السبت , يوليو 27 2024
الرئيسية / اراء / تقويض الانظمة العربية لشرعيتها في تطبيعها مع إسرائيل.

تقويض الانظمة العربية لشرعيتها في تطبيعها مع إسرائيل.

د/ فياض العبد قازان*
إن الإيمان بشرعية النظام السياسي يتجاوز الفلسفة، ويساهم بشكل مباشر في استقرار نظام الدولة وسلطته، وفقًا لعالم الإجتماع، وعالم الإقتصاد الألماني ماكس فيبر. هنالك ثلاثة فئات من استراتيجيات الشرعية تُستخدم لتبرير حق الحكام في الحكم:
هناك “الشرعية القانونية” التي تستند إلى نظام من القواعد يتم تطبيقه إدارياً وقضائياً وفق الأصول المعروفة. يتم تعيين أو انتخاب الأشخاص الذين يطبقون هذه القواعد من خلال الإجراءات القانونية والقواعد التي تحد من سلطاتهم، وتفصل حياتهم الخاصة عن الواجبات الرسمية.
تستند “الشرعية التقليدية” إلى نظام تكون فيه السلطة شرعية لأنها “كانت موجودة تاريخيا.” عادة ما يستمتع بها الأشخاص في السلطة لأنهم ورثوها، أي أن شرعيتهم تقوم على أساس الميراث.
تعتمد “الشرعية الكاريزمية” على جاذبية شخصية القائد التي تظهر أنه يمتلك الحق في القيادة بحكم القوى الجذابة في شخصيته وما إلى ذلك. يحترم أتباعه حقه في القيادة بسبب صفاته الفريدة (جاذبيته)، وليس بسبب أي تقليد، أو أية قواعد قانونية. يتألف المسؤولون من أولئك الذين أظهروا إخلاصًا شخصيًا للحاكم، ومن أولئك الذين يمتلكون الكاريزما الخاصة بهم!
تتغير أنواع الشرعية بمرور الزمن، عندما لا يعود الشعب راض عن النظام. على سبيل المثال، بعد وفاة زعيم كاريزمي، سيحاول أتباعه، إذا كانوا يفتقرون إلى كاريزما سلفهم إقامة نظام قائم على التقاليد أو القانون. من ناحية أخرى، يمكن تحدي هذه الأنظمة بظهور زعيم كاريزمي جديد، خاصة أثناء الأزمات الاقتصادية أو العسكرية.
يعتمد الحاكم غالبا على أكثر من أساس لشرعية حكمه: التقاليد، القوانين، الجانب الشخصي الكاريزمي، والدين. تعتمد شرعية الحكم في معظم الدول العربية والإسلامية، إن لم يكن فيها كلها، على الإلتزام بالعقيدة الإسلامية، أو الدين الإسلامي حيث يقدم النظام السياسي في معظم الأحيان نفسه أنه “حارس العقيدة.”
بالإضافة إلى ادعاء الإلتزام بالعقيدة الإسلامية، تعتمد النظم السياسية الخليجية الحاكمة في شرعيتها على الشرعية التقليدية، حيث سمعنا مرارا ترديد الحاكم لمفهوم “العقيدة السمحاء،” أو مفهوم “الإسلام الحنيف.” بالإضافة إلى ذلك، تعتمد النظم السياسية الخليجية في شرعيتها على التقاليد المتوارثة التي جسدها قول سفير المملكة العربية السعودية الأسبق في واشنطن العاصمة ردا على مواطن سعودي شكك في شرعية تبوء السفير لمنصبه: “إن شرعية منصبي مستمدة من حقيقة أن جدي كان قائدا محاربا مؤسسا للمملكة العربية السعودية بينما كان جدك جالس على (طي…ه) لم يحرك ساكنا!
إنطلاقا من ما تقدم، لقد شاهدت هذا اليوم صورة وعنوان في صحيفة “وول ستريت جيرنال” الأميركية لمسؤولين عرب وخليجيين يتوافدون لعقد مؤتمر مع الصهاينة في فلسطين المحتلة! لقد شعرت كعربي مسلم، وكمواطن عربي أميركي، وكإنسان يقاوم الظلم، بالصدمة العاطفية الكبرى! إن الغرض من المؤتمر الصهيوني الخليجي في فلسطين ليس إيقاف تهويد القدس، أو إيقاف تهويد فلسطين التي تتواصل ممارسة الإستعمار الصهيوني الإستيطاني فيها منذ أوائل القرن العشرين بتمويل ودعم من الدول الغربية التي خلقت المشكلة اليهودية أصلا وتريد حلها على حساب العرب المسلمين والمسيحيين! إن الغرض من المؤتمر وفق ما ذكرته الصحيفة هو النمو الإقتصادي، ونمو الأعمال بين الكيان الإسرائيلي والمملكة المغربية، ودولة الإمارات، ومملكة البحرين!
هكذا في الوقت الذي تنكشف فيه الإيديولوجية الصهيونية العنصرية على حقيقتها، وتنكشف حقيقة الكيان الإسرائيلي الذي يجسدها في سياساته الإستيطانية جليا، وفي مواصلة خرقه لحقوق المسلمين والمسيحيين، وممارسته لسياسة إرهاب الدولة على الشعب الفلسطيني، وفي الوقت الذي تتصاعد فيه قوة مقاطعة الكيان الإسرائيلي عالميا، نشهد نظما خليجية ومغربية حاكمة، تدعي الإنتماء للدين الإسلامي وللعروبة، تهرول للتطبيع مع الكيان الإسرائيلي ضاربة عرض الحائط بكافة المبادئ والأخوة الإسلامية والعربية التي تدعو إلى مناصرة الحق وإزهاق الباطل وفق ما قاله تعالى في كتابه القرآن الكريم!
إن مبادىء حقوق الإنسان، وعدم الإستيلاء على أراضي الشعوب واستيطانها بالقوة، وعدم ارتكاب جرائم التطهير العرقي، والإبادة الجماعية التي يحترمها ميثاق مؤتمر جنيف، وميثاق الأمم المتحدة يتواصل انتهاك هذه المبادئ في فلسطين منذ مستهل القرن العشرين! لكن سياسة إزدواجية المعايير العنصرية الأمريكية والغربية لم، ولا ترى تلك الإنتهاكات في فلسطين كما ترى بعضها في أوكرانيا اليوم! إن معظم وسائل الإعلام الغربية لا تستطيع رؤية معاناة شعب وأطفال فلسطين، كما ترى معاناة شعب وأطفال أوكرانيا!
إن الشعوب الغربية الأوروبية التي تسببت بخلق المشكلة اليهودية تريد حل تلك المشكلة على حساب الشعب العربي في فلسطين على الرغم من الثمن الباهض الذي دفعه الشعب الفلسطيني وغيره من الشعوب العربية حتى اليوم! ولكن أية إسرائيل تريد الولايات المتحدة، زعيمة ما يسمى “العالم الحر،” وأية إسرائيل تريد الدول الغربية؟ إسرائيل سنة 1948؟ إسرائيل سنة 1967؟ أو إسرائيل الكبرى من الفرات إلى النيل؟
في هذه المرحلة التاريخية الراهنة التي تشهد انهيار ما تبقى من هيمنة الولايات المتحدة، وهيبتها، ونفوذها في القارة العربية، تضغط الولايات المتحدة على أدواتها العميلة “غير الشرعية” في القارة العربية كي “تشرعن” الإحتلال، والإستيطان الصهيوني لفلسطين وغيرها من دون اكتراث للتداعيات الخطيرة على مستقبل الشرعية الدولية، وحقوق الإنسان، وعلى مستقبل هذه الأدوات العميلة التي تستمد ما تبقى من “شرعيتها”من ادعاء الإلتزام بمبادىء الدين الإسلامي التي هي أبعد ما تكون عن شرعنة، والتطبيع مع، الإحتلال الإسرائيلي الصهيوني لفلسطين وغيرها من الدول العربية!
إن النخب الحاكمة الخليجية التي أهدرت ثروتها النفطية العربية في خدمة المصالح الإمبريالية الأمريكية تستعد للهروب إلى حيث أرصدتها البترو-دولارية لأنها لم تعد تشعر بالأمن في كياناتها الهزيلة غير الشرعية المصطنعة غربيا! ولكن إلى أين المفر لخونة الإسلام والعروبة؟ إنهم بتطبيعهم مع الإحتلال الإسرائيلي، و”شرعنتهم” له يدمرون أسس ما تبقى من “شرعية” حكمهم من الناحيتين الإسلامية والتراثية وفق ما تريده الإمبريالية الأمريكية التي تستخدمهم تماما كما استخدمت حليفيها السابقين بالأمس: شاه إيران، وصدام حسين!
أيها المطبعون مع الكيان الإسرائيلي والمشرعنون معه، أنتم خونة شعوبكم، وخونة الأمتين العربية والإسلامية!
هل إن خشيتكم من هلال الإمام عليّ، رضي الله عنه، مبررا لتخليكم عن المبادئ الإسلامية، وعن القدس الشريف، وعن فلسطين الحبيبة، ومبررا لخضوعكم المهين والمشين لنجمة داوود؟
إن نهايتكم ليست بعيده! وكما قال الزعيم الراحل جمال عبد الناصر: “إن شعوبكم ستحاسبكم!” وإن غدا لناظره قريب!

*مؤلف، وخبير في الإعلام الدولي والتنمية المستدامة

عن اليمن الحر الاخباري

شاهد أيضاً

يوم عرف العالم حقيقة الكيان!

  د. أماني سعد ياسين* ما شعرت بالأمل يوماً كهذا اليوم! نعم، ما شعرتُ بالأمل …