سارة البريكية*
الأضواء والشوارع الباهتة، أعياد الميلاد الحزينة، شحوب الممرات، أنفاس الطرقات الثكلى بالذكريات الجميلة، رياح تهب وصوت منبه الوقت في هاتفي، إنها رنة التذكير بالمواعيد وباللحظات السعيدة وبالأعمال المكتظة وبالأسى. وجهك الملائكي ونظرات عينيك الساحرتين وابتسامتك الخجولة، خرجت من منزلي بعد أسبوع.. ولم أكن ككل المرات التي كنت فيها سعيدة أو حزينة أو لا أدري كيف أصف مشاعري، ولكن الحقيقة المرة أن ذلك الذي كان كأنه لم يكن كما أردت أنت ولكن بالطريقة التي أرادها الله لنا أن ننفذ التعاليم السماوية، أتدري أين أخذتني أفكاري، وذهبت مسرعة إليك ووجدتك ذلك الحزين الذي لم تأنف مساعدة الجميع، وحمل همومهم وبعثرة الجروح من فوق كراسيهم، كنت نعم الإنسان الذي يُحاول جاهدًا المضي قدمًا رغم مرارة ما تعيشه ووحدتك القاتلة!
كنت تخاف عليَّ كثيرًا من كورونا، وكنت تخاف من أي شيء يصيبني ولكن في يومٍ ما وقبل أقل من عام أُصبتُ بالكورونا وحاولنا جاهدين التغلب عليه، وفعلت ذلك وانتصرت بحمد الله بعد مضي ثمانية أيام من الحمى التي أكلت حرارتها جسدي المثقل بالألم. كانت تلك الأيام رغم ما أمر به، وخوف الموت الذي يلوح في الأفق حيث إنَّ كورونا وقتها كان في أشده كانت جميلة ومخيفة تجربة أنك لا تشم ولا تتذوق الأشياء مخيفة وعجيبة وغريبة.. أذكر مرة قد قلت لأختي منى أن تعد لي عصير البرتقال، فأحضرته لي وعندما شربته أخذت أقول ما بال هذا العصير، واعتقدت أن منى لا تعرف طريقة إعداد العصير، لكنني نسيت أن كورونا متوغل بي وأنني لا أتذوق شيئاً.. في آخر مرة شممت عطرًا لكنني لم أشمه جيدًا، وقلت لك لا رائحة في هذا العطر، وأنت قلت لي إنه أصلا لا توجد به رائحة.
كنت ترتدي الكمامة وكنت من الناس المحافظين على الالتزام بالوقاية من هذا الوباء ولكن النهاية قد سطرت في اللوح المحفوظ لا مفر منها.. يجمع الموت حقائب سفره بين الفينة والأخرى يُغادر هذا ويودع ذلك وهو في ازدياد مستمر يخطف الأرواح وتتساقط الأوراق وتنتهي الفصول ويبهت الخريف وتحين لحظة الفراق الأبدية التي يجب علينا أن نعيشها لا محالة أردنا ذلك أم لا هي اللحظة الحاسمة، أتصدق أن ما نعيشه هذه الأيام وفي الأسبوع الأخير بالذات يرحل الكثيرون تباعًا، وتمتلئ المستشفيات، وتضج بالمصابين فقد حلَّ الفطر الأسود كم هذا الشيء مخيف وكم أن الموت بسيط وسريع وعاجل، ونحن نبقى لاهون في الملذات غارقون بالأمنيات، تائهون في الممرات غائبون عن الوعي والإدراك حتى تحين تلك اللحظة أو عندما نتلقى صفعة على الوجه وقد فات الأوان. إن حكومة سلطنتنا الحبيبة كانت ولازالت في مواجهة هذا الوباء الخطير، فقد حثت وتحث المواطنين ممثلة في اللجنة العُليا على اتباع أقصى درجات الحماية، وأقصى درجات التحذير وأقصى العقوبات على المخالفين، هنا السلطنة تضرب لنا مثالًا رائعًا في الالتزام حيث القوانين والأنظمة مع متغيرات هذا الكوفيد الذي يتطور ويتحور سريعًا ويحصد مئات الأرواح. إن علينا الآن وفي هذا الوقت الحرج الوقوف صفًا واحدًا، درعًا حصينًا منيعًا ضد هذا العدو الجاثم، علينا الالتزام والتآزر، وتنفيذ قرارات اللجنة العُليا حرفيًا، وبإذن الله إننا جميعاً منتصرون وناجون منه. لا يسعني في هذا المقال إلا أن أتقدم بالشكر الجزيل لمعالي وزير الصحة الموقر الدكتور أحمد بن محمد السعيدي على ما يبذله منذ بداية هذه الجائحة فكلمة شكرًا قليلة في حق هذا الرجل العظيم.
حفظكم الله جميعاً ودمتم سالمين.
*نقلا عن الرؤية العمانية