اليمن الحرالاخباري-متابعات
مستميتا ظل الرجل الخمسيني علي الريمي أربع ساعات يطرق أبواب مركز العزل الرئيسي في جامعة إقليم سبأ بمدينة مارب – 172 كم جنوب شرق العاصمة صنعاء – للحصول على الرعاية الصحية بعد أن تضاعفت أعراض إصابته بكورنا، دون جدوى.
هناك كان الموت أسرع استجابة من أطباء مركز العزل الذي استنجد بهم الريمي الذي يعمل حارسا لإحدى المباني في المدينة، إذ لفظ انفاسه الأخيرة وهو يجاهد في الحصول على سرير رقود وجهاز تنفس صناعي.
وبعد وفاته بخمس ساعات وبقاء جثته التي تناقلت صورتها وسائل التواصل الاجتماعي وبتدخل مكتب الصحة في محافظة مارب اضطر المركز لاستقبال جثة الريمي بانتظار الدفن.
الريمي واحد من 20 مواطنا من مصابي فيروس كورونا المستجد رصدهم مكتب الصحة بمحافظة مارب توفوا في منازلهم أو خلال سعيهم للحصول على الرعاية الصحية، في ظل تحجج الجهات الصحية بشحة الإمكانات وعدم التزام المصابين بالإجراءات الإدارية لتحويل المرضى إلى مراكز العزل الصحي.
وبحسب اللجنة الوطنية العليا للطوارئ التابعة لحكومة عدن التي تخضع محافظة مارب لسلطتها فقد رصدت المحافظة 25 مصابا منهم 10 وفيات و15 حالة شفاء حتى 7 يونيو/تموز 2020, أي أن نسبة الاشخاص المتوفيين بالفيروس الذين لم يجدوا الرعاية الصحية تصل إلى 80% من اجمالي ما رصدتهم المحافظة وبضعف عدد المتوفين في مراكز العزل.
رفض المستشفيات الحكومية استقبال مصابي كورونا المستجد يؤكده أخصائي المختبرات في المستشفى الاستشاري الخاص الدكتور صدام البازلي مستدلاً بـ “رجل مسن” كان قد اصطحبه إلى عدد من المستشفيات ومراكز العزل لكن لم يجد من يتعاون معه بقبول الحالة تحت مبرر عدم تلقيهم بلاغ بالحالة أو تقارير طبية تؤكد اصابته بالفيروس، حد قول البازلي.
عدم قبول مصابي كورونا المستجد من قبل المستشفيات ومراكز العزل بمارب يؤدي إلى انتشار الفيروس بين المخالطين في المحافظة، كما يقول عبد الرحمن الماربي وهو شقق أحد المصابين بكورونا الذي توفي لاحقا بالمنزل.
هروب مميت
ليست هذه الحالة الوحيدة التي توفيت وهي تبحث عن مستشفى أو مراكز العزل حيث وثقت ” المجلة الطبية ” وفاة جميل عبده فارع الحاج ( 35 عاما) متأثرا بإصابته بفيروس كورونا في منزله بعد أن رفضت جميع المستشفيات ومراكز العزل بالمحافظة استقباله.
يقول عبد الرحمن فارع وهو شقيق الضحية لـ “المجلة الطبية” أنه نقل أخاه بعد ظهور أعراض كورونا عليه إلى مستشفى كرى الذي زوده بمضاد حيوي ومغذية وطلب منهم المغادرة رغم الحالة الصحية الحرجة للمصاب، حد قوله.
عبد الرحمن نقل أخاه إلى المستشفى الميداني لكنهم رفضوا استقباله وأقترح عليه الأطباء نقله إلى المستشفى العسكري الذي رفض بدوره استقبال المصاب واقترح عليه نقله إلى مستشفى كرى وهناك تم تحويله إلى مركز العزل.
لم تنتهي القصة هنا.. يقول عبدالرحمن ” بقيت نصف ساعة اطرق بوابة مركز العزل بقوة وأصرخ بأقوى صوتي طالبا فتح الباب وأن لدينا مصابا بحالة حرجة تم تحويله من المستشفى لكن دون جدوى، لم يجبنا أحد فاضطررت للعودة به إلى المنزل حيث توفي هناك”.
تلقى عبدالرحمن بعدها اتصالا من مكتب الصحة، أخبره المتصل بأن فرق التعقيم ستزورهم لتعقيم المنزل، لكن أحد لم يأت ما اضطره للقيام بالمهمة مستعينا بإرشادات طبيب من اصدقائه يعمل في محافظة أخرى.
مبررات رسمية
أقر نائب مدير مكتب الصحة في محافظة مارب احمد العبادي بوفاة عدد من المصابين بفيروس كورونا بعد أن رفضت المستشفيات استقبالهم.
يقول العبادي لـ المجلة الطبية “نعم توفي عدد من المصابين بعد أن رفضت المستشفيات ومراكز العزل استقبالهم” مبررا ذلك بان بعض المصابين يتوجهون مباشرة إلى مركز العزل الصحي أو المستشفيات دون مرورهم باي جهة طبية كالفرق الموزعة على المربعات داخل المدينة والتابعة لمكتب الصحة وكذا مركز الحجر في جامعة إقليم سبأ حسب تصريح نائب مدير مكتب الصحة.
تفحصهم وتقرر إلى أين يجب أن يذهبون
ويضيف العبادي من الإشكالات أيضا تأخر وصول الحالات المصابة إلى المستشفيات أو مراكز العزل أو الابلاغ عنها بوقت مبكر حتى تتمكن الفرق من توفير الرعاية والمتابعة الصحية سواء في الحجر الصحي في المركز أو في المنزل وحتى يسهل التعامل معها وارشادها وإرشاد ذويها بالتعامل السليم معه.
تكرار حالات الوفاة بنفس السيناريو دفعت مكتب الصحة إلى التحقيق والتقصي لمعرفة الأسباب واتخاذ إجراءات عقابية بحق المتهاونين، حسب قول نائب مدير عام الصحة، الذي استدرك بقوله “شكاوى المواطنين فيها مبالغة والحالات التي حدثت معدودة وقد تم حل الاشكاليات”.
وقدر العبادي عدد الاصابات بفيروس كورونا في محافظة مأرب بين الـ ” 20 و 50″ حتى تاريخ كتابة التقرير_ إصابة يومية ممن يدخلون إلى المستشفيات ومراكز العزل، لكنه يضيف أيضا “في بعض الايام يصل العدد إلى خمسة فقط”.
ولا توجد احصائية دقيقة لكن المسؤول في الصحة يؤكد ان الفيروس ينتشر بين الاهالي في المحافظة بشكل كبير.
تباين بين الإمكانيات وعدد السكان
وحسب تصريح نائب مدير مكتب الصحة العبادي فإن محافظة مارب تمتلك اليوم مركزين اثنين للعزل صحي وهما مركز العزل في جامعة إقليم سبأ وآخر في مستشفى 22 مايو بمنطقة الجوبة جنوب غرب المحافظة بالإضافة إلى مراكز عزل مصغرة تحتوي على 4 إلى خمسة أسرة داخل المستشفيات الخاصة.
وكذا تمتلك مارب 8 مراكز حجر موزعة في المحافظة أغلبها تم افتتاحها قبل أسابيع وهي موزعة في مستشفى حريب ومستشفى 26 سبتمبر الجوبة ومستشفى كرى العام وفي مستشفى الحصون مارب -الوادي وكذا في فندق اسطنبول في المدينة ومركز الروضة الصحي ومدرسة الروضة واخر مركز مصغر في مخيم الجفينة للنازحين.
كما أن هناك مركز حجر آخر تم تجهيزه في منطقة الجولة خارج المدينة، بالإضافة إلى مراكز حجر مصغرة ومؤقتة في بعض المستشفيات الخاصة والحكومية الأخرى وكذا مداخل المحافظة تختلف بقدراتها الاستيعابية بين عشرة إلى خمسة أسرة.
وتضطر السلطات الصحية في محافظة مارب التي يقدر عدد سكانها بأربعة ملايين مواطن حسب احصائية مكتب الصحة، بعد أن استقبلت المحافظة النازحين من مختلف المحافظات اليمنية إلى إرسال الفحوصات إلى حضرموت بسبب عدم توفر جهاز البي سي ار.
ويشتكي العبادي من ضعف الإمكانيات مقارنة بعدد السكان: ” وزارة الصحة وكل المنظمات الداعمة في جوانب الأدوية والمستلزمات والأجهزة وغيرها ترصد حصة المحافظة على أساس عدد مواطنيها 400 ألف مواطن رغم أن مارب بات عدد سكانها اليوم أكثر من 4 ملايين مواطن”.
ومنذ عام 2017 حتى 2019 حصلت محافظة مارب على 6 سيارات فقط من ضمن 170 سيارة اسعاف استقدمتها أو حصلت عليها وزارة الصحة في الوقت الذي سلمت محافظات أخرى أقل من مارب من حيث عدد السكان 15 إلى 10 سيارات.