عباس السيد*
يتطلع الإسرائيليون – بلهفة وحماس – إلى إبرام اتفاق التطبيع مع السعودية، ويرون فيه انتقال كيانهم إلى مرحلة جديدة بآفاق واسعة، ومن خلاله سيطوون أكثر من 75 عاما من العزلة في المحيط العربي والإسلامي، بالنسبة للصهاينة، يعتبرون التطبيع مع السعودية ذروة انتصاراتهم، وهو أشبه باستسلام العرب والمسلمين لإسرائيل والاعتراف بها كواقع يجب التعايش معه .
التطبيع مع الأمير محمد – بالنسبة لليهود ـ هو انتصار على النبي محمد ورسالته التي حاربوها منذ ظهورها قبل أكثر من 1400 عام .
” محمد مات ” هكذا يردد قطعان المستوطنين في باحات المسجد الأقصى، وعلى أنقاض المباني في غزة، يمارسون جرائمهم واستفزازاتهم وهم مطمئنون لأنهم وجدوا محمد من نوع آخر، محمد لا يعاديهم ولا يحذِّر منهم أو يحرض عليهم، بل ينتظر اكتمال مهمتهم في غزة لغسل أيديهم وتوقيع اتفاق التطبيع معهم .
صحيح أن النظام السعودي والمملكة السعودية لا تمثل العرب والمسلمين، لكنه تطبيع مع قبلة المسلمين الذين يتجاوزون 1.5 مليار نسمة .. تطبيع مع خادم الحرمين الشريفين، مع النظام الذي يسيطر على المشاعر المقدسة وينظم ويتحكم في الركن الخامس من أركان الإسلام .
لا يخفي السعوديون سعيهم إلى التطبيع ” منذ العام 1982، كما قال السفير السعودي في لندن الأمير خالد بن بندر، في مقابلة مع إذاعة بي بي سي ” قبل نحو أسبوع، دون مراعاة لحرب الإبادة التي يشنها جيش الاحتلال في غزة .
” مساعي ” التطبيع بين السعودية وكيان الاحتلال يزيد عمرها عن أربعة عقود .. هذا يعني أن التطبيع بين الرياض وتل أبيب حقيقة واقعة ينقصها الإشهار، ولا يمكن وقف هذا القطار بالتجميد أو التأجيل مهما كانت السياسات الإسرائيلية أو الشروط السعودية المعلنة .
يثق الإسرائيليون في “متانة” علاقتهم مع الرياض، ولولا هذه الثقة لما استمروا في حرب الإبادة ضد الفلسطينيين في غزة .
لا يبدي الإسرائيليون اهتماماً بالرأي العام العالمي، الذي يخرج في مختلف أنحاء العالم منددا بجرائمهم، ولا بالدعاوى القضائية المرفوعة ضدهم في المحاكم الدولية، لأنهم يراهنون على اتفاق التطبيع مع السعودية، فهو ” مفتاح السلام “، بحسب ما قاله رئيس الكيان في منتدى دافوس أمس.. اتفاق التطبيع ـ بالنسبة للصهاينة ـ بمثابة صك براءة أو على الأقل مرسوم عفو عن كل الجرائم التي اقترفوها .
لا يزال العرب والمسلمون يدفعون ثمن التطبيع مع العدو الذي بدأ مع مصر عام 1979، وقد كان لدى النظام المصري حينها ما يقدمه كمبررات للتطبيع، أهمها استعادة شبه جزيرة سيناء، فما هي الدوافع السعودية للتطبيع مع كيان العدو ؟. هل أسلم الإسرائيليون، أم تيهود آل سعود ؟.
يحاول السعوديون تسويق ” كذبة أوسلو” وحل الدولتين كشرط لإنجاز الاتفاق، مع أنهم يدركون أن تحقيق هذا الحل بات مستحيلا، بعد أن فرضت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة واقعاً ديمغرافياً مختلفاً من خلال سياسات التهجير والاستيطان في مدن الضفة الغربية والقدس الشرقية .
قبل 22 عاما رفض اريل شارون – رئيس وزراء الكيان الأسبق – مبادرة الملك عبدالله التي قدمها ” كمبادرة عربية ” للسلام في قمة بيروت عام 2002، وقال إنها ” لا تسوى قيمة الحبر الذي كتبت به “. حتى الآن، لا يزال الموقف الإسرائيلي من حل الدولتين كما هو، بل أكثر تشددا وإنكارا للحقوق الفلسطينية .
وبينما تجري سياسة التهجير والاستيطان في الضفة على جرعات، يعمل الصهاينة على تنفيذ هذه السياسة في قطاع غزة دفعة واحدة.. فما الذي تبقى من حل الدولتين ؟.
ومع ذلك، نعتقد أن السعوديين سيتمسكون بهذا الشرط حتى وإن كان الحل دولة فلسطينية في مخيم جنوب رفح .
لا شيء يقتل الفلسطينيين ويمحو قضيتهم العادلة، أكثر من التطبيع، ولذلك، لا يمكن اعتبار تطبيع السعودية مع كيان العدو شأنا يخص الرياض وحدها، لأن تداعياته ستكون كارثية وسيتأثر بها الفلسطينيون والعرب والمسلمون كافة، وعلى النظام السعودي أن يتفهم مخاوف العرب والمسلمين ـ دولا أو كيانات أو أفراداً ـ ومعارضتهم للتطبيع، وأن لا يعتبر هذا شأنا داخليا وتدخلا في القرار السعودي. وعلى النخب السياسية والثقافية والدينية في الدول العربية والإسلامية أن تتبنى البرامج والمبادرات للتوعية بمخاطر التطبيع السعودي الإسرائيلي .
كلمة أخيرة:
من غير المنطقي أن تهرول الرياض للتطبيع مع كيان الاحتلال الإسرائيلي قبل تطبيع علاقتها مع اليمنيين.. اليمنيون الجيران، العرب المسلمون الذين سيتدافعون بالملايين للدفاع عن السعودية إن هي تعرضت لتهديد أمريكي أو إسرائيلي .
*نقلا عن الثورة
شاهد أيضاً
الصقر إنجاز وموقف
محمد العزيزي نادي الصقر الرياضي واحد من الأندية الرياضية ،غزيرة الانجازات وأحد الأندية الكبار الذين …