اليمن الحر الاخباري/ وكالات
بقلم: كوسا كامارا*
يعرف مضيق باب المندب ثاني أكثر المنافذ تردداً في العالم في اللغة العربية أيضا باسم “باب الدموع” وذلك في إشارة إلى الكم الهائل من المخاطر التي تخيم على طريق الملاحة الممتدة على طول هذا المضيق.
يشكل هذا المضيق جزءاً من حلقة الوصل بين البحر الأبيض المتوسط وجنوب شرق آسيا, ونتيجة لذلك, يمكن تفسير ماهية الميزة الاستراتيجية لموقع مضيق باب المندب بوصفه رابع أكبر ممر بحري في العالم.
وعلى وجه التحديد، فيما يتعلق بإمدادات الطاقة التي تعتمد عليها أغلبية كبيرة من البلدان الغربية وما يسمى بدول عدم الانحياز، مثل روسيا والصين.
ولا شك أن مضيق باب المندب إلى جانب كونه أحد أهم الممرات البحرية في العالم، فهو المكان الوحيد لاستقبال عدة قواعد عسكرية للبلدان المتنافسة, وعلى هذا المضيق تتواطأ كتلتان ونماذج مضادة: إجماع واشنطن وبكين.
تجدر الإشارة إلى أن مضيق باب المندب لم يجذب الانتباه إلا في الآونة الأخيرة, كما وقد شجعت الهجمات التي استهدفت الولايات المتحدة الأمريكية في 11 سبتمبر من العام 2001, على تغيير ميزان القوى في المنطقة وفي جميع أنحاء المنطقة على حد سواء.
الاستفادة من استراتيجيتها لمكافحة الإرهاب، ولاسيما في الصومال واليمن (بلد منشأ تنظيم القاعدة بزعامة أسامة بن لادن, الرجل السابق الأكثر طلباً في التاريخ) والقرصنة البحرية (لحماية السفن التي ترفع العلم الأمريكي) عملت إدارة الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن على إنشاء قوة العمل المشتركة الموحدة في القرن الأفريقي بدعم من وزارة الدفاع.
تقوم هذه القوة المتمركزة في جيبوتي منذ العام 2002, على وجه التحديد في معسكر ليمونييه، بتعبئة أكثر من 4 آلاف جندي من مشاة البحرية الأمريكية (تحليل استراتيجيات التأثير القائمة على الردع العسكري).
جيبوتي من أهم المنصات اللوجستية في العالم:
ومنذ إنشائها, شاركت القاعدة العسكرية- رأس جسر قيادة أفريقيا الأميركية- في تدريب عدة جيوش من بلدان منطقة شرق أفريقيا، كما جعلت من هذه القاعدة منطلق لشن غاراتها الجوية بواسطة الطائرات بدون طيار التي تستهدف معاقل تنظيم القاعدة وحركة الشباب المتشددة في ظل إدارة الرئيس بارك اوباما.
أعقب ذلك إنشاء القاعدة العسكرية اليابانية في العام 2011, مع أكثر من 180 جندي.
وفي العام 2017, تم إنشاء القاعدة العسكرية الصينية (الأولى من نوعها في الخارج) في منطقة أوبوك، شمال جيبوتي, حيث تعتبر هذه القاعدة قادرة على استيعاب أربع غواصات هجومية تعمل بالطاقة النووية.
وفي الوقت نفسه، عملت الحكومات الإيطالية والألمانية والإسبانية أيضاً على إيجاد موطئ قدم لها في المضيق.
كما توجد وحدات من الخبراء الذين يتداولون كجزء من عملية أتلانتا- وهي عملية عسكرية حالية تقوم بها القوة البحرية التابعة للاتحاد الأوروبي تهدف إلى منع ومُكافحة أعمال القرصنة قبالة سواحل الصومال- لمكافحة القرصنة البحرية.
غير أن اقدم إن لم تكن أول قاعدة عسكرية أجنبية تستقر في جيبوتي، هي القاعدة التي أنشأتها البحرية الفرنسية منذ العام 1969, وهذا مبرر تاريخيا، لأن فرنسا من أوائل الشركاء الثنائيين لجيبوتي.
وقد تم إنشاء هذه القواعد العسكرية جنبا إلى جنب تقريبا في جيبوتي, كما يعتبر هذا البلد واحد من أهم المنصات اللوجستية في العالم، بسبب واجهتها البحرية التي تطل على البحر الأحمر وخليج عدن بطول 370 كم.
كل هذه القواعد العسكرية تدفع الإيجار للحكومة الجيبوتية:
– 58 مليون دولار سنوياً من الحكومة الأمريكية.
– 30 مليون يورو من الحكومة الفرنسية.
– 20 مليون دولار من حكومة الصين.
– 3.5 مليون دولار من حكومة اليابان.
وهو ما يعادل ما يقرب من 10% من الناتج المحلي الإجمالي للبلد, بالإضافة إلى أننا نتحدث عن “أعمال القواعد العسكرية”.
وإلى الغرب من المضيق، على بعد 150 ميلا فقط من جيبوتي، أنشأ البريطانيون في السابق محطة للفحم في عدن لدعم مصالحهم العسكرية والتجارية في منطقة القرن الأفريقي والمحيط الهندي.
وعلى وجه التحديد، طبقاً للمعلومات الواردة في صحيفة “واشنطن إكزمينة- “Washington Examiner, فإن البريطانيين كانوا يعتمدون على الرياح والفحم قبل أن يقوم ونستون تشرشل (ضابطاً شاباً في البحرية) بتحويل اعتماد القوات البحرية البريطانية إلى النفط.
ولتزويد السفن بالوقود، كانوا بحاجة إلى محطات الفحم والإمدادات, وهذا أحد الأسباب التي دفعت شركة الهند الشرقية البريطانية، في يناير من العام 1839, إلى توطين قوات مشاة البحرية البريطانية في عدن، ولهذا احتفظت المملكة المتحدة بالمدينة والأراضي المحيطة بها لما يقرب من 130 عاما.
كل القوى الكبرى لديها طموح لتكون قادرة على العمل في منطقة مضيق باب المندب, حيث جعلت قناة السويس منه واحد من أكبر الاختناقات البحرية الاستراتيجية في العالم و المتاخمة لجيبوتي.
والواقع أن إيران سعت إلى الاستقرار في جيبوتي، ولكن الضغوط الأميركية على الحكومة الجيبوتية أدت إلى إفشال المشروع.
طلبت روسيا والهند من الحكومة الجيبوتية إنشاء قواعد عسكرية لهم على الأراضي الجيبوتية غير أن الطلب تم رفضه في النهاية.
ومن جانبه, فسر الرئيس الجيبوتي، إسماعيل عمر غيلة، هذا الرفض بأن بلده يضم بالفعل ما يكفي من القواعد العسكرية.
وبالإضافة إلى ذلك، تحاول جماعات الضغط السعودية التفاوض ايضاً على إقامة قاعدة عسكرية تابعة للبحرية الملكية السعودية.
وقد تنجح هذه المفاوضات أو قد لا تنجح، نظراً لكون الصين “تملي أوامرها” على الحكومة الجيبوتية، وبالتالي فإن كل شيء سوف يتوقف على أجندتها.
* كوسا كامارا: متخصص في الاستخبارات الاستراتيجية والقوة الناعمة وإدارة الأزمات, مهتماً بالتأثير والاجتهاد الواجب والحرب الاقتصادية, عمل بالقطعة في وكالة اتصالات عامة قبل أن ينضم إلى وزارة التعليم العالي والبحث العلمي الغينية في العام 2017, كمساعد مسؤول الاتصالات والعلاقات العامة.
ترأس القطب الشبابي لمنطقة غرب إفريقيا في “معهد الدراسات العليا للدفاع الوطني- IHEDN”, عضو في “معهد الدبلوماسية المفتوحة- Open Diplomacy.
حاصل على إجازة مهنية في الاتصالات التجارية من المعهد العالي للمعلومات والاتصالات في كونتيا, غينيا, وعلى إجازة في اتصالات المعلومات من جامعة باريس نانتير وماجستير في استراتيجية الاستخبارات وتحليل المخاطر والأراضي من جامعة جوستاف إيفل.
موقع “بوختاي انتيلجونس افغيك- portail-intelligence-afrique” الفرنسي
* المادة الصحفية تم ترجمتها حرفياً من المصدر وبالضرورة لا تعبر عن رأي الموقع