فاطمة عواد الجبوري*
تواجه السعودية وولي عهدها (الحاكم الفعلي) بيئة جديدة من التحديات الاقتصادية الخطيرة. نتج عن هذه التحديات ظهور دعوات للعاطلين عن العمل للتظاهر أمام مقرّات الموارد البشرية في كافة أنحاء السعودية. واجتاح تويتر وسم التجمع السلمي للعاطلين عن العمل 9 أغسطس. إن ارتفاع نسب البطالة في السعودية إلى ما يقارب 12 بالمائة بين الشباب دفع إلى مثل هذه الدعوات. لا شك بأن الأسباب الظاهرية لهذه الأزمة معروفة. فهي أولا انتشار جائحة كورونا والتي ضربت في العالم أجمع وأوقفت النمو الاقتصادي لأكبر اقتصادات العالم. ثانياً، قرار السعودية الخاطئ بإيقاف موسم الحج للموسم الثاني على التوالي. وهذا أدى بالطبع إلى أن يفقد بين مليون إلى مليوني مواطن سعودي فرصة الاستفادة من موسم الحج والتي كانت تدّرُ مليارات الدولارات في خزينة المملكة.
إلا أن محاولة اختزال أسباب الأزمة الاقتصادية العميقة بهذه الأسباب الظاهرية فيه تسطيح لعمق وتجذر هذه الأزمة. إذ لا بد من الإشارة إلى أن السعودية تعيش اليوم مرحلة ما بعد الوهابية التي يسعى ولي العهد محمد بن سلمان لبناء أركانها.
هذه المرحلة تتلخص برؤية 2030 التي روّج لها ولي العهد السعودي محمد بن سلمان. وذلك لتحويل السعودية إلى دولة علمانية لها مشاريعها الاقتصادية الضخمة كمشاريع مدينة نيوم وغيرها من المشاريع الاقتصادية. إلا أن ولي العهد يخلط بين العلمانية والقمع للمجتمع المدني. العلمانية في أصولها العامة هي فصل الدين عن الدولة بينما ما تفعله المملكة اليوم هو فصل الدين عن المجتمع. ولعل لباحثين السياسيين يدركون تماما بأن لا أحد من منظري العلمانية دعا يوما ما إلى مثل هذا الفصل.
العلمانية لا تعني أبداً اعتقال الناشطين الحقوقيين وزجهم في السجون وتعذيبهم، في التقرير الأخير الذي نشرته مؤسسة القسط لحقوق الإنسان على لسان نائب مديرها السيد “جوشوا كوبر” خير دليل على ذلك إذ تعمق التقرير في الممارسات اللاإنسانية في السجون السعودية، إذ تحدث التقرير عن ممارسات تعذيب تضاعفت للغاية خلال السنوات الخمس الماضية. كما أطلق الشباب في السعودية قبل أيام وسم أفرجوا عن شباب الوطن، في محاولة لحث السلطات على إطلاق سراح المعتقلين السياسيين.
إن اعتقال الشباب والناشطين وتعذيبهم يؤثر على سمعة المملكة من الناحية الحقوقية والاستثمارية فهي تروج إلى أن السعودية ليست بلداً آمنا لأصول الاستثمار الخارجي.
من جهة أخرى، بينما تمر السعودية بأزمة اقتصادية حادة رفعت خلالها أسعار البنزين خلال السنوات الماضية لأكثر من 450 بالمائة فهي لا تزال تصر على إقامة الحفلات الباذخة الترف من قبل هيئة الترفيه التي يقودها تركي آل الشيخ. هذه الحفلات تستقدم أشهر المطربين في الوطن العربي وتستهلك من خزينة الدولة مليارات الدولارات، بينما يعاني قسم كبير من الشعب البطالة وثقل الضرائب التي فرضتها الدولة مؤخرا بمقدار حوالي 15 بالمائة على القيم المضافة.
على الجانب الآخر، يعتقد المسؤولون في المملكة بأنّ العمالة اليمنية هي السبب في انتشار البطالة في السعودية، وعليه فقد اندفعت السعودية نحو انهاء عقود اكثر من مليون يمني وترغب بترحيلهم جميعاً إلى اليمن. هؤلاء الذين عملوا في المملكة لسنوات عديدة وأصبحوا جزء من المملكة يواجهون اليوم خطر الترحيل وهم لا يتمتعون بأي حق من حقوق العمالة. إن اتجاه المملكة هذا هو اتجاه خاطئ ولا يساهم في بناء اقتصاد قوي متنوع، إذ أن العمالة اليمنية كانت تعمل في مناطق لا يستطيع السعوديون القيام بها وترحيل مليون عامل يمني قد يؤدي إلى انهيار مفاجئ في اقتصاد المناطق الجنوبية في السعودية.
ختاماً، لا ينبغي على السعودية التسرع باتخاذ قرارات غير مدروسة للتغلب على أزمة اقتصادية عميقة. الحلول هي بتنويع الاقتصاد وتحسين صورة المملكة من الناحية الحقوقية والافراج عن المعتقلين السياسيين، والتخلي عن الترف الباذخ في حفلات المشاهير وإقامة علاقات ودية مع الجوار تساعد على التبادل التجاري، وإعادة موسم الحج والاستفادة من فرص العمل والموارد التي يدرها على المملكة، والأهم من كل ذلك إنهاء الحرب العبثية ضد اليمن والتي كلفت وسوف تكلف المملكة مليارات الدولارات.
*كاتبة وباحثة عراقية
شاهد أيضاً
جحيم الصواريخ اليمنية!
عبدالمنان السنبلي. ناس قلوبهم مع إسرائيل.. وسيوفهم كذلك.. يكرهون المقاومة.. ويتمنون لغزة الهلاك والفناء.. قد …