبا إقليمية، وانقسامات ومقاطعات وثورات شعبية وظروفا اقتصادية خانقة.. قادت إلى المزيد من الضعف والتراجع والتخلُّف والفقر، وهجرة ملايين العرب إلى أوروبا وأميركا وآسيا.. والانشغال بالشأن الداخلي وقضاياه وهمومه ومشاكله حلَّت في المرتبة الأولى متقدمة على “قضية العرب الأولى” فلسطين، كما شكَّلت الانقسامات الفلسطينية ـ الفلسطينية حول “مبادرات السلام” و”حل الدولتين” “والتعايش بين الفلسطينيين والإسرائيليين”…على مستوى القيادات السياسية وفصائل المقاومة والمجتمع الفلسطيني بشكل عام ـ شكَّلت ـ ضغوطا عميقة وانعكاسات سيئة وضارة على قدسية الحقِّ الفلسطيني وقضيته العادلة بشكل عام. هذا جانب، ومن جانب آخر فإن توالي الحروب العربية الإسرائيلية في الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي، وسلسلة ثورات الشعب الفلسطيني المتلاحقة وأزمات مبادرات السلام التي لم تؤدِّ إلا إلى المزيد من المكاسب والانتصارات الإسرائيلية والتخاذل والانكسارات والانقسامات العربية الفلسطينية عزَّز الشعور بالإحباط والانكماش والضعف في الإنسان العربي، الذي فقد الأمل في التغلُّب على أزماته… لقد “خرج العراق ضعيفا” جرَّاء الغزو الأميركي، و”تقلَّصت عودته كدولة” ذات نفوذ قوية في المنطقة وداعمة للقضية الفلسطينية. ولم تحقق ثورات الربيع العربي أهدافها في قيام أنظمة سياسية ديمقراطية قادرة على إحداث التطور واللحاق بالركب الحضاري، وتحقيق تطلُّعات الشعوب العربية في مستقبل مزدهر مشارك في التقدُّم الإنساني، وفي ثوراته العلمية والصناعية والتقنية. لقد أدت هذه الثورات إلى صراعات وحروب عنيفة داخلية في كل من ليبيا وسوريا، وإخفاقات سياسية واقتصادية في مصر والسودان، وأزمات في دول أخرى. كما أضافت الحرب على اليمن، والمقاطعة الخليجية ـ الخليجية إلى المزيد من التدهور العربي الذي أضرَّ كثيرا بدعم القضية الفلسطينية. إن الثورة الحالية التي تشهدها فلسطين وصلابة الموقف الفلسطيني والروح المتوقِّدة التي عبَّر عنها، والتضحيات الضخمة التي قدَّمها عمَّقت الإيمان بقضية العرب الأولى وبالحقِّ الفلسطيني، وعزَّزت الآمال بأن يستعيد العرب مكانتهم المشرفة في الخريطة العالمية، وبأن تحدث ثورة فلسطين تحوُّلا في المواقف، ودرسا يستوعبه العرب في إصلاح مواقفهم وشؤونهم، وتحفيزهم على تحقيق وحدتهم التي طالما تغنَّت بها الشعوب على مدى أكثر من نصف قرن. ما نتطلع إليه ونتأمله أن يتحقق ذلك فعلا على أرض الواقع، وأن تقودنا فلسطين إلى نهضة سياسية وعلمية وفكرية حضارية.
نقلا عن الوطن العمانية

عن اليمن الحر الاخباري

شاهد أيضاً

حزب الله والكيان!

د. ميساء المصري* يقال في علم السياسة أن الأحداث تغير مجرى التأريخ .ومن الصعب التيقن …