حماد صبح*
تتفاعل فضيحة التحرش والاستغلال الجنسي في مكتب الاتصال الإسرائيلي في العاصمة المغربية ، الرباط ، وبطلها رئيس المكتب ديفيد جوفرين . وأكثر التفاعل من جانب الحكومة الإسرائيلية التي كان إعلامها أول من نشر خبر تلك الفضيحة التي ضحيتها مواطنات مغربيات . الحكومة المغربية صامتة كأنها لا علاقة لها بالفضيحة ، وبناء على صمتها فلا أمل تماما في أن تقدم على أي رد فعل يمس تطبيعها المندفع مع إسرائيل اندفاعا متنوعا في كل الاتجاهات . الشعب المغربي العربي الغيور على كرامته الوطنية والقومية والمبغض لإسرائيل وللتطبيع معها ؛هو الذي تحرك ، فدعت ” مجموعة العمل الوطنية من أجل فلسطين ” يوم الجمعة ، أمس ، إلى وقفة شارك فيها العشرات الذين طالبوا الحكومة المغربية بفتح تحقيق في الفضيحة ، ورفعوا لافتات تندد بالتطبيع وتناصر فلسطين . الشعب المغربي النبيل الجميل ليس أول شعب عربي يصدمه القبح الإسرائيلي .
المسألة واضحة : طبع معهم يصدمك قبحهم ونزوعهم المرضي للفسوق والتخريب . أول المطبعين كانوا أول المصدومين . وبدأت الحكاية المأساوية بمصر بصفتها أول أولئك المطبعين إلا أن نفور الشعب المصري الغريزي من الإسرائيليين قلل من الاحتكاك بهم ومن اكتشاف قبحهم ، وما اكتشف منه تركز في شرم الشيخ لكثرة السياح الإسرائيليين الذين يأتون إليها . في شرم الشيخ يشتمون موظفي الفنادق وعمالها ، ولا يعفون عن رفع هتافهم الفاسد الكريه : ” الموت للعرب .
” الذي يسمعه منهم الفلسطينيون يوميا في أي احتكاك بين الطرفين . والأردن الذي طبع علاقاته مع إسرائيل في 1994 حظي بحظ وافر من قبحهم وتخريبهم . يسرقون أغطية الأسرة وما تقع عليه يدهم من أدوات ، ويحملون طعامهم معهم فلا ينفقون إلا القليل ، فلا فائدة اقتصادية من سياحتهم . وتفوقت الإمارات خاصة دبي على الأردن في وفرة حظها من قبح الإسرائيليين وتخريبهم وسرقاتهم لنفاسة ما يتوفر في فنادقها ومحلاتها التجارية موازنة مع الأردن ، والنفيس دائما يغوي بالطمع فيه وحيازته . واشتكى أصحاب الفنادق من سرقات الإسرائيليين ، ووقعت شكاواهم على آذان صماء ، فالتطبيع مقدس في عين المطبعين العرب ، والمقدس لا يمس . والسرقة والتخريب وما يجسدانه من قبح فاعلهما صفة متأصلة في مستوطني الكيان الإسرائيلي ، ومنبعها القريب ، حتى لا نشغل أنفسنا هنا بالتنقيب في جذور دينية وثقافية ، سرقة الوطن الفلسطيني ، ومن يسرق الدجاجة لا يتعفف عن سرقة البيضة . من يسرق الأكبر يسرق الأصغر . والسرقة ، فضلا عن كونها فسادا أخلاقيا ، علامة عميقة الدلالة على نزعة حب الأخذ ومقت العطاء .
ومارس الإسرائيليون هذه النزعة في غزة والضفة ممارسة مسرفة في وحشيتها وقبحها . في غزة سرقوا الرمال فاختفت كثبانها التي كانت كثيرة في المنطقة الساحلية ، وقطعوا أشجار الأكاسيا الضخمة الموازية لشارع صلاح الدين ،عابر غزة ، وسرقوا خشبها . ومثلما اعترفت إحدى صحفهم مرة : احتلالهم هو الاحتلال الوحيد الذي لا يخلف مرافق مفيدة لأهل المكان الذي يحتلونه . خربوا مدينة ياميت التي بنوها شمالي سيناء ، ورفضوا بيعها إلى مصر عند انسحابهم .
وفي مدن قطاع غزة استقرت حاكمياتهم العسكرية في المقرات القديمة التي يرجع بعضها إلى العهد التركي ، وامتدادا إلى الانتداب البريطاني ، وأشهرها مبنى السرايا في مدينة غزة ، وفي الحروب التي نكبوا بها القطاع بعد انسحابهم دمرت طائراتهم هذا المبنى الضخم ، وغيره من المباني الحكومية ، ومنها مركز حاكمية دير البلح وسط القطاع . ولا تستثني نزعة حبهم الأخذ ومقتهم العطاء حتى احتياجاتهم الأمنية والعسكرية ، إن احتاجوا إلى تمركز عسكري في مكان تمركزوا فوق بيت من بيوت الفلسطينيين ، وأهلكوا باحتياطاتهم الأمنية حياة أهل البيت ، أو طردوهم منه . أما فضائحهم الجنسية فلا تهمهم في بعدها الأخلاقي ، تهمهم وتقلقهم في بعدها الأمني وتأثيرها السيء على أداء المسئول لوظيفته . وقادة إسرائيليون كثر حوكموا في قضايا جنسية انطلاقا من الهم والقلق الأمنيين .
إسحق مردخاي وزير الدفاع الأسبق الكردي الأرومة حوكم في قضية جنسية وفصل ، وكتساف رئيس الدولة الأسبق الإيراني الأرومة حوكم في قضية تحرش بعشر نساء ، ونحي عن الرئاسة ، ومن مُلَح فضيحته تهنئة الرئيس الروسي بوتين لوفد إسرائيلي على حيازتهم لرئيس فحل يتحرش بعشر نساء ، وموشيه ديان تطلقت زوجته روث منه بعد كشفه في فضيحة جنسية . هذه هي حقيقة الإسرائيلي : قبيح مخرب أينما حل ، ” شاء من شاء وأبى من أبى ” ، والمطبعون العرب يشاؤون ولا يأبون ، فلا أمل في أن يقلعوا عن تطبيعهم المتحمس معه ، والسبب أن الطرفين من طينة واحدة في جوهرها وإن اختلفت في بعض مظاهرها .
*كاتب فلسطيني
شاهد أيضاً
على حافة الهاوية!
رامي الشاعر* صرح وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، على هامش منتدى الشرق الاقتصادي في …