الأحد , ديسمبر 22 2024
أخبار عاجلة
الرئيسية / أخبار / سد النهضة ومبادرة الفرصة الأخيرة … تفاؤل جزائري وترقب دولي وترحيب حذر من أطراف الأزمة

سد النهضة ومبادرة الفرصة الأخيرة … تفاؤل جزائري وترقب دولي وترحيب حذر من أطراف الأزمة

اليمن الحر الاخباري/ متابعات
دخلت الوساطة الجزائرية أسبوعها الرابع، ومازالت حالة التهدئة قائمة ما بين أطراف النزاع بشأن سد النهضة ومياه النيل، ويبدو واضحاً أن المساعي الجزائرية حرصت منذ البدايات الأولى للوساطة على تهيئة الأجواء بين مختلف الأطراف “الإثيوبي والمصري والسوداني”، والابتعاد عن التصريحات التصعيدية، من أجل خلق مناخ مناسب لإنجاح المبادرة الجزائرية.

والمؤكد أن الجزائر تعلم أن دخولها على خط الأزمة يأتي في أعقاب توقف المفاوضات الثلاثية في عاصمة الكونغو “كينشاسا”، ومن ثم فشل مجلس الأمن الدولي في التوصل إلى اتفاق بشأن سد النهضة أو تقريب وجهات النظر، هذا الواقع يأتي بعد سنوات من مفاوضات لم يكتب لها النجاح بين الأطراف الثلاثة (مصر والسودان وإثيوبيا)، ومع وصول الأزمة إلى حالة من الجمود من ناحية وتصاعد خطابات التهديد؛ سارعت الجزائر إلى الدخول مباشرة من خلال وساطة ومبادرة تهدف في مرحلتها الأولى: إيقاف التصعيد الإعلامي والابتعاد عن التصريحات السلبية، وفي المرحلة الثانية: العمل على إعادة الدول المعنية إلى طاولة التفاوض، وفي المرحلة الثالثة: العمل على تقريب وجهات النظر وإيجاد أرضية مشتركة للحل وبما يحفظ حقوق الأطراف الثلاثة.

وفي سياق هذه الرؤية، دشنت الدبلوماسية الجزائرية حراكها عبر وزير خارجيتها رمطان لعمامرة لدى الدول المعنية، والبداية كانت بزيارته العاصمة أديس أبابا ولقائه بالمسؤولين الإثيوبيين الذين بادروا إلى دعوة الجزائر إلى لعب دور إيجابي في تصحيح التصورات المغلوطة والخاطئة لمنظمة الجامعة العربية، تجاه النوايا الإثيوبية في سد النهضة واستخدام مياه النيل، وعلى ما يبدوا أن مسار الوساطة الجزائرية حرصت على أن تكون إثيوبيا هي المحطة الأولى في سبيل استطلاع الموقف هناك ومدى قبوله بالتحركات الجزائرية في هذا المنحى، من أجل تحديد بقية الخطوات مع بقية الأطراف في دول المصب “مصر والسودان” وهو ما تحقق فعلاً وقبول إثيوبيا بهذه الوساطة.

يرى عدد من المراقبين، أن الإيجابية الإثيوبية تجاه الوساطة الجزائرية ساهم إلى حد كبير في تعزيز ثقة الوزير “لعمامرة” في ما تبقى من جولته المكوكية، وتأكيده لقادة كلاً من السودان ومصر قبول أديس أبابا بهذه الوساطة، وهو ما قوبل بارتياح من قبل دولتي المصب، ولا سيما السودان الذي أكد على دعمه للوساطة الجزائرية كونها تتوافق مع “المادة العاشر” من إعلان المبادئ الموقع بين الدول الثلاث عام 2015.
وعلى الرغم من عدم إعلان الجزائر عن مبادرة محددة، إلا أن حديث وزير الخارجية الجزائري كان واضحاً عن علاقة الدول الثلاث في هذه المرحلة، بقوله “تمر بمرحلة دقيقة، وأن من الأهمية الوصول لحلول مرضية لكل طرف، ما له من حقوق وما يجب أن يتخذ من واجبات، وبأن الجزائر مهتمة بقضية السد وحريصة ألا تتعرض العلاقات العربية والأفريقية لمخاطر نحن في غنى عنها”، وأضاف الوزير بقوله إلى أنه استمع من أطراف السد إلى “معلومات وتطلعات”، وأن بلاده ترغب “في توفير الشروط والمناخ لأن تكون جزءا من الحل في الملفات الوجودية التي تهم الأشقاء”.

وما يفهم من تصريحات الوزير الجزائري أن هناك تصور واضح تجاه الأزمة وبكل التفاصيل الخلافية وبمختلف أبعادها “القانونية والفنية”، وأن الوساطة الحالية قد حرصت مسبقاً على قراءة للمواقف السابقة لكل طرف وما تحتويه من مخاوف وتطلعات، من أجل تقديم خطة جزائرية متكاملة تكون قادرة على إيجاد الحلول المناسبة والكفيلة بوصول دولة المنبع ودولتي المصب إلى اتفاق نهائي تجاه مياه النيل وسد النهضة.

مع اختتام الوزير “لعمامرة” جولته تزايدت التكهنات والتساولات، حول وجود مبادرة جزائرية تجاه أزمة سد النهضة؟ وعن مدى قدرة الجزائر على إقناع أطراف الأزمة بالمبادرة؟ وعن إيجاد داعمين اقليميين ودوليين لتلك المبادرة؟.

ولكن الرئيس الجزائري وفي تصريحاته الأخيرة اماط اللثام “إلى حدا ما” عن مجموعة من الاجابات المنتظرة عن الدور الجزائري في أزمة سد النهضة، حيث أشار الرئيس “تبون” وبقدر عالي من التفاؤل بقوله “سننجح في وساطتنا” ومؤكداً عن ثقته في إمكانية بلاده حل الأزمة المستمرة منذ عشر سنوات، وأضاف الرئيس فيما يخص المبادرة بقوله “توجد مبادرة جزائرية مائة بالمائة بخصوص سد النهضة”
وعن الجولة المكوكية للوزير “لعمامرة”، أشار الرئيس بقوله “وزير خارجيتنا لمس تقبلا كبيرا من الدول الثلاث بشأن المبادرة الجزائرية، ومتأكد أننا سننجح في وساطتنا بشأن سد النهضة” وخلال تصريحه للصحافة أكد “تبون” بقوله “طالبنا بعدم وصول الأشقاء بسبب نزاع سد النهضة إلى أمور ساخنة”، وهي إشارة واضحة من الرئيس الجزائري على ضرورة الحد من التصعيد الإعلامي خلال مرحلة الوساطة.

وعن الجهة التي تقف وراء المبادرة، أوضح الرئيس الجزائري أن مبادرة حل أزمة سد النهضة؛ هي جزائرية خالصة لم تمليها علينا أية جهة، وبأن الوساطة الجزائرية في ملف سد النهضة لن تتوقف إلى أن تُحل، وأكد بقوله “ليس لدينا في القضية لا ناقة ولا جمل إلا المسعى في تقريب وجهات النظر”.

وفيما يخص الدور الدولي في الأزمة أشار الرئيس “تبون” بقوله “مجلس الأمن لم يفصل في القضية وأعادها إلى الاتحاد الأفريقي، نحن واثقون من نجاح الوساطة الجزائرية، لا بد من تحكيم العقل والمنطق حتى تنعم افريقيا بالاستقرار وتعود للمحافل الدولية”، وأختتم الرئيس الجزائري تصريحاته بشأن أزمة سد النهضة بقوله “تكلمت مع رئيسة إثيوبيا ورئيس وزرائها قبل زيارة وزير خارجيتنا إلى هذا البلد، وأؤكد أننا وقفنا على ردود فعل إيجابية وهناك تجاوباً كبيراً من مصر والسودان وإثيوبيا”.

في إطار كل ما تقدم ، يمكن القول أن التفاؤل بالمبادرة الجزائرية منبعه الآتي:-

– تحركات الدبلوماسية الجزائرية نابعة من ثقلها كدولة كبرى في القارة الأفريقية والمنطقة.
– الحياد الإيجابي منذ بداية الأزمة عزز من القبول بالدور الجزائري كوسيط موثوق به.
– العلاقة المتميزة بمختلف أطراف الأزمة.
– وجود خبرة دولية سابقة في احتواء الأزمات والحروب “الحرب الإثيوبية – الإريترية، النزاع العراقي – الإيراني، أزمات مالي والنيجر المختلفة”.
– وجود رمطان لعمامرة على رأس الدبلوماسية الجزائرية، عزز من إمكانية حل أزمة سد النهضة لا سيما مع الخبرات الطويلة للوزير في منصب “منسق السلم والأمن في منظمة الاتحاد الإفريقي”.

جانب التفاؤل تجاه نجاح الجزائر في احتواء الأزمة الحالية، لا يلغي حقيقة أن التعقيدات المتراكمة خلال السنوات العشر الماضية سوف تلقي بضلالها على الوسيط الجزائري، خاصة وأن التصعيد ما بين طرفي الأزمة “الإثيوبي من جانب والطرف المصري السوداني من الجانب الأخر” قد مر بمراحل تصعيد متعددة.

والبداية كانت مع إعلان إثيوبيا تدشين مشروع سد النهضة في أبريل 2011، وفي سبتمبر من نفس العام اتفق الجانب الإثيوبي مع الجانب المصري على تشكيل لجنة دولية تدرس آثار بناء سد النهضة، وتصاعدت الأزمة في مايو 2013 مع رفض الجانب المصري تشكيل لجنة فنية دون خبراء أجانب، وعلى أثر هذا التصعيد توقفت المفاوضات، ولكن تم استئنافها مع تولي عبدالفتاح السيسي الرئاسة في مصر، وتوافق الأطراف على اختيار مكتبين استشاريين “فرنسي وهولندي” للقيام بدراسات أثر سد النهضة.

مع استمرار المفاوضات اتفق قادة الدول الثلاث في مارس 2015 على توقيع “وثيقة إعلان مبادئ سد النهضة” وهو ما عرف بإعلان الخرطوم، ولكن التفاؤل الذي أعقب الاتفاق لم يستمر طويلاً خاصة مع انسحاب المكتبان الاستشاريان نتيجة عدم وجود ضمانات لإجراء الدراسات بحيادية.

اتفقت الأطراف الثلاثة على تكليف شركتين استشاريتين أخريين، وتواصلت الاجتماعات خلال العامين التاليين لتحديد نطاق الدراسات، ولكن عدم الاتفاق حول استخدام معيار محدد لتقييم تأثير سد النهضة أدى إلى مزيد من التأجيلات، وزاد على ذلك؛ إعلان إثيوبيا بأنها على وشك إكمال 70% من بناء السد وهو ما فاقم في المحصلة من الخلافات القائمة.

مع بداية عام 2018، إثيوبيا تعلن رفض دعوة مصر للبنك الدولي، للتحكيم في النزاع على السد أو لمراقبة مفاوضات سد النهضة وعمل اللجنة القومية الثلاثية، وتصاعدت التوترات مع استمرار الخلافات ورفض الجانب الإثيوبي للمقترحات المطروحة، ومن بينها اقتراح مصري حول تشغيل سد النهضة يقوم على “مبادئ مجموعة البحث العلمي المستقلة الوطنية”، فما كان من الجانب المصري إلا دعوة المجتمع الدولي للتدخل في مفاوضات السد.

استمرار الخلافات والتصعيد الإعلامي ما بين أطراف الأزمة دفع واشنطن إلى الدخول على خط الأزمة في نوفمبر 2019، ولكن الوساطة الأمريكية لم تمنع من انسحاب الجانب الإثيوبي قبيل التوقيع على اتفاق في نهاية فبراير 2020 بحجة رغبتها في مزيد من المشاورات الداخلية.

اجتمع وزراء الخارجية والمياه للدول الثلاث خلال أبريل 2021 في عاصمة الكونغو “كينشاسا” بحضور رئيس جمهورية الكونغو الديموقراطية “فيليكس تشيسيكيدي” الذي يتولى الرئاسة الدورية للاتحاد الإفريقي، ولكن ذلك لم يغير من الأمر شيء، خاصة بعد أن فشلت المفاوضات في احراز أي تقدم، إضافة إلى عدم اتفاق أطراف الأزمة على إطلاق المفاوضات مستقبلاً.

تصاعدت الأزمة مع إصرار إثيوبيا على ملء خزان السد خلال موسم الأمطار الحالي، دون الالتزام بالتوصل لأي اتفاق، فما كان من دولتي المصب إلا التنبيه أن الملء دون اتفاق سوف يشكل تهديدا جسيماً لهما، هذا الوضع دفع مصر خلال شهر يونيو الماضي إلى التحرك والذهاب نحو مجلس الامن من أجل الاحتجاج على تصرفات الجانب الإثيوبي والمطالبة بتدخل المجلس، واصفه ما يحدث بأنه تهديد خطير للسلم والأمن الدوليين.

ولكن المواقف المعلنة من قبل الدول الـ 15 الأعضاء في مجلس الأمن، كشفت في معظمها عن تبني الموقف الإثيوبي للأزمة، وعن ضرورة إعادة المفاوضات تحت رعاية الاتحاد الأفريقي، من أجل توقيع اتفاق قانوني ملزم يلبي احتياجات الدول الثلاث ويؤدي إلى تخفيف التصعيد.
يبقى القول، أن هناك حاجة ملحة إلى دعم الجزائر في مبادرتها بشأن أزمة سد النهضة؛ من أجل الوصول إلى حل واتفاق ملزم وعادل ومرُض للجميع، وأن يكون الدعم من قبل المجتمع الدولي من خلال مزيد من الضغوط الفعالة على أطراف الأزمة ولا سيما الجانب الإثيوبي، للحيلولة دون تطور الأمور للأسوأ وخروجها عن السيطرة.

عن وكالة سبا

عن اليمن الحر الاخباري

شاهد أيضاً

الدكتوراه بامتياز للباحث عبده أحمد الصياد من جامعة العلوم والتكنولوجيا

  صنعاء /اليمن الحرالاخباري حصل الباحث عبده أحمد عبدربه صالح الصياد على درجة الدكتوراه بتقدير …