حسن الدولة
المنافقون هم من يحول الحكام والزعماء من رجال افذاذ متواضعين إلى طغاة مستبدين، وعلى سبيل التمثيل فقد كان “استالين” يصنع الشعارات التي تمجد “لينين” ويغالي في طباعة الصور والاشارات والنياشين واللوحات والتماثيل، وتسمية مدينة “سان بطرسبورغ” بأسم “لينين” وهي المدينة المعروفة اليوم ب: “لينينغراد” ويقوم بطباعة خطب الرفيق “لينين ، حتى تحولت “الماركسية” ألى “لينينية”وكان لينين يدرك خطورةما يقوم به “استالين” فكان يحذر منه بل واوصى بألا يتم اتتخابه خلفا له.
لكن “استالين” كان قد رتب لنفسه وصار الحاكم الفعلي قبيل وفاة “لينين” فانتقلت السلطة إليه بكل سهولة وبساطة، وفي الصين تبنى مجموعة من المنافقين تأليه “ماوتسي تونغ” وصارت الماوية الماركسية منافسة للينينية الماركسبة، ومن هؤلاء المنافقين “جيانغ كينغ” الذي كان احد عصابة الاربعة, إلا ان “ماو” قد تمكن من تمهيد الطريق أمام “هوا جيو فينج” ليتولى من بعده زعامة الحزب الشيوعي الصيني ورئاسة جمهورية الصين الشعبية، فأثار هذا حفيظة المنافقين فحاولوا الانقلاب على “هاو” ففشلوا وتمكن “هاو” ثورته الثقافية بنجاح.
وغني عن البيان بأن الحكام وزعماء الدين بشر يحبون الاطراء والتزلف، وقد سئل القاضي عبدالرحمن الارياني بعد عودته من اللاذقية بسوريا: كيف تعامل مع المنافقين الذين عرفهم في عهد اسلافة – من الامام يحيى وحتى المشير السلال- فقال رحمه الله لقد اقصيتهم عن الحكم في البدلية وكنت اتجنب اللقاء بهم ولا استسيغ مديحهم , ثم بمرور الوقت بدأت ارتاح لسماع اطرائهم وبخاصة بعد ان وجدت المشائخ وبعض الضباط يتعاملون مع الخارج بل ويدخلون إلى مخدعي دون دون ادنى إحترام لمكانتي كحاكم اول للبلاد وكأنني كنت موظفا لديهم فصرت في اخر ايام حكمي اعتبر من لا ينافقني فهو ضدي..
وقد روي عن الشاه بعد نجاح ثورة الخميني عليه انه قال لو كنت لم اصدق المنافقين لتلافيت امر الثورة، وكما ان المنافقين هم من يصنع طغاة السياسة فإنهم كذالك من يصنع طغاة الدين فلكل زعيم ديني بطانةٌ يمارسون معه لعبة التضليل والتَّملّق والتّزلّف والمديح المزيف.
فشيخُ العلم لديه أتباع من المحبِّين والمعجبين يخلعون عليه صفات الكمال ويوهمونه بأنه بركة العصر، ووحيد الدهر، وشبيه البحر علما ومعرفة، وانه علم الهدى، ومصباح الدجى، والبدر المنيرالمحدث،والملهم، وأن الله ينفع بعلمه العباد والبلاد، وأن خطبه وكتبه وتوجيهاته ومحاضراته واقواله وكل كلمة يتلفظ بها قانون رباني، وسفينة نجاة من ركبها نجا، فيصدّق هؤلاء الزعماء المساكين انفسهم، ويقعون في فخ نصبه المنافقون سرعان ما يصدقونهم فيصابون بداء العجب والتيه، وكل من ينتقدهم هو موتور وحاقد على النظام عند السياسيين,ومنكر لمعلوم من الدين بالضرور في اطار الجماعة الدينية المؤطرة.
ولا جرم أن في الغالب الأعم أن السياسي او الزعيم الديني عندما يصابان بداء العجب يتضخمان كما البالون فيصدان حتى لا يستطيع حتى المنافقون انفسهم الوصول اليهم وهذا عو عين حال الزعماء في كل عصر ومكان، لدى كل منهم بطانة تقتات بكلمات الإطراء ومقامات الثناء الممجوج، وتوهمه بأنه الملهم وقلب الأمة النابض ومحبوب الجماهير، وفي حال الزعيم الديني انه المهدي المنتظر وامام العصر الواجب طاعته في المنشط والمكره بل وقد تذكر له هذه البطانة أحلاماً منامية كاذبة تدل على صلاحه وعدله وإيمانه واستقامته، وتخبر بأن الناس في البيوت يدعون له، وأن الشيوخ والأطفال يعيشون على حبّه، وأن عدله وصل الجميع وبرّه وَجُوده عمّ الكل، فيزداد زهوا يتورّط في دهاليز العلو في الأرض والتّكبر على عباد الله والتّجبر على الأمة.
والأعيان من العسكريين والتجار والمشاهير لهم جُلاّس وسُمّار يمارسون معهم لعبة الضحك على الذقون وتمويه الحقائق، ويعطونهم صورة خاطئة عن الواقع ليكسبوا الحظوة لديهم، وينالوا شرف صحبتهم، ويبتزوا أموالهم، فإذا غابوا عنهم سلقوهم بألسنة حِداد شِداد، فإذا أتيتَ تريد المكاشفة والصدق والوضوح والشفافية ضاع صوتك بين الأصوات وصرت ثقيلاً وأصبحت نشازاً، فتضطر رغم أنفك للمشاركة في حفل تأبين الضمير وفي جنازة موت الحقيقة، وهذا يدلّك على الغثائية التي وصلت إليها الأمة.
نحن لا نطلب من الناس سوء الأدب مع الرموز الدينية والسياسية والوطنية، ولا التجريح ولا التشهير، بقدر ما نطلب ان يتعاملون معهم كبشر يحتاجون للرأي والمشورة، وأن يتم تصويب اخطائهم كلما اخطأوا، وأن يكفوا عن هذا التملق الزائف والنفاق الاجتماعي المقبت،وعدم حجب الحقائق عن الزعماء تلك الحقائق التي تدخل الرموز السياسية أوالدينية في نفق مظلم من الوهم.
يقول الحسن البصري رحمه الله: “تولّى الحجاج العراق وهو عاقل كيّس، فما زال الناس يمدحونه حتى صار أحمق طائشاً سفيهاً”، فلما ضعف الوازع الديني عند الأمة وقلَّ الصدق أكثرتْ من ألقاب المديح وصفات التّزلّف بعدما كان الصحابة في عصر الخيريّة والقيادة والريادة ينادي بعضهم بعضًا، فيقولون:
يا أبا بكر، يا عمر، يا عثمان، يا علي، وهم قد فتحوا القلوب والأسماع والأبصار والبلدان بالإيمان والعدل والسلام، ولكن الرئيس العربي ركَّبَ على صدره النياشين وعلى أكتافه النجوم وفي الشوارع أقواس النصر وشعارات الصمود والتحدي،والتباريك بالنصر وهو لم ينتصر في معركة واحدة.
إن تمويه الحقائق على الرموز وصنّاع القرار والمؤثِّرين معناه ضياع البلاد والعباد، فهؤلاء المتملِّقون والمتزلِّفون من البطانة همهم أنفسهم، وهم الذين يحملون شعار (كل شيء على ما يرام)، فتجد الشيخ مثلاً عنده أخطاء كبرى ومغالطات عظمى لكن بطانته يصوّبون قوله وفعله حتى يوصلوه إلى درجة العصمة، فيبقى على خطئه، ويستمر على أوهامه، ويحولون فتاواه، ولو كانت عبارة عن تهريج وتهكم للمستفتين لكن المنافقين تحولها إلى اعجاز ويتم ترديدها في حياته وبعد مماته، مع ان بعضها لا تليق برجل عاقل بله ان يكون عالم دين..
والسياسي تُحجب عنه حقائق الوطن والناس تحت مظلّة (الناس مرتاحون ويدعون لكم سيدي وهم في أرغد عيش وأحسن حال وببركتكم يعيشون بنصف راتب ويكفيهم)، فيُعطَّل اهتمام الوالي بأحوال الناس وحاجاتهم، وتنحدر البلاد في التّخلّف والفقر؛ لأن هذه العصبة قد ضمنت مصالحها، واطمأنت لمستقبلها، فلا يعنيها حال أحد من البشر.
فينبغي أن تُخلع الأقنعة السوداء عن وجوه هذه البطانة التي تحفّ بالزعماء الدينيين والسياسيين ولوالي والعالم والوجيه والرمز؛ ليرى الأمور كما هي، وتتضح له الأشياء على حقيقتها، ويتخذ القرار المناسب والقول المناسب والرأي المناسب في الوقت المناسب، وبإمكانك أن تسأل كل بطانة متنفّذة نفعية عن الرمز الذي تحفّ به فسوف تسمع من التقديس والغلو والإطراء ما تنفر منه الأسماع، وتشمئز منه الطباع، ويورث الرأس الصداع.
ونختتم هذا الحديث بأن دولة المؤسسات يختفي فيها المنافقون وذلك لأن الحاكم مقيد بالمؤسسة التشريعية واستقلال المؤسسة القضائية والتنفيذية والامنية والجيش وكل مؤسسة مستقلة عن الاخرى، وقد ادرك الرئيس السابق علي عبدالله صالح اهمية المؤسسات فقال في احد خطاباته بأن ليس له بطانة وان بطانته هي المؤسسات، ولو كان كما زعم لكانت تلك المؤسسات فعلا هي السياج الواقي له وللوطن والمواطن.
وقداطلعت يوم امس على تعليق لأحدهم على بوست نشره الأستاذ عبدالرحمن بجاش على صفحته على الفيسبوك وضمن احدهم تعليقه مقالا قصيرا في ختمه كاتبه بأن اليمن عبر التأريخ القديم والحديث لم يخضع إلا للمستبد، واستنتج من هذه الحقيقة بأنها من مزايا حكم علي عبدالله حسب زعمه، معتبرا انه تم خلالها ترويض العتاولة والمتمردين بالحكمة والمداراة، حتى استطاع الرقص فوق رؤوس الثعابين ويخلص إلى انه لن يتردد عن التسبيح والتمجيد والتهليل بإسم اي حاكم جديد، وهذا هو شعار كل صناع الطغاة عبر التأريخ.
من صفحة الكاتب بالفيسبوك