اسيا العتروس*
تدخل حرب الإبادة الجماعية للاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة شهرها الخامس على التوالي ومعها يدخل العالم عصر الفوضى الهدامة والهمجية الرسمية برعاية القوى الكبرى على وقع استمرار عداد الموت في إحصاء ضحايا هولوكوست العصر وهي الصفة التي تليق بما ترتكبه حكومة ناتنياهو الغارقة في العنصرية والتطرف حتى وإن رفض حلفاؤها هذه الصفة وأصروا على توفير الغطاء والحصانة للجرائم التي ترتكبها تحت أنظار العالم..
وهو زمن الفوضى الهدامة التي أعادت غزة إلى العصر الحجري وفرضت على أكثر من ملوني إنسان العيش تحت الخيم والقصف والثلوج وجعلت نساء غزة يلجأن للحطب لطبخ ما تيسر بعد قطع الوقود عن القطاع وفرضت على الأطباء إجراء العمليات القيصرية على الحوامل دون تبنيج وأخضعت المصابين والجرحى لعمليات بتر لعضو أو أكثر من أعضائهم دون تخدير تماما كما يحدث في السينما ولكن مع اختلاف خطير وإننا أمام واقع يحدث في القرن الواحد العشرين دون أن يكون في هذه المشاهد وغيرها ما يحرك السواكن.. ولاشك انه بعد إقدام فريق من المستعربين على التنكر في زي فريق طبي واقتحام مستشفى معد للعلاج وتصفية عدد من المرضى ما يعني انه سيتعين توقع كل أنواع التوحش وسيتعين على أهالي قطاع غزة الحفاظ على وجودهم بما توفر لهم بعد أن خذلهم العالم..
بناء على ما سبق سيتعين على من يحذرون من كارثة إنسانية وشيكة في غزة أن يتوقفوا عن اسطواناتهم الببغائية ذلك أن الواقع يؤكد ومنذ فترة أن الكارثة قائمة ولا يمكن إلا لمن أصيب بعمى الألوان أو من يجهل قراءة الواقع إنكار الحقيقة وأن القطاع إزاء كارثة غير مسبوقة يتعاطى معها العالم باللامبالاة والتواطؤ…
وعصر الفوضى الهدامة مقدمة للتخلص من النظام الدولي وما بقي من مؤسساته ليس من اجل نظام دولي جديد اقل ظلما أو أكثر عدلا أو لاستعادة الوعي المفقود وإعادة تحديد البوصلة ولو كان الأمر كذلك لقلنا أن الكارثة قريبة من نهايتها وأن تضحيات الفلسطينيين الفلسطينيون سيؤتي ثمارها.. ولكن الواقع أن المجتمع الدولي بانحيازه الأعمى للجلاد على حساب الضحية يتجه إلى الوقوع في المصيدة الإسرائيلية التي تدفع بضغط ودعم أمريكي وجزء من الغرب إلى إلغاء وجود “الاونروا” التي تأسست بعد النكبة لتامين احتياجات الفلسطينيين المشردين إلى حين عودتهم إلى أراضيهم التي هجروا منها قسرا على وقع جرائم الإبادة الجماعية التي حملت توقيع عصابات “الهاغاناه” و”الشترن” الصهيونية.. وسيتعين الانتباه إلى أن الحملة الإسرائيلية ضد وكالة غوث وتشغيل اللاجئين لم تبدأ مع القرارات المبدئية المعلنة لمحكمة العدل الدولية التي تبقى خيط الأمل المتبقي للقانون الدولية وهي التي خرجت على الأقل حتى الآن عن طوع واشنطن وتل أبيب وتجرأت على توجيه أصابع الاتهام إلى كيان الاحتلال بارتكاب جرائم إبادة جماعية موثقة.. ولكنها تعود بعد قرار العدل الدولية أكثر شراسة من الماضي في حملة يقودها مجرم الحرب ناتنياهو لتجفيف منابع “الأنروا” كمقدمة لإلغائها من المشهد بدعوى دعم بعض عناصرها حركة “حماس”.. وهي بالتأكيد محاولة مفضوحة لتحويل الأنظار عن جرائم الإبادة المستمرة في غزة ولكن أيضا للتشكيك في دعوى العدل الدولية والاتهامات الموجهة للاحتلال والأطراف الداعمة والممولة له بالمال والسلاح والغطاء السياسي والقانوني والتي تبقى حسب محكمة العدل الدولية شريك في جريمة الإبادة..
تنشيطا للذاكرة الإنسانية في زمن آفة العصر أو الزهايمر السياسي والتاريخي نقول إن تأسيس “الأونروا” جاء في أعقاب حرب 1948 بموجب قرار 302 الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة لخدمة اللاجئين الفلسطينيين إلى حين عودتهم إلى بيوتهم وفق قرار الجمعية العامة رقم 194 وهو ما يفسر حالة الهستيريا الإسرائيلية والإصرار على محو “الأونروا” الشاهد من الوجود وإنهاء خدماتها للفلسطينيين أملا في إلغاء الذاكرة الفلسطينية نهائيا.. كنا نأمل مع بداية العدوان في موقف عربي ناضج قادر على منع استمرار الجريمة ولم يحدث.. ولا نخال أن أرصدة العرب وثرواتهم يمكن أن توفر لـ”الأنروا” أسباب الحياة وبما يضمن للاجئين الفلسطينيين الحد الأدنى من الكرامة في زمن الفوضى الهدامة..
*كاتبة تونسية
شاهد أيضاً
كشف المستور في كتاب الحرب المنشور!
محمد عزت الشريف* لم يكن طوفان الأقصى محضَ صَولةٍ جهادية على طريق تحرير الأقصى وكامل …