الثلاثاء , مايو 14 2024
الرئيسية / اراء / إرهاب المستوطنين!

إرهاب المستوطنين!

حسن مليحات*
لقد وصل عدد المستوطنين في مطلع العام 2024 الى ما يقارب(525)ألف مستوطن في الضفة الغربية، موزعين على نحو (150)مستوطنة، وزهاء ما يقارب (180)بؤرة استيطانية رعوية، وهم كتلة متنوعة فهناك ما يقرب من 36% من الحريديم المتشددون دينيا، ونحو 29% من العلمانيون، ونحو 35% من التيار التوراتي العقائدي الذي تنبعث منه المجموعات العنيفة، وقد تحولت تلك المستوطنات لدفيئات لتفريخ الفكر الارهابي وتشكيل تنظيمات تحولت الى قوة ضغط وعدوان، لذلك تدور معركة مع المستوطنين في الضفة الغربية موازية لتلك المعركة التي تدورها رحاها في غزة، فقد زادت في الأونة الاخيرة بشكل كبير وغير مسبوق هجمات المستوطنين وعنفهم ضد سكان القرى والتجمعات البدوية في مناطق متفرقة من الضفة، وقد تطور ارهاب المستوطنين من مجرد اعمال ترتكبها مجموعات(سرية)في الثمانينيات، الى ثقافة شعبية يعتنقها غالبية سكان المستوطنات الأيدلوجية، ومشهد يومي ومرعب في قرى وتجمعات وشوارع الضفة الغربية، فسلطات الاحتلال الاسرائيلي تمارس ارهابا منظما في طول الضفة الغربية وعرضها، ولا تكتفي بتقطيع أوصال الضفة عبر الحواجز العسكرية والسواتر الترابية، بل تمارس سياسة الاقتحامات للمدن والقرى والتجمعات الفلسطينية بشكل شبه يومي، وسط قتل وهدم المنازل، وبذات الوقت تشجع وتتشارك مع المستوطنين في اعتداءاتهم اليومية.
وفي هذا السياق لا بد من الاشارة بأن التنويع الأيدلوجي والفكري في مجتمع المستوطنين، يجعل من الصعب تفكيك الاستيطان والانسحاب من الضفة الغربية، فقد تمازجت تدريجيا الخطط الاسرائيلية التي تدعو الى الاستيطان لأسباب أمنية، وتلك التي تدعو للاستيطان لأسباب قومية تتعلق (بالحق الالهي) الممنوح لليهود في الضفة الغربية، فأصبح المشروع الاستيطاني اليوم كتلة اجتماعية متنوعة تقوده فئة تعتقد بأن الضفة الغربية هي الجزء الأساس من ((أرض اسرائيل)) ومنها يبدأ الخلاص، وأن عليهم ان يقوموا بتطهيرها من الفلسطينيين، الأمر الذي يؤشر لتطور الصهيونية الحريدية العنيفة التي تدعو الى مواصلة تنفيذ الهجمات ضد الفلسطينيين، ويمثل الوزير المتطرف بتسلئيل سموترتيش هذا التيار السياسي، فهو لا يتوانى ولا يتحرج دبلوماسيا من اطلاق دعوات لقتل الفلسطينيين وتهجيرهم ومحو القرى، وما يلقى أذانا صاغية ومتيقظة من قبل غلاة المستوطنين.
لقد تطورت عقيدة لدى المستوطنين مفادها بوجوب الرد على اعمال المقاومة الفلسطينية بشكل عنيف، ويأخذ دور المستوطنين نوعين، الأول : الرد عبر تشييد بؤرة استيطانية جديدةـ، والثاني أعمال ارهابية تتمثل في تخريب ممتلكات فلسطينية او الحاق اضرار جسدية او قتل فلسطينيين، هذه الردود ليست جديدة ولكنها تحولت الى عقيدة راسخة ومدعومة من منظمات المستوطنين ومؤسساتهم، وما يصب الزيت على النار تداخل المناطق بين المستوطنون والفلسطينيون بشكل معقد يصعب فصله، كما أن المستوطنات الأكثر عقائدية مقامة بين القرى الفلسطينية، ومحاذية للتجمعات الفلسطينية، الامر الذي يجعل هجمات المستوطنين قابلة للتنفيذ، أضف الى ذلك التنسيق الواضح والتعاون بين الجيش الإسرائيلي ومجموعات المستوطنين، وهذا مرده يعود كون العديد من ضباط وعناصر لواء (كفير)العامل في الضفة الغربية هم من خريجي المدارس الدينية للمستوطنين، لذلك يعمل الجيش الإسرائيلي لحماية المستوطنين عند تنفيذهم هجمات ضد الفلسطينيين.
يظهر جليا بأن ما يقوم به المستوطنون من اعتداءات لا تصنف في أطار التصرفات الفردية او الحوادث المعزولة، بل هو عمل منظم يجد الدعم والتشجيع من اوساط سياسية في حكومة وكنيسيت الاحتلال، ومن اوساط متنفذة في شرطة وجيش حكومة الاحتلال الإسرائيلية، فالمستوطنون يتخذون من البؤر الاستيطانية الرعوية ملاذات أمنة بحماية جيش الاحتلال وفرق الطوارئ التي شكلها وسلحها الوزير المتطرف أيتمار بن غفير، ففي العام المنصرم أدت هجمات المستوطنين المتكررة ضد السكان الفلسطينيين الى تهجير (28)تجمعا بدويا ودفعهتم الى الرحيل القسري، وتشمل هذه التجمعات (270)عائلة بعدد يقدر حوالي 1600 فردا، وفي الثلث الأول من عام 2024 تعرضت التجمعات البدوية ل(700)اعتداء من قبل عصابات المستوطنين، وتم تهجير تجمعين بدويين في منطقة الأغوار الوسطى في الضفة الغربية، وصادرت سلطات الاحتلال في نفس العام ما يقارب (5052466)دونما في الضفة الغربية، تحت مسميات(محميات طبيعية، أوامر استملاك، أوامر وضع يد) أصدرت خلالها (32)أمرا بوضع اليد، و(4) أوامر استملاك، وأمري اعلان اراضي دولة، و (4) أوامر لتعديل حدود محميات طبيعية، علما بأن هناك الكثير من أعمال عنف المستوطنين مرت دون توثيق، كتلك التي تشمل التخويف او المضايقة والتي تحدث شعورا عميقا بانعدام الأمان لدى الفلسطينيين.
لقد أخذت جرائم وعنف عصابات المستوطنين منحى تصاعديا ضد الفلسطينيين، خاصة أولئك الذين يسكنون في المناطق المصنفة (ج)حسب اتفاقية اوسلوا 1993، وتنطلق هذه الهجمات في غالبيتها من بؤر استيطانية رعوية، وازدادت حدتها بعد 7 او كتوبر وتسليح (17000)الف مستوطن منذ ذلك الوقت، وتشكيل ميليشيات مسلحة من المستوطنين وأطلاق يدهم من قبل جيش الاحتلال مما يعنى أن هناك (جيش مسلح من المستوطنين في الضفة الغربية) وهو جيش موازي لجيش الاحتلال الإسرائيلي، ويعود السبب في ارتفاع حدة الهجمات الى الخلفية الأيدلوجية والفتاوي التي نشرها الحاخام يتسحاك غينزبورغ والتي تتحدث عن فكرة الانتقام من الفلسطينيين سواء عن طريق ارتكاب المجازر على طريقة باروخ غولدشتاين، او احراق ممتلكات باعتبار ان هذه الجرائم هي(التجسيد العميق للفعل اليهودي الخالص)، بالإضافة انتشار الأرهابية بين المستوطنين في الضفة الغربية والمستقاة من كتاب (عقيدة الملك)للحاخامين يتسحاق شابيرا ويوسيف والتي تؤكد على أنه في الحرب على مصير أرض اسرائيل ينبغي قتل الأغيار، فالأغيار الذين يطالبون بهذه البلاد لأنفسهم ، يريدون سلبها من اليهود، وأن أفضل الأغيار في فترة الحرب هو الميت، أضف الى ذلك بأن ارهاب المستوطنين المنظم هو أداة لردع الفلسطينيين ويترافق مع عمليات جيش الاحتلال الإسرائيلي لقمع المقاومة الفلسطينية ويعتبر فعلا مساندا في ترهيب الفلسطينيين.
مما سبق نخلص الى القول بأن الضفة الغربية تشهد حالة حرب مفتوحة مع جيش الاحتلال الإسرائيلي ومع جيش المستوطنين المسلح الموازي لجيش الاحتلال، وانه لا بد من تشكيل ودعم لجان الحراسة والحماية الشعبية بعد الهولوكست التي ارتكبها المستوطنين ضد القرى الواقعة شرق محافظة رام والله، وسياسة التطهير العرقي التي تمارس ضد التجمعات البدوية، وتوفير مقومات الصمود والبقاء للقرى والتجمعات الفلسطينية التي تقف على خط النار وهو خط الواجب العالي في دفاعها عن الأرض التي هي المحور الرئيسي للصراع مع الغزاة الصهاينة، ووضع هذا الملف في سلم اهتمامات الحكومة الفلسطينية الجديدة، وتخصيص موازنة لهذا الغرض، والمطالبة بقرار نظام دولي خاص لحماية الفلسطينيين، وتقديم الملف للمحكمة الجنائية الدولية، وأدراج منظمات المستوطنين التي تمارس العنف على قائمة الارهاب العالمي، والتحول العاجل للتعامل مع هذا النوع من التهديد المتصاعد، فالضفة الغربية اشبه ببرميل بارود بلغ ذروة قابليته للانفجار.
*كاتب وخبير استراتيجي

عن اليمن الحر الاخباري

شاهد أيضاً

من يوقف بربرية الاحتلال ؟!

  ▪بقلم/ فيصل مكرم* ▪مزيدٌ من القتل ومزيدٌ من القصف ومزيدٌ من المجازر والتدمير والحصار، …