الجمعة , نوفمبر 22 2024
الرئيسية / اراء / الدم الأوكراني والفلسطيني مستباح لأمريكا

الدم الأوكراني والفلسطيني مستباح لأمريكا

رامي الشاعر*
ما يدفعني للعمل على كتابة مقالاتي هو ما أشعر به من واجب لمشاركة القراء الأعزاء تحليلي ورؤيتي لهذا الخبر أو ذاك. إلا أن أمرا أكبر من ذلك ما يدفعني لكتابة هذا المقال.
ذلك هو انطباع انتابني حينما شاهدت على شاشة التلفزيون حفاوة الترحيب بين وزيري الدفاع والخارجية الأمريكيين، ونظيريهما الأوكرانيين، ومعهما الرئيس الأوكراني. وأرجو أن تستجيب أسرة التحرير لنشر الصور الذي يتعانق فيها الوزيران مع نظيريهما الأوكرانيين.
بدا الأمر وكأنني اكتشفت بالدليل القاطع السبب في فشل جميع الجهود التي بذلت على مدار السنوات الثماني الأخيرة لحل الأزمة الأوكرانية بالطرق السلمية، من خلال اتفاقيات مينسك، والتي سعت إليها روسيا وألمانيا وفرنسا. كذلك كان ذلك المشهد دامغا في دلالاته على من يعرقل مشروع “السيل الشمالي-2”. لقد بدا وكأن غشاوة ترفع من على عيني لأرى من السبب في توتر وتدهور العلاقات إلى الحد الذي يغلب عليه فيه المنطق الإجرامي والجنوني واللاعقلاني، حيث يتم التضحية بمصير الشعوب والقارات، من قبل صناع القرارات، الذين يلتقون بهذه الحميمية، في الوقت الذي يصيبهم العمى عن جميع القيم الأخلاقية وأبسط مبادئ المنطق في سبيل تنفيذ أهدافهم. وهو ما ينطبق، بالمناسبة، على معاناة ومأساة الشعب الفلسطيني، الذي يعاني من علاقة استراتيجية “حميمية” مشابهة بين الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل.
ومن الواضح أن تلك الصور عن علاقة الولايات المتحدة الأمريكية مع القيادة الأوكرانية ليست وليدة اليوم أو يوم أمس، وإنما لما كانت بتلك “الحميمية”، وإنما يبدو أن واشنطن تسعى لكي تكون أوكرانيا حليفتها الاستراتيجية في أوروبا، على غرار حليفتها الاستراتيجية في الشرق الأوسط، وأعيد ما كتبته مرارا بشأن رغبة واشنطن في تحويل أوكرانيا لأكبر قاعدة عسكرية أمريكية ليس فقط ضد روسيا، وإنما للجم أوروبا بكاملها كما تحاول لجم العالم العربي والشرق الأوسط من خلال إسرائيل (واللجام هو ما يستخدم للجم الحصان حتى تتم السيطرة عليه وقيادته، بل أقول إن الولايات المتحدة الأمريكية تسعى، من خلال تواجد مقر هيئة الأمم المتحدة بها، استخدامها وتجنيد كل مؤسساتها للسيطرة على العالم أجمع.
ولعل ذلك أيضا يضع النقاط على الحروف فيما يبيعه إعلام الغرب من رواية كاذبة بشأن العملية العسكرية الروسية الخاصة، بينما يصورونها وكأنها “غزو روسي للجارة أوكرانيا”، و”حرب على أوكرانيا”، ويخفون الهدف الحقيقي، الذي أعلنه الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، قبيل بدء العملية، وهو حماية الدونباس، ونزع سلاح أوكرانيا، واجتثاث النازية، وحياد أوكرانيا، وضمان عدم انضمامها إلى “الناتو”، وضمان عدم حصولها على السلاح النووي.
لهذا، وبعد شهرين على بدء العملية العسكرية، يظهر وزيرا الخارجية والدفاع الأمريكيين في زيارة سرية، ويلتقيان بتلاميذهما الأوكرانيين في تهنئة لهما بما “أنجزوه” من دمار لبلادهم، واستجداء تعاطف دولي، وفرض حصار كامل على روسيا لتركيعها وتدمير اقتصادها.
إن رهن إرادة أوكرانيا للغرب على هذا النحو لن يغفره التاريخ، ولن يغفره الشعب الأوكراني الذي يتخذه النظام النازي في كييف رهينة لتنفيذ خطة واشنطن، دون الاكتراث بمصير مئات الآلاف والملايين من أبناء الأمة الأوكرانية، التي اكتوت وتكتوي بنار الحرب واللجوء والدمار، بينما يحتضن المسؤولون الأوكرانيون من نظام زيلينسكي النازي أسيادهم وأولياء نعمتهم الأمريكيين.
لقد وافق الكونغرس الأمريكي مؤخرا على حزمة مساعدات إلى أوكرانيا تصل قيمتها إلى 40 مليار دولار أمريكي، ما يفوق قيمة المساعدات التي تمنحها الولايات المتحدة الأمريكية لحليفتها الأقرب في العالم، إسرائيل، وهو ما يبرز أهمية أوكرانيا بالنسبة لمخططات الولايات المتحدة في أوروبا وضد روسيا، والتي تفوق أهمية إسرائيل في الشرق الأوسط، المنطقة شديدة الحيوية بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية.
يبرز ذلك أيضا مدى أهمية إضرام مزيد من النيران في الصراع المشتعل، بل والدفع باتجاه تطاير الشرر بأي من الدول الأوروبية المجاورة من أعضاء “الناتو”، ولا أشك للحظة أن استفزازات مرتقبة في طريقها للحدوث سواء في بولندا أو ربما رومانيا (عن طريق ذراعها في مولدوفا).
وبعد تقديم كل من فنلندا والسويد لطلبات الالتحاق بحلف “الناتو”، وهما دولتان على مشارف الحدود الشمالية لروسيا، واعتزام “الناتو” تقليص مدة إجراءات الانضمام قدر الممكن، وبعد أن أوقفت روسيا إمداد فنلندا بالغاز صباح السبت، 21 مايو، بعد أن رفض الأخيرة دفع ثمن الغاز بالروبل الروسي، ومع تدهور العلاقة مع الجارتين الشمالتين اللتين حافظتا على حيادهما لفترة طويلة من الزمان، فربما يكون ذلك مؤشر خطير على تطاير الشرر كذلك على الحدود الشمالية قريبا جدا من روسيا.
كل ذلك يحدث، ولا زال بعض السذج من المتابعين يطلقون على العملية العسكرية في أوكرانيا “غزوا لأوكرانيا” و”حرب لروسيا على أوكرانيا”، في حين أن القاصي والداني أصبح يدرك تمام الإدراك أن الحرب الراهنة إنما هي حرب ضد روسيا، والحرب هي حرب بالوكالة بين روسيا والغرب، وتحديدا الغرب بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، بينما تلعب أوكرانيا في تلك الحرب دور الصبي المأجور، الذي يستفز الدب الروسي، حتى ولو تسبب ذلك في دمار دولته وشعبه ومحوه من على خريطة العالم.. لا بأس، بعض الأحضان مع الأسياد كفيلة بوضع ابتسامة على النازيين الجدد ريزنيكوف وكوليبا ورئيسهما المهرج زيلينسكي، بينما تتوجه أضواء العالم نحو دور البطولة الذي لا يلعبه هذه المرة في السينما أو على خشبة المسرح، وإنما على أرض الواقع، وبدماء وأرواح أكثر من حقيقية، إلا أن التصفيق الحار والجمهور الحاشد الذي يشجع هذا المهرج كفيل لكي يمضي قدما في تنفيذ مهمته الخبيثة لتدمير ما تبقى من بلاده لأجل سواد عيون الولايات المتحدة الأمريكية والغرب، الذي يظن أن روسيا دولة “فاشلة” مثل أوكرانيا، يمكن قلب نظام الحكم فيها بثورة ملونة كتلك التي افتعلوها في أوكرانيا عام 2014.
ملحوظة أخيرة: لعل الحقائق على الأرض الآن أصبحت تتحدث عن نفسها، بعد استسلام جميع المسلحين في مصنع “آزوف” بمدينة ماريوبل التابعة لجمهورية دونيتسك الشعبية، بعدما ثبت زيف وتزوير الصور ومقاطع الفيديو والتصريحات العنترية في إطار الحملة الإعلامية الدعائية الغربية، التي ينساق إليها، مع شديد الأسف، كثير من وسائل الإعلام العربية.

*كاتب ومحلل سياسي عربي في موسكو

عن اليمن الحر الاخباري

شاهد أيضاً

كشف المستور في كتاب الحرب المنشور!

محمد عزت الشريف* لم يكن طوفان الأقصى محضَ صَولةٍ جهادية على طريق تحرير الأقصى وكامل …