عبد العزيز قريش*
في ” الربيع العربي” بمعنى ربيع الفتن المتنقلة بين أوطان العالم العربي والإسلامي، ربيع القتل والجرائم والاغتصاب والتفجيرات والتخريب والموت المجاني باسم الدين، المؤطر بفتيا الشيوخ والفقهاء، من علبوا الفتيا في علب معقمة ضد نور النقد والتفكير العقلي المنطقي، والموضوعة بحكمة في أكياس دينية لفكر تابع محنط بداء فكر سلفي مقلد ماضوي ساذج، لا يرى الحضارة إلا في سوق النخاسة وتفجير الذات وتحنيط الفكر وجمود العقل، وسمو القال والقيل والرواية، فعرضوا فتياهم المعلبة للبيع لمن يشتريها من مخابرات ورؤساء وساسة وقتلة وسذج اعتقدوا أن ذلك هو الدين وباب الجنة، وما ذلك سوى باب السؤال عند رب العالمين عن قتل وسفك أرواح الناس مجانا في قضايا سياسية خلافية، لا يركن فيها المسلم المؤمن الحقيقي لفتوى أو قول شيخ أو فقيه بالدليل القاطع، وإنما دلائلها كلها ظنية لأنها طارئة عن العقيدة، وما العقيدة إلا رحمة من رب العباد للعباد. فتاوى أحرقت الأخضر واليابس في البلاد العربية والإسلامية لصالح أعداء هذه الأمة الكريمة، وهدمت ما بناه الأجداد بأثمان باهظة وغالية. فتاوي من أباحوا دم المسلم وماله وعرضه وأمنه وحرمته وقس على هذا إباحة الفتك بكل حرمات المؤمن والمسلم والذمي في عرفهم. من غسلوا عقول الشباب السذج، وأنزلوا حور العين عليهم من جنات الخلد، لأجل خدمة أغراضهم وأغراض مشغليهم وأمرائهم، وتصدوا لكل صوت حكيم يأمر بتحكيم العقل والشرع بالتكفير والقتل والصلب، فالرأي رأيهم وحدهم الصحيح رغم انه مجرد رأي وقول بشري لا قرآن منزل ولا حديث نبوي شريف. اجتهاد في اجتهاد؛ وما الاجتهاد في صلبه سوى رأي مبني على نصوص معينة ليس بالضرورة والحتمية أن دلالتها هي ما فهمها الفقيه والشيخ.
فظهر في عصر ” الربيع العربي ” شيوخ وفقهاء كبار، على المنابر والشاشات يفتون بقتل المسلم للمسلم لأنه مخالف له في الرأي والتوجه السياسي، وكفروا أنظمة وفئات مجتمعية واجتماعية ودينية، وأباحوا دماءهم على مذابح نشر الديمقراطية والحرية أو على مقاصل الخلافة الإسلامية التي لمت أشباه العلماء والفقهاء والشيوخ من أصقاع العالم لمحاربة هذا النظام أو ذاك الشعب أو تلك الطائفة أو ذلك المذهب. فزهقت أرواح وأرواح هي عند ربها تحاجج قاتلها لما قتلها وفيما قتلها؟ أو تنتظر وصوله إلى آخرته، فحينها سيرى حور العين أم العذاب الأليم، وما ربك بظلام للعبيد. شيوخ وعلماء وفقهاء كثر ركبوا على المذهبية المقيتة التي ليست من العقيدة الإسلامية في شيء، وإنما هي بزغت مع الإسلام السياسي من أول اختلاف حول الخلافة بسقيفة بني ساعدة، وامتدت عبر الأجيال وكبرت مع أجداث اغتصاب السلطة من قبيلة إلى أخرى، ومن تيار سياسي لآخر. وأخذت طابع العقيدة التعبدية التي أصبح معها بعض الشيوخ والفقهاء والعلماء يفتون بالتعاون مع العدو المخالف في العقيدة والدين لمحاربة وقتل الأخ المخالف في المذهب؟! وهي فتوى لا يعقلنها العقل السليم ولا يجد لها تفسيرا سوى الحقد والضغينة والانتقام. وهو ما يتنافى مع العقيدة الإسلامية والعقل العاقل، وقد سجل لنا ” الربيع العربي ” فتاوى يطلب من خلالها الخصم العدو ببضع ضربات لوجه الله لخصومه دون خوف من الله ولا اعتبار لدين ورابطة العقيدة، لأنها فتاوي ترى الخصوم أعداء من الدرجة الأولى، عليكم قتلهم ومحوهم من الدنيا. والغريب في هذا نجد توابع كثر يقتدون بأولئك الشيوخ والفقهاء والعلماء في كل شيء، وكأنهم من طينة الملائكة المطهرين، لا يعتبرون فيهم البعد الإنساني، والإنسان خطاء بطبعه إلا من رحم ربك.
وقادوا الشباب إلى خراب أوطانهم، وقعدوا على أطلالها ينعقون؛ ما شيدوا ديمقراطية ولا نالوا حرية، ولا بنوا حلافة إسلامية عادلة، وإنما ارتكسوا في التخلف والفقر والهجرة والمذلة عند مشغليهم، يأتمرون بأمرهم دون مخالفة وإلا العقاب يقع عليهم منهم. ولكن مع الأسف الشديد نجد اليوم هؤلاء الشيوخ والفقهاء والعلماء الذين علبوا الفتوى وباعوها لمن طلبها لأجل الدفع بما يسمى مجازا ” الجهاد ” في بلاد الجهاد فيها تعتوره الشبهة. ولما جاء وقت الجهاد الحقيقي في بلاد الجهاد الذي لا شبهة فيه غزة العزة وفلسطين الأبية، وجدناهم صما بكما لا ينطقون! لا فتوى لديهم بالجهاد ومحاربة الأعداء؟! وفي أحسن من نطق منهم أفتى بالدعاء للمجاهدين أو طالبهم بالجهاد بالسنة. وفي أسوء فتوى حمل المسؤولية للمقاومة الإسلامية ودعا إلى محاربتها شرعا، أو أفتى بخروجها عن الجهاد بوسمها بالإرهاب، وأججوا عليها العالمين. ومن ثمة انتقلوا إلى الانبطاح وتبرير مساعدة العدو على إخوانهم في الدين، ومنهم من صرفوا عنها العروبة لعلاقتها بإيران، ونفخوا من جديد في بوق المذهبية لإفشال قتالها وجهادها للصهاينة النازيين الفاشيين الداعشيين. ومع السؤال عن فتوى الجهاد في فلسطين؛ ينبعث السؤال عن أولئك (المجاهدين) الذين تقاطروا على البلاد العربية والإسلامية، أين هم اليوم؟ ألم يأمركم شيوخكم وفقهاؤكم وعلماؤكم بالجهاد في فلسطين؟ ألا يوجد في فلسطين الحبيبة مسلمون يستحقون النصرة؟ أليسوا سنة من مذهبكم؟ أليس مظلوميتهم ظاهرة بائنة بكل الأدلة والحجج تخضع لحكم الجهاد والنصرة؟ فماذا تقولون في شأن الجهاد هنا؟ أليس بينكم أمراء وقضاة أصدروا أحكاما قاسية على أبرياء بالشبهة، لكي يصدروا أحكاما على بني صهيون؟ أم أنكم مازلتم تبحثون عن الفتوى لذلك؟
المهم والأهم؛ أين أنتم وغزة العزة والضفة و48 تناديكم أين بنادقكم وأسلحتكم وصواريخكم وطائراتكم وقنابلكم ورصاصكم وعتادكم وعديدكم، فأنا في حاجة ماسة إليكم؟ والله ينصر إن شاء تعالى المجاهدين على أعدائهم الذين تكالبوا عليهم من كل الجهات.
*كاتب مغربي
