كمال خلف*
مازلت استبعد شن إسرائيل عدوانا شاملا على لبنان في الوقت الحالي او في المدى المنظور،على الرغم من ارتفاع مستوى التهديد بالحرب وتصاعد القتال على جبهة الجنوب اللبناني بشكل غير مسبوق وكاسر لقواعد الاشتباك ووتيرة المعارك.
خلال الأيام الماضية ارتفع منسوب احتمالات الحرب بشكل لافت وخطير ما دفع البعض للحديث عن الحرب باعتبارها امرا حتميا، بالتوازي مع تقارير تتحدث عن قرار في إسرائيل بالخروج الى حرب الشمال. وما رافق ذلك من تطورات ابرزها كان الخبر المنسوب لوكالة رويترز ان الحرب واقعة لا محالة وخلال ٤٨ ساعة، وتقرير ” صحيفة التلغراف” الذي اتهم حزب الله بتخزين السلاح في مطار بيروت، ما يعني ان تبريرا وذريعة مهداة لإسرائيل لقصف المطار وتدميره، وهذا لو حدث كفيل بأشعال الحرب لان حزب الله سيرد بقصف مطارات إسرائيلية.
رغم هذه التطورات الخطيرة ما زالت اتمسك بتقديراتي السابقة بأن إسرائيل لن تشن حربا شاملة وعدوانا واسعا على لبنان في الوقت الحاضر. وقد كنت قد كتبت هذا الرأي في حسابي في منصة ” اكس ” ليل السبت بينما كانت التقارير حينها تتحدث عن ان الحرب ستندلع خلال ساعات.
لا تتسع هذه المساحة لإعادة سرد الأسس التي دفعتني لتبني هذا الرأي، وقد تحدثت عنها بشكل مفصل في مقالات سابقة حملت ذات العنوان. لكن يمكن تلخيصها بعضها بجملة مختصرة ” إسرائيل غير جاهزة ولن تدخل حربا كبيرة ومصيرية الا بجهوزية كاملة، والولايات المتحدة لا ترغب بها وليست من مصالحتها، ولا في مصلحة الدول الاوربية “.
يوم امس لمسنا نوعا من لغة تراجع عن عنتريات الحرب لدى الجانب الإسرائيلي، وهذا أيضا ظهر في بعض التصريحات الصادرة من واشنطن، وعادوا يتحدثون عن الحل الدبلوماسي لجبهة الشمال، بدلا من الحرب.
بكل الأحوال ما نعمله ان المقاومة في لبنان جهزت نفسها للحرب الشاملة، ووضعت كل السيناريوهات امامها وقررت علنا ان الحرب سيخوضونها دون سقوف ولا قواعد ولا ضوابط، وهذا التوصيف مفهوم ميدانيا وسياسيا لدى عواصم القرار.
السؤال وفق هذه المعطيات، هل تراجعت إسرائيل عن الحرب ؟ نعتقد ان إسرائيل لم تقرر الخروج للحرب لتتراجع او تتردد. وان كان ما عرضه حزب الله في الأيام الماضية من اهداف أهمها مفاعل ديمونا وما لوح به من سيناريوهات أهمها شل حركة تدفق الطاقة من البحر المتوسط، كفيل لوحدة بجعل إسرائيل تعيد الحسابات وتفكر الف مرة بالعدوان على لبنان. ولا يمكن للمراقب الا ان يعجب بالتكتيك الذي اتبعه الحزب إعلاميا وعسكريا وبالخطاب السياسي بهدف الردع وحماية لبنان. فقد كان أسلوبا مبتكرا واضح الأهداف وبليغ المقاصد تم تمريره على جرعات صادمة للعدو، لم تشهد اجيالنا العربية مثيلا له خلال كل حقب الصراع مع إسرائيل.
لكن اكرر إسرائيل لم تكن قد اتخذت قرارا بمهاجمة لبنان، ويمكن تفسير السخونة التي وصلت اليها الاحداث في الأيام الماضية ومازالت بنوع من التكتيك الإسرائيلي الدي يعوض عن الحرب الشاملة مع الامل في تحقيق اهداف دون خوض الحرب. لجأت إسرائيل في هذا السياق الى الاغتيالات والعمليات الأمنية كنوع من التعويض عن عدم إمكانية وجاهزية خوض جيشها حرب شاملة.
ومنذ يوم السبت الماضي قررت إسرائيل اللجوء الى تكتيك اللعب على حافة الهاوية من خلال ممارسة التهويل والتخويف على اللبنانيين ولبنان ككل وليس فقط حزب الله، وليس تقرير التلغراف بعيدا عن هذه الأهداف، فالتقرير الذي لم يوقع تحته صحفي وترك مجهول النسب جزء من اللعبة لتسليط الضوء والانظار نحو مطار بيروت، وبالتالي شل حركة المسافرين وتحديدا القادمين الى لبنان، وايهام الرأي العام اللبناني ان إسرائيل امتلكت الذريعة لقصف المطار، وقد أكملت فرقة الكومبارس المحلية داخل لبنان فصول اللعبة، وانبرت الأدوات الجاهزة دوما للتساوق مع إسرائيل في لبنان في شن أوسع حملة تشويه وشتم وتحميل حزب الله مسؤولية الحرب، في ضغط سياسي واعلامي مع حرب اشاعات فضاؤها السوشل ميديا تماثل تلك التي شنتها ذات الأدوات على حزب الله بعد انفجار مرفأ بيروت، ونعتقد ان فصول هذه المسرحية لم يكتمل وقد نشهد ضغوطا إضافية سياسية وإعلامية على الحزب من داخل لبنان وربما من دول عربية. وقد تسع الولايات المتحدة الى فعيل جبهة داخلية في لبنان تحت شعار ” لا نريد الحرب ” او شعارات أخرى من قبيل ” حزب الله يجرنا الى الحرب “، وهذا مجرب سابقا وعملت عليه الإدارات الامريكية السابقة وخصصت لها ملايين الدولارات ولكنه فشل.
واذا كانت الولايات المتحدة تجنح نحو حل دبلوماسي حسب وصف مسؤولين في الإدارة لوقف جبهة الجنوب اللبناني، فان العنوان هو غزة ونقطة. الحل في وقف الحرب على غزة، والجواب على ذلك عند نتنياهو.
جبهة الاسناد اللبنانية والجبهات الأخرى لن تتوقف وكلها مرتبطة بغزة وهذا قرار تم اتخاذه من قادة محور المقاومة ولا مجال للتراجع عنه بحرب او بدون حرب ومهما كان الثمن.
واذا كانت إسرائيل تعتقد انها حققت بعض الأهداف التكتيكية مثل خفض مستوى التصعيد في الجنوب خلال الساعات الماضية من خلال لعبة حافة الحرب والتهويل وتهويش اتباعها في لبنان والاستعانة بخدمات الجيوش الإلكترونية العربية ووسائل اعلام عربية تابعة وبث الاشاعات، فأن حساباتها خاطئة فالعجز بات مكشوفا، ومعادلات الأوزان الجديدة في المنطقة قادمة لا محالة بالحرب او بدونها.
*كاتب واعلامي فلسطيني
Check Also
عودة هازم النساء وقاهر الرجال!
المهندس. سليم البطاينه* تهجير وتوطين وتوسيع للحدود وتصحيح للخرائط! وادفع لكي تبقى على كُرسيك! واضح …