السبت , يوليو 27 2024
الرئيسية / اراء / النكبة الثانية قادمة!

النكبة الثانية قادمة!

د.رجب السقيري*
عندما قرر نتنياهو وشركاؤه في حكومة الحرب الإسرائيلية بعد السابع من أكتوبر الماضي شن حرب إبادة على قطاع غزة ، امتطى وزير الخارجية الأمريكي بلينكن صهوة جواده (طائرته) وانطلق أولاً إلى تل أبيب ليقدم واجب العزاء والتضامن مشفوعاً بوعود غير محدودة من المساعدات الأمريكية العسكرية والمالية ، إضافة إلى الغطاء السياسي والدبلوماسي والإعلامي ، والأهم من ذلك تحرك حاملات الطائرات والأساطيل الأمريكية للمرابطة على السواحل الشرقية للمتوسط لحماية دولة الاحتلال من احتمال توسيع ساحة الحرب ، إضافة إلى عمل جسر جوي ضم حتى الآن 200 طائرة شحن لنقل الأسلحة والذخائر والمعدات والقنابل التي تزن ألف رطلٍ أو ألفين ، علماً بأن الجسر الجوي الذي أرسله الرئيس الأمريكي نيكسون إلى دولة الاحتلال خلال حرب السادس من أكتوبر 1973 قد شمل “فقط” حمولة 168 طائرة نقل ، رغم أن إسرائيل في حينه كانت تواجه جيوش مصر وسوريا وقوات أخرى من عدة دول عربية.
بعد لقائه مع نتنياهو توجه بلينكن إلى العواصم العربية محاولاً إقناعها بقبول تهجير أهل قطاع غزة إلى مصر ودول عربية أخرى ، وقد ووجه بلينكن برفضٍ قاطع للتهجير القسري من جميع الدول العربية التي زارها وجاءت أقوى هذه الردود الرافضة من الأردن ومصر. لكنه لم يشعر باليأس وتكررت زياراته إلى الدول العربية المعنية عدة مرات حاملاً معه في كل مرة وعوداً بمساعدات مالية وازنة ومجزية للدول التي توافق على استقبال المهجرين الفلسطينيين من قطاع غزة . وقد خصَّ بلينكن مصر بنصيب الأسد من هذه المساعدات التي بلغت كما تردد في التسريبات عشرة مليارات دولار من الولايات المتحدة ومثلها من دول الاتحاد الأوروبي ، وفي تسريباتٍ لاحقة تردد أن الولايات المتحدة وعدد من دول الاتحاد الأوروبي ستقوم بتسديد جزءٍ كبير من ديون مصر الخارجية ، وربما كلها ، إن هي وافقت على استقبال المهجرين من قطاع غزة في سيناء ، لكن الرفض القاطع لمصر والأردن والدول العربية المعنية بقي على حاله ، بل زاد حدةً عن ذي قبل.
كل هذا والقصف الوحشي للمدنيين في غزة مستمر وكذلك قصف المستشفيات والمراكز الصحية والمساجد والكنائس والمدارس ومراكز الإيواء التابعة للأمم المتحدة والمخابز والأسواق ورياض الأطفال وتم من بداية الحرب قطع الماء والكهرباء بهدف تعطيل كل مقومات الحياة ودفع السكان إلى مغادرة شمال القطاع باتجاه الجنوب الذي لم ينجُ أيضاً من القصف.
وقد زادت جرائم الإبادة الجماعية حدةً مع التوغل البري الذي استهدف المدنيين العزل والأطفال والنساء ، كما تضاعفت شهوة الانتقام لدى الجيش الإسرائيلي عندما بدأ جنوده وضباطه يتساقطون كأوراق الخريف أمام ضربات المقاومة القوية ولم تحقق قوات الإحتلال أياً من أهداف توغلها وعجزت عن اقتحام الأنفاق كما كان يحلم قادتها ، بل إن تلك القوات قد عجزت عن أسر مقاتلٍ واحد من مقاتلي المقاومة أو استرجاع أسيرٍ واحدٍ من أسراها بالقوة المسلحة ، وزادهم غيظاً أن الأسرى المدنيين من أطفال ونساء قد تم تسليمهم إلى الصليب الأحمر “سالمين غانمين” إذ كانوا يودعون مقاتلي المقاومة وهم في غاية السعادة , فمنعتهم السلطات الإسرائيلية من الحديث مع الصحافة خشية أن يكشفوا عن مشاعرهم الحقيقية إزاء المعاملة الطيبة التي عوملوا بها خلال فترة الأسر.
رغم الفشل الذريع الذي منيت به قوات الاحتلال في توغلها البري في القطاع من ناحية والفشل الذي منيت به زيارات بلينكن المكوكية إلى المنطقة بهدف إقناع مصر ودول عربية أخرى باستقبال ما تيسر من مهجري قطاع غزة الرافضين قطعياً لمغادرة بلادهم ، إلا أن نتنياهو وحكومة الحرب الإسرائيلية قد ظلوا على إصرارهم لتحقيق هدف التهجير والتطهير العرقي ، إذ وجدوا طريقةً أخرى كبديل للتهجير القسري ودون دفعهم بالقوة المسلحة إلى الهجرة الجماعية (أو ما يسمى في القانون الدولي exodus) وهو عبارة عن فرض أمرٍ واقع على المدنيين الفلسطينيين يدفعهم إلى اجتياز معبر رفح دون رغبةٍ منهم ولكن بدافع الحاجة الماسة إلى الغذاء والماء والدواء ومراكز الإيواء بعد أن يكون جيش الاحتلال قد دمر كل مرافق الحياة في شمال غزة ووسطها وجنوبها ويبقى الأطفال والنساء والشيوخ والمدنيون الأبرياء في منطقة صغيرة جنوب القطاع تحت السماء والطارق مع احتمال تفشي الأمراض الوبائية بينهم بسبب عدم توفر الدواء والمياه الصالحة للشرب والغذاء الذي يبقيهم على قيد الحياة .
وهنا يأتي العم سام “صاحب القلب الرقيق” و”الأحاسيس الإنسانية” الذي استخدم قبل أيام حق النقض (الڤيتو) في مجلس الأمن لإفشال مشروع قرار يدعو إلى وقف إطلاق النار ، فيقدم الأموال التي طلبها بايدن من الكونغرس في اليوم الأول من الحرب ويدعو المنظمات الدولية إلى بناء مخيمات إيواء للغزيين ومستشفيات ميدانية ومراكز صحية وتزويد المهجرين بالماء والغذاء ولكن داخل الجانب المصري من معبر رفح ، طبعاً بعد أن يضع الحكومة المصرية تحت الأمر الواقع كي تبدو معارضتها للتهجير غير إنسانية ومخالفة للقانون الدولي الإنساني ، بينما تستمر الغارات الجوية الإسرائيلية على كل المدن والبلدات في قطاع غزة ، شمالاً وجنوباً ووسطاً ، لهدم ما قد يكون تبقى من بيوت صالحة للسكن والقضاء على النذر اليسير الباقي من مقومات شظف العيش لأهالي غزة من نساءٍ وأطفال وشيوخ . وربما يكرر نتنياهو ما فعله جيشه قبل عدة أيام من اعتقال المدنيين ونزع ملابسهم وتصويرهم شبه عراةٍ لعرض الصور والڤيديوهات على شاشات التلفاز الإسرائيلية بزعم أن هؤلاء من مقاتلي المقاومة الذين استسلموا لجيشه المغوار” .
وهنا أوجه سؤالاً استنكارياً إلى الأشقاء العرب شعوباً وحكاماً وحكومات مسترشداً برأيهم السديد : أليس هذا السيناريو ، إن وقع لا قدّرالله ، سيناريو نكبة فلسطينية جديدة تتماها في نتائجها ، حتى لو اختلفت في بعض تفاصيلها ، مع نكبة 1948 ؟ . لا أحد يتوقع من الدول العربية طبعاً فرض منطقة حظر طيران no-fly zone فوق قطاع غزة كما فعل الأمريكان في العراق في تسعينات القرن الماضي . ولا نتوقع أبداً أن تجرِّد الدول العربية جيوشاً جرارة لوقف حرب الإبادة التي يشنها الاحتلال على أطفال ونساء العرب الفلسطينيين في غزة تفعيلاً لاتفاقية الدفاع العربي المشترك التي تعتبر الاعتداء على أي بلد عربي اعتداءً على جميع الدول العربية . إذن ماذا نتوقع ؟
نتوقع من أشقائنا العرب أن يمنعوا حصول نكبة ثانية سواءً حسب السيناريو البغيض المشار إليه أعلاه والجاري تنفيذه أو حسب أي سيناريو آخر ، إذ تعددت السيناريوهات والنكبة واحدة . كفى أيها الأشقاء العرب فقد بلغ السيل الزبى وبلغت القلوب الحناجر . لن يفيدكم تشكيل وفد من وزراء الخارجية العرب (ومن بينهم وزير الخارجية الفلسطيني الذي منحه الأمريكيون تأشيرةً مشروطة بعدم التحدث مع الصحافة) . تحركوا دبلوماسياً بطريقة أخرى بعد أن فشل مجلس الأمن بوقف إطلاق النار . قوموا بنقل المسألة إلى الجمعية العامة مرةً أخرى استناداً إلى قرار “متحدون من أجل السلام” uniting for peace resolution .
هل تذكرون العدوان الثلاثي البريطاني الفرنسي المصري على مصر عام 1956 ؟ ألا تعلمون أن قوات الدول المعتدية الثلاث قد اضطرت إلى الانسحاب من سيناء ومن قطاع غزة بناءً على قرار مماثل من الجمعية العامة وليس من مجلس الأمن حيث الڤيتو البريطاني والفرنسي بالمرصاد ؟
سارعوا في إرسال المستشفيات المدنية إلى القطاع كما فعل الأردن وأرسلوا قوافل من الأغذية والأدوية ومستلزمات الإيواء إلى قطاع غزة ، وافتحوا المعابر لها . بهذه الطريقة يمكنكم مساعدة الفلسطينيين على الصمود على أرضهم . اطلبوا الدعم من الصين وروسيا بالذات ومن البرازيل وجنوب إفريقيا وأوروبا (خاصةً إيرلندا وإسبانيا وبلجيكا) ، اطلبوا من هذه الدول ممارسة ما يمكنها من ضغوط على الإدارة الأمريكية لوقف حرب الإبادة وتسهيل وصول آلاف الشاحنات التي ستقومون بإرسالها إلى داخل غزة وليس إلى سيناء ، واطلبوا من جميع الدول الأعضاء في الجمعية العامة للأمم المتحدة مؤازرة هذا الجهد الإنساني على الأقل ، وذلك أضعف الإيمان . استجيبوا لصرخات الأطفال والأمهات والنساء الثكالى كي يسجل التاريخ أنكم قمتم بأضعف الإيمان .
*كاتب ودبلوماسي عراقي

عن اليمن الحر الاخباري

شاهد أيضاً

يوم عرف العالم حقيقة الكيان!

  د. أماني سعد ياسين* ما شعرت بالأمل يوماً كهذا اليوم! نعم، ما شعرتُ بالأمل …