الجمعة , مارس 29 2024
الرئيسية / اراء / فى ذكرى المعاهدة.. ماذا حدث للمعارضة المصرية؟!

فى ذكرى المعاهدة.. ماذا حدث للمعارضة المصرية؟!

محمد سيف الدولة*
لماذا توقفت المعارضة المصرية عن المطالبة باستقلال مصر وتحريرها من اتفاقيات كامب ديفيد وما ارتبط بها من تبعية للولايات المتحدة الامريكية؟
***
ان كامب ديفيد ليست مجرد معاهدة ثنائية ترتب عليها استرداد ارضنا المحتلة مقابل حزمة من التنازلات مثل القبول بتجريد ثلثى سيناء من القوات والسلاح، والاعتراف (باسرائيل) والتطبيع معها. بل هى نظام حكم متكامل، انها الدستور الفعلى لمصر؛ يستطيع المصريون ان يسقطوا رئيس الجمهورية وان يغيروا دساتيرهم او يعدلونها ولكنهم لا يستطيعون منذ 44 عاما الاقتراب من معاهدة السلام المصرية الاسرائيلية الموقعة فى 26 مارس 1979 والمشهورة باسم اتفاقيات كامب ديفيد.
ad
فمنذ اعطى السادات 99% من اوراق اللعبة للامريكان، فانهم قد قاموا بالعمل على تفكيك مصر التى انتصرت فى 1973 وبناء مصر اخرى جديدة على مقاس مصالح الولايات المتحدة وامن (اسرائيل).
ففى مصر كامب ديفيد، لا نستطيع ايقاف التسهيلات اللوجستية للقوات الامريكية فى قناة السويس أو التوقف عن قبول المعونة العسكرية وكسر الاحتكار الامريكى لما يزيد عن 60 % من التسليح المصرى، أو توجيه هذا السلاح، اذا تغيرت الظروف، الى (اسرائيل) او اى من حلفاء امريكا، أو الامتناع عن اى مناورات عسكرية مشتركة.
ولا نستطيع الانسحاب من اى محاور او تحالفات اقليمية او دولية اسسها الامريكان، أو اعادة تشكيل سياستنا وعلاقتنا وتحالفاتنا الخارجية والاقليمية على اساس مناهض للنفوذ الامريكى، أو المطالبة باستبدال قواتهم فى سيناء ضمن ما يعرف بالـ MFO بقوات تابعة للامم المتحدة.
ولا نستطيع انتخاب رئيس جمهورية لا توافق عليه الولايات المتحدة كما قال د. مصطفى الفقى عام 2010، او كما ذكر آفى ديختر وزير الامن الاسرائيلى الداخلى الاسبق فى محاضرته الشهيرة عام 2008 حين قال ((لقد انسحبنا من سيناء على ان نعود اليها اذا تغير النظام فى مصر لغير صالح اسرائيل))
ولا نستطيع ان نزيد عدد قواتنا فى سيناء الا باذن (اسرائيل)، أو نقوم بدعم المقاومة الفلسطينية والشعب الفلسطينى ضد الاحتلال، او نقطع العلاقات ردا على جرائمها اليومية فى فلسطين أو عن اعلانها ضم الجولان أو اعتداءاتها التى تتوقف على سوريا ومن قبل على لبنان وتونس والسودان والعراق الى ان فقدنا مكانتنا المركزية وتضآل دورنا فى المنطقة واصبحت هى قوة اقليمية عظمى.
ولا نستطيع أن نقول لا للدائنين فى نادى باريس وصندوق النقد والبنك الدوليين ومنظمة التجارة العالمية وللمستثمرين الاجانب من شركات متعددة الجنسية ووكلائهم المحليين، ولا نستطيع ان نحمى صناعاتنا الوطنية او نرفض بيع القطاع العام او تعويم العملة المصرية وربطها بالدولار.
وغيره الكثير.
***
لكل ذلك وأكثر وصف شيوخنا واساتذتنا الذين اعتقلهم السادات عام 1981.. وصفوا المعاهدة فقالوا: ((أخذنا نحن سيناء وأخذوا هم مصر كلها.))
***
ورغم ان جميع مفكرى ومنظرى وقادة وكوادر الحركة السياسية المصرية بكافة أطيافها يعلمون هذه الحقائق، الا انهم توقفوا منذ سنوات طويلة قبل ثورة يناير وبعدها عن الاقتراب من هذا الموضوع او التعرض له، وكأن هناك شبه اجماع على قبول التبعية والاعتراف بها والتطبيع معها والعيش فى أكنافها.
بدأت هذه الظاهرة فى أعقاب الغزو الامريكى للعراق عام 2003، فلقد اخذ يتراجع الخطاب الوطنى المناهض للاحتلال الامريكى و(اسرائيل)، ليحل محله بالتدريج خطاب الاصلاح السياسى والديمقراطية، الى أن توحد الجميع عشية الثورة على هدف رئيس وربما وحيد هو رفض استمرار حسنى مبارك أو توريث الحكم لنجله.
وحين نجحت ثورة يناير فى ذلك، غرقت القوى السياسية فى مطالب الدستور والانتخابات وتداول السلطة والحريات فقط، وتحاشت تماما الاقتراب من قضايا التبعية وكامب ديفيد، بل على العكس حرص الجميع على إعطاء تطمينات للخارج بالتزامهم بالمعاهدة، وتسابقوا للفوز بدعم الامريكان ومباركتهم فى صراعاتهم مع الخصوم والمنافسين على السلطة، الى ان فاز النظام القديم ومؤسساته العميقة فى هذا السباق بامتياز وبالضربة القاضية، بعد أن أدرك الأمريكان انه النظام الأقدر على حماية كامب ديفيد فى مصر.
ثم بعد يونيو ويوليو 2013 وحتى يومنا هذا، ظل الخطاب المناهض للتبعية و(اسرائيل) غائبا، فتحت ضغط العصف بثورة يناير وبكل من شارك فيها اسلاميون كانوا او مدنيون، أصبح للجميع مطلبا وحيدا هو الافراج عن المعتقلين وتخفيف القبضة الامنية الحديدية واعادة الهامش الديمقراطى الذي كان ايام مبارك، وظل الكثير منهم يراهن على الامريكان ويناشدهم للتدخل والضغط على السلطات المصرية من اجل ذلك، رغم ما ثبت من دورهم ودعمهم ومباركتهم لما تم من اجهاض الثورة والعصف بمكتسباتها.
***
لقد كانت هناك نظرية قبل ثورة يناير مفادها، ان الانظمة العربية المستبدة لا يمكن ان تتنازل عن استبدادها قيد أنملة ولو بعد عشرات السنين، وانه لا قبل للشعوب بقبضتها الباطشة، فلا بديل عن الاستفادة الى اقصى حد من الضغوط الخارجية لمحاولة انتزاع اى مكاسب ديمقراطية ممكنة، وهو ما يستدعى تقديم تنازلات سياسية من ضمنها تخفيف الخطاب المناهض للامبريالية والصهيونية او التراجع عنه تماما.
ثم كانت هناك نظرية أخرى بعد الثورة بأن الاوضاع لا تزال على المحك والثورة لم تستقر بعد، وهى تحتاج الى دعم واعتراف دولى وضغوط امريكية على قيادات ومؤسسات النظام القديم لغل اياديها عن العصف بالثورة والانقضاض عليها، وهو ما يستدعى تجنب اتخاذ اى مواقف يمكن ان تستفز المجتمع الدولى او تخيفه من الثورة المصرية.
وأن دعونا نركز على الاصلاح السياسى والدستورى اولا، لانه بامتلاك مؤسساتنا الديمقراطية المستقلة، وتحقيق تداول سلطة حقيقى فى مصر، سيكون تحقيق كل اهدافنا بعد ذلك سهلا وممكنا.
ثم نظرية ثالثة فى السنوات الاخيرة، باننا فى أمس الحاجة الى الضغط الدولى لايقاف او حتى تخفيف العصف العنيف بالحريات وحقوق الانسان.
وهكذا كانت هناك دائما نظريات واسباب وذرائع لتبرير الانسحاب من ساحات وبرامج ومشروعات وخطابات المواجهة مع الامريكان و(اسرائيل) وكامب ديفيد.
والمؤلم والغريب والمخيف ان المشهد يبدو وكأن جميع الفرقاء تقريبا قد اتفقوا على رفع الراية البيضاء، رغم ان بينهم ما صنع الحداد.
ورغم ان كل تجاربنا وتجارب غيرنا، اثبتت مرارا وتكرارا أن أمريكا هي العدو الأصلي، وأن الرهان عليها هو بمثابة انتحار وطني وسياسى.
***
واخيرا يجب التأكيد على أن مطالب الحريات والديمقراطية وحقوق الانسان وتداول السلطة والفصل بين السلطات، هى كلها مطالب صحيحة ومشروعة الا انها غير كافية وعديمة الجدوى فى ظل دولة غارقة فى التبعية والتطبيع والسلام بالاكراه.
فالحرية والاستقلال هما وجهان لعملة واحدة، لا يستقيم أحدهما دون الآخر.
ان هدف التحرر من التبعية ومن قيود كامب ديفيد يعادل فى مركزيته واولويته، هدف التحرر من الاحتلال البريطانى الذى توحد خلفه كل المصريين على امتداد 75 عاما.
*كاتب مصري

عن اليمن الحر الاخباري

شاهد أيضاً

ماذا جنينا من السلام مع إسرائيل؟!

المهندس. سليم البطاينة! ذات يوم سُئل الشاعر الفلسطيني (محمود درويش) عن اتفاقيات السلام العربية الاسرائيلية …