الجمعة , نوفمبر 22 2024
الرئيسية / اراء / ما الذي تخشاه إسرائيل من الاتفاق النووي مع إيران

ما الذي تخشاه إسرائيل من الاتفاق النووي مع إيران

نهاد ابو غوش*
لماذا تثير إسرائيل الضجيج وتحرّض العالم بأسره على أي اتفاق نووي محتمل بين الغرب وإيران؟ وما هي حقيقة التهديد النووي الإيراني لإسرائيل؟ وما مخاوفها الحقيقية من تطوير إيران لقدراتها النووية؟
نشير إلى أن إسرائيل هي واحدة من بين تسع دول في العالم ( روسيا والولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا والصين والهند وباكستان وكوريا الشمالية وإسرائيل) تمتلك أسلحة ورؤوسا نووية قابلة للاستخدام، لكن إسرائيل تعتمد سياسة “الغموض النووي” تحاشيا لأية التزامات قد يفرضها المجتمع الدولي عليها. وتؤكد شهادات مختصين امتلاك إسرائيل أكثر من مئة رأس نووي جاهزة للاستخدام، وآخر شهادة هي ما نشرته صحيفة “هآرتس” في عددها يوم 25/12/2021 نقلا عن آدم شنير، مرافق غولدا مائير رئيسة الوزراء أثناء حرب اكتوبر 1973، والذي أكد أن وزير الدفاع آنذاك موشي ديان اقترح على مائير استخدام السلاح النووي لحسم المعركة في يومها الثاني، فردت عليه بجملة “هذا ما ينقصني!”. وأوردت صحيفة يديعوت أحرونوت تقريرا للصحفي رونين برغمان بتاريخ 8/12/2016 يؤكد قيام إسرائيل بإجراء تجربة نووية مشتركة مع نظام بريتوريا العنصري في جنوب المحيط الهادىء بتاريخ 22/9/1979، وقد احدثت التجربة انفجارا هائلا رصدته أقمار الاستطلاع الأميركية. لكن إسرائيل لا تتسامح مع من يكشف أسرارها النووية كما فعلت مع مردخاي فعنونو الذي اختطفته المخابرات الإسرائيلية من روما وحوكم بتهمة الخيانة فأمضى في السجن عشرين عاما معزولا عن بقية السجناء.
مع استئناف مفاوضات فيينا لتجديد الاتفاق النووي، بين إيران والمجموعة الدولية التي تضم روسيا والصين وفرنسا والمانيا وبريطانيا إلى جانب إيران، ومشاركة غير مباشرة للولايات المتحدة الأميركية الخصم الحقيقي لإيران في المفاوضات، تبدو إسرائيل في كأنها الطرف الأكثر انشغالا بهذه المفاوضات، والأعلى صوتا في التحريض على أية فرصة لتجديد الاتفاق، فما الذي تريده إسرائيل حقيقة من هذا الصخب وما هي مخاوفها من الاتفاق أو من تطوير إيران لقدراتها النووية؟
تدعي إسرائيل أن امتلاك إيران قنبلة نووية يمثل خطرا وجوديا عليها، وهذا الادعاء ينفيه رئيس الوزراء السابق إيهود باراك في مقاله بجريدة يديعوت أحرونوت بتاريخ 5/12/2021، وعدد من الجنرالات المتقاعدين الذين اكدوا أن تهويل اسرائيل وتضخيمها للخطر النووي الإيراني ليس سوى مناورات لخدمة الأجندات الحزبية الداخلية.
حاولت إسرائيل من خلال تحريك حلفائها في أميركا وبعض دول الاتحاد الأوروبي ، والتهديد باللجوء المنفرد للخيارات العسكرية، وضع مزيد من الشروط على أي اتفاق مع إيران منها قيود على برامج إيران لانتاج الصواريخ والطائرات المسيّرة، ثم حاولت إدراج قضية ما تسميه النفوذ الإقليمي لإيران ضمن القضايا المطروحة على المفاوضات، لكنها فشلت لأن هذه المسائل خارج اختصاص المجموعة الدولية التي تناقش خطة العمل الشاملة المشتركة، وسعت كذلك لاستبدال المطلب الإيراني بالرفع الكامل للعقوبات، إلى مجرد خفضها، ما يتيح إبقاء إيران تحت رحمة الابتزازات الدولية في مختلف شؤونها.
من الواضح أن إثارة فزع العالم حول الخطر الذي يتهدد إسرائيل، تبقي هذه الدولة المارقة بمعزل عن أي محاسبة إزاء جرائمها في فلسطين والأراضي العربية المحتلة (السورية واللبنانية)، والتهويل هو وسيلة تستخدمها إسرائيل لمطالبة العالم بالاعتراف بيهودية هذه الدولة من جهة، وتبرير نزعتها التوسعية بضم الضفة الغربية وفرض سيادتها على الجولان، إلى التهرب من أية التزامات لأية عملية سلام، وإبقاء الهاجس العسكري والأمني مسيطرا وتبرير قمعها للشعب الفلسطيني ومواصلة احتلال أرضه، بالإضافة لابتزاز مزيد من المساعدات العسكرية والاقتصادية من الغرب.
يستبعد كثير من المحللين جدية إسرائيل في القيام بعمل عسكري منفرد ضد إيران، لأن ذلك لن يضمن لها القضاء على برنامج إيران النووي أولا، ولأن إسرائيل غير جاهزة لتوجيه هذه الضربة ولا لتحمل الردود عليها. فإسرائيل لم تستفق بعد من آثار المواجهة مع المقاومة الفلسطينية في أيار الماضي، وهي تحسب ألف حساب لأية مواجهة مع حزب الله بعد تجربة حرب تموز 2006، بينما تفوق قدرات جمهورية إيران الإسلامية قدرات هذين الطرفين بآلاف المرات. ويصف المحلل الإسرائيلي عاموس هرئيل هذه التهديدات بأنها أشبة بالتهديد بواسطة مسدس فارغ، لكل ذلك يرجح المحللون أن تواصل إسرائيل ما يعرف بحرب الظلال والتي تشمل عدة مسارات عدوانية من بينها الحرب السيبرانية والاغتيالات وضرب قوى وتشكيلات سورية قريبة من إيران، والتعرض لإمدادات السلاح والذخيرة لحزب الله، كما كانت تشمل التحرشات مع القطع البحرية الإيرانية لكنها سرعان ما تراجعت عنها إذ بدت كفة إسرائيل هي الخاسرة، كل هذه الخيارات تبدو أقل كلفة بما لا يقاس من اية مواجهة عسكرية منفردة، لا يمكن لإسرائيل أن تقدم عليها لسبب جوهري آخر هو أن إسرائيل يمكن أن تغامر بأي شيء إلا إغضاب الولايات المتحدة أو تعريض مصالحها وطرق إمدادات النفط للخطر.
الحقيقة أن إسرائيل لا تريد أي اتفاق مع إيران، بل تريد أن تبقيها تحت وطأة العقوبات الدولية، لأنها تخشى من تنامي قوة إيران الاقتصادية والعلمية والصناعية والعسكرية، وتأثيراتها المتزايدة في الإقليم باعتبارها القوة الرئيسية التي تملك مشروعا نهضويا مستقلا عن الهيمنة الأميركية، وهي القوة الوحيدة التي يمكن لها أن تحد من النفوذ الإسرائيلي في الإقليم وخاصة بعد موجة التطبيع الأخيرة. ويمكن أن تشهد قدرات إيران قفزة نوعية في حال امتلاكها طاقة نووية للأغراض السلمية، لا سيما وأن أكثر من 35 دولة في العالم تملك مثل هذه الطاقة، ومن بينها دول أصغر من إيران وأقل في إمكانياتها العلمية، مثل السعودية والأردن.
*كاتب وصحفي وعضو المجلس الوطني الفلسطيني

عن اليمن الحر الاخباري

شاهد أيضاً

كشف المستور في كتاب الحرب المنشور!

محمد عزت الشريف* لم يكن طوفان الأقصى محضَ صَولةٍ جهادية على طريق تحرير الأقصى وكامل …